المحتوى الرئيسى

ثلاثية غرناطة.. اللوحة الحزينة في تاريخنا المنسي

11/30 17:37

على منوال ماركيز في "مائة عام من العزلة" ونجيب محفوظ في "الحرافيش"، تقدّم لنا رضوى عاشور رحلة مع عائلة أبي جعفر المنصوري في الأندلس المفقود، رحلة الحزن والأسى. تبدأ الرواية من حي البيازين في غرناطة القديمة، ثم تنتقل لأرض الأندلس المفقود لتنثر على أراضيه حكايات من الحزن والألم اللذين لاقتهما هذه العائلة على مر السنين، مقاوِمةً لما تعرض له المسلمون في تلك الأيام من اضطهاد وتعذيب وتنكيل.

الآلام التي لا تنتهي، والمعاناة التي ليس لها نهاية، وما يتعرض له أهل الأندلس من قِبل ديوان التحقيق ومفتشيه وعيونه في كل الأنحاء، بهذه الآلام تعيش مع الرواية، تعيش مع تلك العائلة، مع مريمة وحسن وسُليمة التي أحرقوها لمجرد أنها عملت بالطب وداوت الناس، كما أحرقوا كتب أبي جعفر من قبل.. المشهد الذي أبدعت فيه الكاتبة؛ في الوصف والتصوير، لتجعلك تنتقل بكل كيانك إلى ذاك الزمان الماضي لترى بأم عينيك ألسنة النار وهي تمزق الكتب وترى النيران التي تأكل كل هذا الكمّ من المعرفة لتعود لتلتهم سُليمة من جديد.

"تبدو المصائب كبيرة، تقبض الروح، ثم يأتي ما هو أعتى وأشد فيصغر ما بدا كبيراً وينكمش متقلصاً في زاوية من القلب والحشا".

هل كان بوسعهم أن يصمدوا أمام سلطة لم تكن تبحث فقط عن حكم البلاد؛ بل عن اجتثاث كل ما يمت إلى الماضي بصلة! إلغاء العادات والتقاليد والأزياء واعتبار كل متمسك بها مجرم: تحدُّثك بالعربية جريمة، طهوك للحوم في يوم الجمعة جريمة! يجبرونك على اعتناق دينهم ويخيرونك ما بين التعميد أو النفي؛ إما أن تؤمن بحقي في اضطهادك وإذلالك وإما أن أقتلك، والأدلة جاهزة فأنت إرهابي تقاوم سلطتنا وتعترض على حقنا الإلهي في حكم أرضنا!

تعيش في الرواية مع مريمة التي أحبتها كل نساء غرناطة، مريمة ذات الحكايات التي لا تنضب، مريمة ذات رد الفعل السريع التي لطالما أنقذت به المظلومين من براثن الديوان، مريمة التي ستبكي عليها طويلاً وعلى غرناطة التي أضعناها.

"وكأن همّاً واحداً لا يكفي! أو كأنّ الهموم يستأنس بعضها ببعض فلا تنزل على الناس إلا معاً!".

أما زلت تبحث عن معنى "كنتم خير أمة أخرجت للناس"؟ حسناً، قارن معي بين موقف أمير المؤمنين عمر الفاروق عند فتح القدس وما فعله الإسبان والقشتاليون في الأندلس، هل أغلق عمر دور العبادة؟ هل أحرق كتب أهل القدس؟ هل أحرقهم وشردهم وهجرهم قسرياً ونفاهم؟ قطعاً، لا.. هذا هو ديننا وهذه هي أخلاق خير أمة.

أهمُّ فكرة خرجت بها من الرواية، أن الكتب ما هي إلا كنوز للفكر والثقافة وهي العامل الأساسي لبناء أي حضارة، وهي المقصد الذي يجب عليك أن تسدد ضرباتك إليه إذا ما فكرت في هدم حضارة، وهذا بالضبط ما قام به الإسبان؛ فأحرقوا الكتب وحظروا امتلاكها وامتلاك أي شيء مكتوب بالعربية، صادروا المئات من تلك الكنوز وأحرقوها، هكذا بسهولة! أحرقوا خلاصة العلم والثقافة والحضارة لمئات السنين في لحظة، تخيل أن هناك من سار على تاريخك بالممحاة فلا تذكر منه شيئاً، هذا هو بالضبط ما حدث؛ كل تاريخنا هناك أُحرق ومُحي، وبتقصيرنا أضعنا المتبقي منه، فلم نعد نعلم عن الأندلس سوى أنها كانت يوماً ما من بلاد المسلمين ولكنها سقطت فقط، هذا هو كل ما نعلمه عن بلاد غرناطة وإشبيلية وقرطبة وغيرها من بلاد الأندلس!

عظمة هذه الرواية هي دفعها لك للبحث في تاريخك عن تلك الحقبة المجهولة، وتقدم لك ملخصاً لحياتهم الممتدة، عن عاداتهم ومعاناتهم، عن تعاملاتهم وحِرفهم، عن كل شيء جميل في تلك البلاد التي آمل أن نعود لها مجدداً.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل