المحتوى الرئيسى

الديكتاتور الجميل... كاسترو

12/01 01:29

في أحد خطبه النارية... شنّ فيديل كاسترو هجوماً، ليس على الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة الهجوم الفاشل في خليج الخنازير... بل على «رقصة السامبا». وفيما هو يردد انتقاده للغرام الكوبي بالرقصة مكرراً كلمة «سامبا...سامبا» ويلفظها بجملتها الموسيقية، محركاً يديه، ساخراً ومحذراً... بدأت الجموع الحاشدة تميل معه ومع تكراره... وترقص. فيما هو انتقل إلى الضحك الذي يعني أن لا فائدة: إنه شعب راقص! لم يكن كاسترو يريد أن يغيّر شعبه، بل أراد أن تتغير كوبا كلها، وقد بدأ ذلك بثمانين مقاتلاً، فشلوا في المرة الأولى في الاستيلاء على السلطة، ثم نجحوا في المرة الثانية بثلاثمائة مقاتل دخلوا هافانا وأمامهم الثائر الأسطورة «غيفارا».

بهذا المعنى ثمة «أقلية» ثورية استطاعت أن تأخذ أغلبية شعبية إلى أمل وتغيير وتحول ومستقبل جماعي. وهكذا تحولت «كوبا الصغيرة» إلى بلد عدالة وعمل وثقافة بعد إزالة الظلم والأمية والفقر... (الأعداء التقليديين للبشر)... وأصبحت بلداً كبيراً في أرخبيل عالمي.

بهذا المعنى لم يكن هناك من داع لتلك الانتقادات الليبرالية المفبركة لنظام الحزب الواحد والشخص الواحد، تماما كما لم تكن عداوة أميركا لكوبا قائمة على أساس حقوق الإنسان والديموقراطية.

هذه الأقلية الثورية لم تقم بفعل الخيانة للثورة ولمبادئها طوال خمسين عاماً. لم تنهب وتسرق وتمتلك الأراضي والمعامل والمشاريع الشخصية. ولم تهرّب العملات إلى الخارج، وتخلق عرشها الطبقي الذهبي على حساب العمل والأمل، بل محت وإلى الأبد، أمية الكوبيين، وأتاحت للجميع دون استثناء فرص العمل والصحة والتعليم والثقافة والسياحة، وطبعاً تدخين السيجار وشرب «الروم».

هذا النوع من «النظام»، حتى بوريثه من العائلة، لا يمكن مناقشته وفق وصفة طبية تحتال على المفردات، كالديموقراطية التي يقول عنها الرئيس «بوش» إنها أهم من «الاستقرار» والتي حاول تصديرها لبلد كالعراق فكانت «الترحّمات» على الديكتاتورية شخصياً. ومثلما يقول فيديل كاسترو نفسه: إن كلفة مرشح واحد للكونغرس الأميركي أو الرئاسة لا تقل عن مائة مليون دولار، وإن تنافس حزبَين «فقط» شبيه بالحكم بحزب واحد، ومقابل 50 مليون عاطل عن العمل وجائع في الولايات المتحدة لا يوجد كوبي واحد بلا مأوى أو عمل، فيما يحتكر الثروة الكونية، نادي المليارديرية المؤلف من خمسمائة شخص.

ثمة طريقان في الشرعية الثورية التي تنتمي إليها كوبا: طريق البشر والناس انضماماً إليهم وعملاً بهم ومعهم. وطريق الأقلية التي تطرح مشروعاً ثم تتخلى عنه لمصلحة الفئة، ثم الشريحة، ثم الأفراد. الطريق الأول يحمي البشر ويحميه البشر. والطريق الثاني يقمعهم ويرهبهم ويهمشهم، فتصبح «شرعية الثورة» «شريعة الغاب»، ومشروع «الثورة» خارطة طريق «الثروة».

بالطريق الأول استطاعت كوبا، على بعد أميال من فلوريدا، أن تقاوم أميركا وحصارها خمسين عاماً، واستطاع فيديل أن يبقى على قيد الثورة رغم ستمئة وثمان وثلاثين محاولة اغتيال .هكذا ستبقى في ذاكرة القرن العشرين، وذاكرة جيلنا، ثقافة ولغة وأفكار وفنون تلك الأيام، محتفظة برموز حية مثل غيفارا، تثير، حتى لدى أجيال قادمة، ذلك الحنين إلى حلم التحرر العالمي والحرية عبر عدالة القتال من أجلها.

فيديل كاسترو، في خطابه ذاك كان يدعو إلى اختلاط عرق رقصة السامبا، في الكرنفالات، بتعرق الأجساد في يقظة العمل في حقول التبغ وقصب السكر. وحين اشتدت ضائقات الحصار... لم يطلب من الجيش النزول إلى الشوارع، احتياطاً لشغب الضائقات الافتراضي، بل نزل الجيش إلى المزارع.

و...هكذا إما أن تصبح الثورة أهم من الديموقراطية أو أن يصبح الاسم الحركي للديموقراطية... الديكتاتورية!

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل