المحتوى الرئيسى

الدولة لا تطارد المساطيل

11/29 21:38

نعم لو كان نجيب محفوظ حيا لحاكمناه، بتهمة الانتماء لطائفة المحذرين من الطوفان. هذا بلاغ للناس والبرلمان، وإن جاء متأخرا. أبوالمعاطى مصطفى، مأمور الضرائب الذى وجد نفسه نائبا مفوضا باسم كل مواطن فى الدولة لتعريف الأدب وقلة الأدب، اعتبر أن الدستور عمل بشرى، وأن أدب نجيب محفوظ خادش للحياء صرخ فارس المظلومين، كما يسمى نفسه على صفحته، بأن السكرية وقصرالشوق فيهما خدش حياء، ونجيب محفوظ يستحق العقاب، لكن لا أحد حرَّك الدعوى الجنائية همست النائبة المصدومة نادية هنرى، وهى تنظر ناحية الصحفيين: يا نهار أسود، هيودونا فى داهية. أضيف لبلاغ أبوالمعاطى رواية أخرى هى ثرثرة فوق النيل، نشرها محفوظ 1966، رغم أنها نبوءة مدهشة للنكسة التى ستحل فى 1976.

الطريق إلى الهزيمة بدأ بطرد الشعب من الحلبة، وإجبار الجميع على الغناء فى حب مصر، فى كورال واحد اسمه الاتحاد الاشتراكى. البعض كان يقدس الزعيم ويراه نصف إله لا يخطئ، والبعض ينافق الاشتراكية ويحلم بليالى الأنس فى المعمورة، فيما يفضل بعضهم الانسحاب إلى غمامة زرقاء ما خاب من يدخلها، وهى المخدرات.فى عوامة قرب الكيت كات اصطادهم محفوظ، وصورهم فى روايته.رفاق الجوزة والتعميرة وليالى الأنس والثرثرة. لسنا أنانيين بالدرجة التى تتصورها، لكننا نرى أن السفينة تسير دون حاجة إلى رأينا أومعاونتنا، وأن التفكير بعد ذلك لن يجدى شيئا، وربما جر وراءه الكدروضغط الدم فى زمن الإقصاء والتخوين، حيث الجد والهزل اسمان لشىء واحد، يصبح الوقت عدوا يجب قتله، حتى بالمخدرات. ويصبح الزعيم هو الواحد الفرد، المقصود بالدعاء والتوسل والتراتيل. لكن محفوظ يحذره.

مستدعيا صوت الحكيم الفرعونى إيبو ــ ور:إن ندماءك كذبوا عليك هذه سنوات حرب وبلاء تتهاوى كل إنجازات الستينيات مقارنة بسلب الحرية والأمل والإنسانية،وآلة التعذيب الرهيبة، التى أسكتت الجميع، وألجأت كل مواطن إلى عوامته. يقول أنيس مبررا السرقة: نحن نعتبر جميع ما تقع عليه اليد فى العوامة من القطاع العام. يعرف أنيس أن الدولة سعيدة بحالة الانسطال العام، وفى إحدى توهاته المخدرة، سأله أحدهم عن المخبرين، وهل يراقبون تاجر الحشيش حقا، فأجاب بأنهم يراقبون المفيقين لا المساطيل. يتوه مرة أخرى فيتذكر الزعيم القريب البعيد، ويخاطبه بالفرعونى: لديك الحكمة والبصيرة والعدالة لكنك تترك الفساد ينهش البلاد انظر كيف تمتهن أوامرك خادش الحياء نجيب محفوظ كتب هذه الرواية البذيئة تعليقا على سنوات كتم الأصوات وملاحقة المعارضة والفساد البازغ، رغم إنجازات التعليم والمصانع والقطاع العام، وما أدراك ما الستينيات حين تحولت سجنا. يسأل أحدهم بهدوء: حتى متى نبقى فى هذا السجن؟ يأتيه الرد: مكثنا ساعة. فيسأل: ولماذا لم ننتحر؟

من يريدون إخراج نجيب محفوظ من قبره ليحاكموه يضيعون وقتهم بمشروع لقانون خدش الحياء فى زمن الإنترنت، مجرد كلابش فائض للاستخدام عند الحاجة على طريقة الستينيات. نضع المشروع مع قانون الجمعيات الأهلية والنقابات والإعلام، مع كل السوابق الوارفة لهذاالبرلمان فى التضييق والملاحقات، ونترك الجميع وديعة فى يد التاريخ الذى لن يكذب لما يحكى عن زماننا وأهله.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل