المحتوى الرئيسى

العصيان المدنى سيحمى السودان من التمزق

11/30 20:56

أخيرا نجح العصيان المدنى فى إعادة الروح للمعارضة بأخذ زمام المبادرة فى الفعل السياسى. أما على مستوى الحكومة فقد انشغلت أركانها بردود فعل ناكرة لتأثير الخطوة على راهن، ومستقبل، الحكم الإسلاموى. والحقيقة أنه لسنين طويلة ظلت استراتيجية الحكومة شغل المعارضة التقليدية حتى لا تبادر بإجراءات، أو تحركات، على مستوى الأرض ضدها. وقد لاحظنا ذلك منذ القضاء على ثورة سبتمبر، وما تلى ذلك من إعلان للوثبة.

ومنذ ذلك الوقت ظلت المعارضة السياسية بجانب العسكرية تنشغلان بإجراءات الوثبة المملة، والكاذبة، والهادفة لكسب الزمن لصالح النظام، ذلك رغم أن هناك بعض نجاح قد تحقق حين قاطعت الجماهير تلك الانتخابات المزورة. ولكن العصيان المدنى هذه المرة شكَّل ضربة معلم للمعارضة بأطيافها المتعددة. إذ تكاملت أسباب لحظة الغليان ضد النظام، وعوامل توحد المعارضة دون استثناء، والتى قد حركت بعضا من قواعدها، وعززت تأثيرها على الرأى العام عبر الميديا الحديثة.

والحقيقة الثانية هى أن العصيان أظهر بشكل لا جدال حوله أن المعارضة لم تكن فقط مجموعة أحزاب سياسية، أو حركات متمردة، أو مجرد «صعاليك كيبورد»، كما دأبت الحكومة ومؤيدوها على حصرها. وإنما اتضح أن غالب الشعب السودانى، انطلاقا من تضامنه الكامل مع خطوة العصيان، يمثل المعارضة التى ينبغى أن تتضافر قواعدها لإنقاذ البلاد. والشيء المهم هو أن تميمة الحكومة التى ظلت تعول عليها قد سقطت تماما.

إن العصيان المدنى برهن أيضا أننا لسنا الآن فى حاجة إلى الدخول فى تجربة دموية للتغيير عبر مظاهرات، أو خلافها، حتى تستقر البلاد. فانتصار الشعب السودانى قاطبة عبر العصيان على حكومة الاستبداد سيفرض واقعا جديدا. فيه يحقق الشعب تطلعاته بغير وصاية، ويرسم شكل المستقبل الذى يعيد الاستقرار، والبناء للقطر، عبر تعاون القوى الجديدة جميعها، والتى ستنبثق من هذا الكفاح الطويل لاسترداد الحرية، والكرامة، وهزيمة سادات، وعهود، الذل، والفساد، والغطرسة.

إن الشعب السودانى بمختلف مكوناته هو الذى سيقرر رفض كل سلطة غاشمة عبر سلاح العصيان المدنى مهما استطاعت أن تذوقه القهر، وتحيد عن طريق الحرية والديمقراطية. ولهذا سيحكم هذا السلاح الذى أثبت فاعليته الآن مستقبل البلاد، وسيسقط كل المغامرين من أجل الحصول على سلطة بلا شرعية. ففى حال سقوط هذه الحكومة فى ظل استمرار العصيان المدنى سيكون الشعب السودانى الذى سبقت عبقريته السياسية الربيع العربى بأربعة عقود قد قدم للشعوب المقهورة درسا آخر فى إسقاط الطغاة والمستبدين.

إن النظام كان قد أعد عدته لسفك المزيد من الدماء، وقد بدأ بمسلسل الاعتقالات خوفا من أن يحرك قادة المعارضة الشارع. ولكن يبدو أن لا شيء أمام قادته الآن إلا اعتقال الملايين من السودانيين الذين ظلوا فى منازلهم معتصمين فى ملحمة نضالية تجاوبا مع مشروع التحرر من القهر استشرافا لوضع أفضل. وسيظل قادة النظام وسدنته يكابرون ويكذبون الشوارع الفارغة من المارة، وسيسعون إلى استخدام المزيد من السياسات الخادعة لشل معارضة الشعب السودانى. ولكن يبدو أنهم لم ولن يعتبروا من التاريخ كما هو حال الطغاة، وسيكابرون إلى آخر نفس حتى يهربوا بجلودهم من هدير الشعب يوم نصره القريب.

هناك مسئولية تاريخية أمام كل النخب السودانية الصامتة أن ترفع صوتها عاليا برحيل النظام وتنضم للمقاومة عبر العصيان المدنى، وذلك حتى يتسنى للبلاد أن تتحرر من أبالسة هذا العصر لتحقيق السودان الذى تتوافر فيه كل ظروف الحرية، والديمقراطية، والعدالة، وحقوق الإنسان. فلا شيء يحمى البلاد من التمزق إلا دعم العصيان المدنى الذى يوفر الكثير من طاقات البلاد المتبقية للتعامل مع إرثها الخرب الذى أنجزه نظام القهر والاستبداد. وهكذا لاحت الفرصة عبر سيناريو الانتفاضة السلمية، والتى هى أفضل السيناريوهات، التى تمهد تغييرا هادئا نحو الديمقراطية بلا انتقام، أو ثأر. ولا بد أن التغيير الذى سيفرزه العصيان المدنى سيحقق المحاسبة العادلة لكل الذين أجرموا فى حق الشعب، وأفسدوا بالشكل الذى دمر اقتصاد البلاد، ومزق وحدتها وشتت شمل نسيجها الاجتماعى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل