المحتوى الرئيسى

جزر النيل.. الجنة البائسة

11/30 20:00

ذات عصر يوم صيفي حار، ركب رجل السيراميك الشهير محمد أبو العينين يخته الفاره، وشق عباب نهر النيل متجهاً لقصره الفخم الرابض في مقدمة جزيرة القرصاية جنوب الجيزة، راغبا في سويعات استجمام على شاطئ النهر وسط طبيعة خلابة خضراء.

وهو يقترب كان خالد عبد السلام يستقل من الجزيرة وسط رفاقه قاربا خشبيا بدائيا متجها لعمله على الضفة الأخرى من النهر، تلك التي جاء منها أبو العينين، ليصفع الموج الهادر -الناشئ عن حرث النهر باليخت- الموج الهادئ الذي يسبح فيه مركب "خالد" ورفاقه، فيضطرب قليلا ويستقر بعد بسملة وحوقلة ركابه الثمانية.

"يحفظنا الله وحده في كل مرة"، هكذا غمغم خالد قافزا من حافة القارب لحواف الشاطئ، وهو يذكر هذه الواقعة القريبة، يقول مشيرا لابنه الصغير "جئت للجزيرة برفقة والدي وأنا في مثل سن ابني، لم يتغير شيء منذ أكثر من أربعين سنة، أفعل كما يفعل ابني هذا كل يوم، يستقل قارباً للضفة الأخرى نحو المدينة حيث المدرسة الابتدائية، ويعود آخر النهار مثقلاً بحقيبة الكتب المدرسية".

"لا مدرسة ولا مستشفى ولا حتى صيدلية بالجزيرة"، هكذا يلخص الوضع محمد أبو الليل الذي يعمل بأحد النوادي النهرية المطلة على النيل من الضفة الأخرى، ويستطرد قائلا للجزيرة نت "الجزيرة هي جنة القاهرة لولا انعدام الخدمات والاهتمام الحكومي، حيث يعتبرونها محمية طبيعية".

جولة "الجزيرة نت" بجزيرة القرصاية تؤكد أننا إزاء مجتمع يفصل بينه وبين المجتمع الكائن على الضفة المقابلة فاصل من الماء والزمان، حيث يطل نحو ألف بيت بدائي من الطين اللبن، وأخرى إسمنيتة، على شوارع ضيقة ومضاءة بالكهرباء، وعلى المدى تلوح فيلات وقصور متباعدة، تسكنها أشباح ريثما يصل أصحابها وقت الإجازات.

"وصلات الكهرباء فقط هي ما منّت به علينا الحكومة"، تقول شيماء الطالبة بالمرحلة الإعدادية، مضيفة "ومؤخراً حصلنا على وصلة مياه من ماسورة (أنبوب ماء) صغيرة تبرع بتوصيلها رجل الإعمال محمد أبو العينين، لكن لا صرف صحيا رغم وجود فيلات وقصور لأناس مهمين حولنا، منهم الفنان التشكيلي محمد عبلة أحد الخمسين الذين كتبوا الدستور".

ويشكو عبد الباسط، وهو مزارع له أرض بالقرية، حاله قائلا "استصلحنا الأرض لكن ليس لنا حق امتلاكها، حتى بيوتنا نقيم فيها بحق انتفاع"، ويضيف هو يشير إلى أرض زراعية شاسعة "هذه الأرض ملك رجل أعمال، لماذا أعطوه صك ملكيتها وحرمونا نحن؟ نطلب فقط حق المعاملة بمثل ما عومل به سكان جزيرة الذهب المجاورة، حيث توجد مدرسة من فصلين ومستوصف ومياه نظيفة".

وجزيرة الذهب تلك يقطنها 15 ألف مواطن، لكنها لا تتصل بالعالم إلا بالقوارب البدائية، حتى الطريق الدائري المار فوقها لا ينزل منه سلم أو منزل للسيارات.

ويصل ثمن القيراط (يعادل 175 مترا مربعا) في جزر النيل لمئة ألف جنيه (نحو ستة آلاف دولار)، ويزيد حسب القرب من النهر، وبنفس المبلغ يمكن بناء منازل معرضة للإزالة، "إلا إذا كنت من أصحاب الفيلات، فلن يطالك بلدوزر الهدم"، هكذا يسخر صبحي فراج، وهو مدرس يسكن جزيرة الذهب، مضيفا "فهؤلاء القوم يأتون لقضاء إجازة الأسبوع بيخوت تصل بهم لمراس بجوارها مآرب لسياراتهم".

"هذه الأرض تحبنا ونحبها" يقول صبحي، "هنا الحياة مختلفة هادئة، السكان يعرفون بعضهم بعضا، والخصومات يتم حلها ودياً في غضون ساعات، أما الغرباء فيتم تمييزهم، منذ أن تطأ أقدامهم القارب نحونا، حيث يطلب منهم صاحب القارب جنيها للتوصيل، بينما ندفع نحن اشتراكات شهرية تصل لخمسين جنيهاً للفرد".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل