المحتوى الرئيسى

معرض الشتاء

12/01 01:29

ربما أجمل ما يحمله معرض الكتاب السنوي في بيروت أنه يأتي مع المطر. نتمشّى بين أروقة الكتب، دافئين ومتحدّثين عن الشعر والحبّ والفلسفة ونجيب محفوظ وميلان كونديرا وبورخيس. ثمّ يأتي حديثٌ خلفيّ عن الكتّاب الجدد. نحن الشريحة التي تتلقّى كل الصفعات الممكنة في هذه الأيام القليلة من أيام الكتاب. نحن الصدور التي تتحمّل الطلقات، ونكون نجوم الأحاديث بطريقة أو بأخرى. أحسّ في كلّ السنة بأن هناك من يتحضّر لقصف جبهة الكتّاب الشباب ومحاولة تحطيمها من جديد. هذا يقول إنّه لا شعراء شبابا يعوّل عليهم، وآخر يعلّق معطفه على الكرسيّ البلاستيكي ويضحك، ثمّ يولّع سيجارة، يخرج منها دخانٌ شديد السواد، تكاد رؤيته تقتل. على طاولة أخرى أسمع حديثاً عن النساء لا عن الكاتبات والشاعرات، حديثا تافها ولا مكان له بين رقيّ الكتب ووجهها النضر، وسط هذا الشحوب الذي يلفّنا.

لكنني أحبّ أحاديث معرض الكتاب، إنها تعكس وجهة الثقافة في هذه البقعة حيث نعيش، وأحبّ أن أسترق السمع، وها انا أعترف بذلك قبل المعرض بأيامٍ قليلة. أحبّ أيضاً الصامتين بين أجنحة المعرض، الذين تغرق وجوههم بين الأوراق، أكاد أنادي عليهم: «يا كتاب». أحبّ كثرة التواقيع، حتى حين تتحوّل إلى مبالغة، لكنّها تشعرني بالحياة، وبالأمل أيضاً، بأنّه لا أحد أبداً سيستطيع أن يهدد الكتاب، ما دمنا نكتب ونصرّ على الكتابة. أعرف أنّ التواقيع تتحول أحياناً إلى بروتوكولات اجتماعية، لكنها هذه ليست مشكلة كبيرة. أحبّ الأولاد الذين يتفرّجون على الصور. إنهم يعرفون كل شيء. نحن الذين نحاول أن نعرف.

لكن المعرض الجميل الذي يأتي في فصلي المفضّل وفي فصل الحبّ والقبّعات والمظلات والمعاطف الكشمير، مليءٌ بأشياء كان يمكن ألّا تكون، مثل القراءات الشعرية لشيءٍ يشبه نصوص الإنشاء، وكثرة الجلبة حول كتابٍ لا يحمل أي معنى أو أي جديد، فيما كتبٌ كثيرة تمتلئ غباراً طيلة المعرض وفي ما تبقّى من أيام ولا ينتبه إليها أحد. هذه الكتب المنسية ليس كتّابها إلا ناسا لا يحبّون إثارة الضجيج، لكنّهم يكتبون بروح الأرض وروح الكواكب وروح الحياة وروح الأسئلة والفلسفة. ربما على أحدهم توجيه الجلبة إلى حيث يمكن أن تكون نافعة ومنعشة لجسد العالم الذي يملكه كل واحدٍ على حدة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل