المحتوى الرئيسى

مهلاً على التسعين...

12/01 01:29

فلا وداعَ ورأسُكَ المكشوف في النعش المسجّى عند غرفتك القديمةِ رأسُ طفلٍ نائمٍ لا مَيِّتٍ

وأنا أبوك الآن أحْمُلُ في يدي طفلي... وأعجز أن أراكْ

فلن أعودَ غداً تتابعُ الجدلَ القديم معي... كأننا، الاثنين، مسؤولان عن كل الزوايا الحائرهْ

وتريدني أن أقبل الأشياء قبل خسارة الأشياءْ...

مهلاً على التسعينَ عاماً كمْ مررْنَ على القرى وعلى المدائن والمدارس والمقاعد والمكاتبِ.. كمْ وكمْ

الآن أعرف كم تعزُّ عليكَ يا أبتي هشاشةُ ما حملتُ

وكمْ ستحذفُ من كتاب الشوق أعماراً وأسماءً وأشجارا.

هلْ أرفعُ الحجرَ الوفيَّ على جبيني

الحجرَ الحنونَ كأنما عيناك من حجرٍٍ حنونْ

كم كنتَ ترغبُ أن نراك ببدلةٍ رسميَّةٍ في النعْشْ تَحْملُ

ربطةَ العنق الأنيقةَ مثلما أمضيتَ عمرك جاهزاً للناس

لا فَرْقَ لديك أقاصداً جبشيت أو بغدادَ أو بيت الأقارب جنبنا

أو ماشياً من شارع الحوت الطويل إلى بدارو صوب مكتبك الذي حرَمَتْكَ منه بنادق الحرب التي لم تعترفْ بوجودها

حتى وأنت تجرُّنا خوفاً علينا في الفنادق والبيوت العابرهْ

أمضيتَ عمركَ حاضراً في الناس

مفترشاً معاً أفياءَ وحدتكَ العنيدهْ

شاركتُ فيكَ جميع أوردتي ولكنّا انفصلنا دائماً...

فأنا مواضيك الطوالُ ولستَ ماضيَّ القصير وما سواكَ سوى سوايْ

إني أحبِّذُ أن تمسَّ يداك أحجاراً ودارا...

حجراً يجيء كأنه طيرُ الزمانِ

يروح يُشعِلُ في تجاعيد الصلابة نار من سبقوك كي يَبقوا على جدرانها

خطّوا الشقوق ورتّبوا في صخرها أوهامَهمْ

لكأنما أحجارُها صفحاتُهمْ .. وغبارها مِلْحٌ على أوهامهمْ

أَفَيا كتابَ الشوق سجِّلْ كلَّ يومٍ سوف يأتي ما عليك من التجاهل والتغاضي والجفاءْ

لكنّ أُنْسَكَ لنْ يعوِّضَهُ مكانٌ او زمانْ

إلا قليلاً قرب قبركَ كي نعيدَ حوار جيلَيْنا، مزاجَينا ونملأه بفاكهة القصائد والنكاتْ

أُنْسٌ سيرحل في متاهات العدمْ

أُنْسُ الأبوةِ سقفُها المخفيُّ والوهميُّ لا ندركْ متانتهُ...

ولنْ نعطيَه من أوقاتنا ما تستحق ظلالُهُ الحجريَّةُ الخضراء...

الآن قربك، قرب قبرك سوف أُغلقها الحكاياتِ التي لم تنتهِ...

وأسُدُّها فكأنها البئر القديمة في زوايا الدار تخزّن ماءها عذباً وينساها الزمانْ

ما رفّتْ جفونُك إذْ شددْتَ على يدي مرِحاً بلا صوتٍ

لأن أصابعك الهزيلةَ كانت المرحَ الأخير لديك ْ

مهلاً على التسعين ليس يُجِفُّها خطأ وليس يُضيرها سهوُُ

هيَ لحظةٌ بل عمْرُ... لا مثوىً يُواريها ولا جسدٌ ليهجرَها...

تعْهدهُ إليَّ كأنّه مخطوطةٌ لكتابكَ الآتي ولم تُصْدِرْه بعدْ

لا طبعةٌ أولى... ولا خَمْسٌ ولا عشرون ْ

هي نسمة الحِبر العليل، سُلالةُ الكتب العتيقةِ والجديدة في دمي،

ألَمُ الحروف، عمامةُ القلق الوجوديِّ التي سألتْ ولمْ تُجِبِ...

جَدّي وذاك الصيف نشرب شايَهُ النجفيّ والنقدَ الشجاعَ

لمنهج التعليم في الحوزات... وأنتَ تكتبُ بَعْدها أطروحةَ القانون

في باريسَ عن فقه التسامح في عصورٍ قبل أن ينحطّ فِقْهُ...

اليوم أعرف كيف كنت تُهَندِسُ الوقت العصيَّ..

أرى صباكَ محلِّقاً من شرفة الشيخوخة الأعلى

وما رفّتْ جفونك إذْ قبَضْتَ على يدي...

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل