المحتوى الرئيسى

سارة الوكيل يكتب: الإسرائيليون والفلسطينيون الوصول للحائط المسدود! نظرة بالعمق في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي «10» | ساسة بوست

11/29 15:41

منذ 11 دقيقة، 29 نوفمبر,2016

«متهمون نحنُ بالإرهاب إن نحن

دافعنا عن وطن مخلع مفكك مهترئ

عن وطن تناثرت أشلاؤه أشلاء

عن وطن يبحث عن عنوانه وأمة ليست لها أسماء».

«انسحبوا منها إذا كانت صداعًا لكم، ولكنها تحتاج إلى مشروع مارشال».

أبو علاء للمفاوض الإسرائيلي هيرشفلد

لم تكن البدايات صعبة في قناة أوسلو، فقد وفرت لها وزارة الخارجية النرويجية كل ما يساعدها على النجاح، كان المفاوض الفلسطيني هو أحمد قريع «أبو علاء» وفي الجانب الإسرائيلي «هيرشفلد» وكان أبو مازن أعطى أحمد قريع على مدار جلسة امتدت لسبع ساعات خلفية الاتصالات السابقة، ثم أضاف له ما اعتبره توجيهًا بأسلوب الاتصال والتفاوض مع الإسرائيليين!

والمدهش أنه أمكن التوصل في أول جلسة بين «قريع– هيرشفلد– لارسن» إلى مجموعة من الخطوط العريضة يجري العمل على أساسها:

أولها: أن العودة إلى «عُقد التاريخ» البعيد لن تكون مجدية، وإنما هي تعطيل لاحتمال اتفاق تتوفر له فرص للنجاح عمليًّا!

وثانيها: أن الأمر الواقع لا بد أن يكون نقطة البداية، ويكون التحرك له من خلاله.

وثالثهما: أنه لا بد من اختيار موقع محدد ومقبول من الطرفين بحيث يكون نقطة بداية لخلق حقائق جديدة يمكن الانطلاق منها والبناء على أساسها.

«ولم ينتبه الطرف الفلسطيني لسوء الحظ أن هذه المجموعة من الخطوط العريضة التي وافق عليها أخذت منه قضيته بالكامل!»

وكان طبيعيًا أن يطرح «لارسن» موضوع غزة، وهو شاغله وشاغل الإسرائيليين أيضًا.

وكان رد «أبي علاء»: «انسحبوا منها إذا كانت صداعًا لكم، ولكنها تحتاج إلى مشروع مارشال».

وأحس أبو علاء أن سامعه تقبل فكرة مشروع مارشال «وهو برنامج اقتصادي ضخم قدمته أمريكا لإعادة تعمير أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية» فاستطرد يقول «إن غزة في حاجة إلى توفير الاستقرار والأمن والتنمية في أسرع وقت».

ورد «هيرشفلد»: «ولكن كيف سيكون المخرج من غزة؟ ولمن يتعين علينا أن نعطى مفتاحها؟»

وقال «أبو علاء»: «إن ذلك أمر يمكن الاتفاق عليه، ويمكن إعطاء المفتاح للأمم المتحدة أو لجهة دولية ما».

وقال «هيرشفلد»: «إن ما نتوقعه هو أن نعطي المفتاح لكم أنتم»

وأحس «أبو علاء» أن اسرائيل تعرض غزة فعلًا على المنظمة، ورأى أن المسألة على هذا النحو وبهذه السرعة تقتضي الرجوع إلى «أبي مازن» وبدوره فإن «أبا مازن» وجد أنه أصبح لزامًا عليه إطلاع «ياسر عرفات» على الأمر.

وكان رد الفعل الأول لدى «عرفات» هو التساؤل: لماذا أبو علاء هو الذي قام بالاتصال؟ ثم اطمأن «عرفات» بعد إجابات «أبي مازن» بشرح ملابسات الاتصال.

لم تكن غزة بعيدة عن أفكار «ياسر عرفات» في تلك الفترة، فما يحدث فيها سواء بسبب الانتفاضة أو بسبب المنافسة مع «حماس» كان ماثلًا في خواطره باستمرار.

وكانت موازين التأييد الشعبي تميل ناحية «حماس».

ومن ناحية أخرى فإن الوفد المفاوض في واشنطن كان هاجسًا يُلح على «عرفات»؛ فأعضاء هذا الوفد يتصرفون كنجوم، وبعض أجهزة الإعلام في الخارج تروج لهم وكأنهم القيادة البديلة لمنظمة التحرير، وطبقـًا لتعبير «عرفات»: «فإنه يبدو أن رأسهم تخنت».

وجاء عرفات إلى زيارة للقاهرة وفي ذهنه موضوع «غزة» وقد أضاف إليها «أريحا».

وفي القاهرة همس عرفات بالسر إلى «مبارك»؛ فقد وجد بعد بدء العملية التفاوضية في أوسلو أن تكون مصر على علم، وذلك أن الإسرائيليين قد يقومون بتسريب الأمر إلى مصر سواء لاكتساب ثقتها أو للوقيعة بينها وبين الفلسطينيين، ثم إن معرفة مصر المبكرة حماية إضافية ضد أية حملات تقوم بها أطراف عربية مثل سوريا أو الأردن أو غيرهما إذا تسرب شيء.

وبعد أن عرف «مبارك» من «عرفات» بالمسار التفاوضي في أوسلو طلب من عرفات أن يتحدث في الأمر أمام وزير خارجيته «عمرو موسى» ومستشاره «أسامة الباز»، وكان هناك انقسام في الآراء:

الرئيس ووزير خارجيته يشكان في جدية الموضوع.

ومستشار الرئيس من رأيه أن هناك احتمال فرصة للنفاذ!

في اجتماع ثان في أوسلو بدا أن هناك تقدمًا يمكن إحرازه؛ فقد اتفق المفاوضون على ألا يكرروا الخطأ الذي وقع فيه الوفد الفلسطيني في واشنطن؛ ففي حسابهم أن هذا الوفد أخطأ بأن بدأ في مناقشة القضايا الرئيسية التي تستحيل فيها الحلول الوسط بسرعة، مثل حق تقرير المصير والمستوطنات ومستقبل القدس، وإنما اتجهوا في محاولتهم الجديدة إلى منطق البدء بنقطة عملية يمكن خلق أمر واقع عليها، ومعنى ذلك أن موضوع غزة كان مدار كل المناقشات.

ولم تكن في موضوع غزة مشكلة؛ فإسرائيل على استعداد منذ سنوات لترك قطاع غزة لمن يشاء، بل إن «رابين» في اجتماع له مع الرئيس الفرنسي «فرنسوا ميتران» قال: «إن الكوابيس تطبق عليه كل ليلة بسبب غزة، وأنه يحلم أثناء نومه في بعض المرات أن قطاع غزة قد وقع في البحر وغرق بكل ما فيه ومن فيه، لكنه يستيقظ من حلمه ليكتشف أن غزة ومن فيها ما زالوا حيث هم».

وفي ذلك الاجتماع الثاني بين أبي علاء وهيرشفلد طرح أبو علاء موضوع أريحا بجانب غزة، ورد عليه هيرشفلد بأنه واثق من الموافقة على غزة، ولكنه ليس واثقـًا من الموافقة على أريحا.

وفي أثناء إحدى الجلسات تساءل «أبو علاء» عما إذا كان رئيس الوزراء «رابين» يعرف بموضوع أوسلو؟

وكان الرد عليه أنه يستطيع أن يطمئن لأنه «في النظام الإسرائيلي لا يستطيع أحد من المشاركين في صنع القرار السياسي أن يحجب عنصرًا من عناصره عن الرجل المسئول في النهاية عن القرار، وهو رئيس الوزراء».

«لقد جئتك بمشترٍ لغزة» بيريز لرابين

لم يكن «رابين» حتى هذه اللحظة يعرف كافة التفاصيل، وأحس «شيمون بيريز» أن الوقت قد حان لوضع الأمر بأكمله أمام رئيس الوزراء، وطبقـًا لما رواه «بيريز» في مذكراته فقد ذهب إلى «رابين» قرب نهاية شهر مارس 1993وقال له:

«لقد جئتك بمشترٍ لغزة» ثم راح يعرض عليه التفاصيل، ولم يكن رابين متحمسًا؛ فقد كان رأيه في منظمة التحرير ما زال سيئًا ثم أنه لاحظ «أن هناك اتصالات كثيرة من هذا النوع يقال فيها كلام كثير ولا تنتهي المسائل إلى شيء محدد».

وراح «بيريز» يحاول أن يشرح لرئيس الوزراء «رابين» أن هذا المسار في أوسلو تجربة من نوع مختلف، فهم واثقون أن «عرفات» قريب بنفسه مما يجري في أوسلو، ثم إن الظروف كلها من حوله تدفعه إلى أن يأخذ المحاولة بجدية».

ومضى «بيريز» يعدد الأسباب التي تجعل عرفات من منظوره «أي منظور بيريز» يأخذ الأمر بجدية هذه المرة، وكانت حججه تلخيصًا للواقع الفلسطيني والعربي ولخطورة التيار الإسلامي ولأهمية الخلاص من عبء غزة.

وتساءل «رابين»: عما إذا كان من الأولى التركيز أكثر على المسار السوري؟

ورد «بيريز»: أن أي اختراق على المسار الفلسطيني سوف يؤدي إلى ضغوط غير محتملة على الرئيس «حافظ الأسد»؛ فأي نجاح يتحقق مع منظمة التحرير سوف يأخذ القضية الفلسطينية من يد «الأسد» دعائيًا ومعنويًا، وبالتالي سياسيًا وعمليًا.

وبعد هذا اللقاء قرر «بيريز» أن يبعث بمساعده «يورى سافير» ليعطي إشارة للوفد المفاوض الفلسطيني إشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية بنفسها معهم على الخط!

وفي جلسة كانت مقررة دخل «هيرشفلد» يقول لـ«أبي علاء» إن «لديه مفاجأة تسره، فسوف ينضم إليهم الآن مسئول كبير جدًا من وزارة الخارجية الإسرائيلية».

وكان عرفات يريد أن يتأكد من صحة وجود الحكومة الإسرائيلية على الخط في أوسلو، وسافر مرة أخرى إلى مصر ليستطلع الأمر وبالفعل أرسل «مبارك» مستشاره «أسامة الباز» إلى إسرائيل ليسأل بنفسه «رابين» خوفـًا من أن تكون تلك لعبة من ألعاب «بيريز»، وكان جواب رابين «بأنه يعرف».

الصورة في أسلو من جديد

كانت قناة أسلو تتقدم وتوصلت فعلًا في الجولة الخامسة من مسارها إلى مسودة مشروع بإعلان «مبادئ لتفاهم إسرائيلي – فلسطيني» وألحقت بإعلان المبادئ ورقة عن خطط التنمية الممكنة في قطاع غزة.

وفي هذه الجولة تحدث «يوري سافير» بالتفصيل عارضًا مجموعة من النقاط أوردها «أبو مازن» في مذكراته على النحو التالي: «

قيادتنا تتابع هذه القناة وحريصة على سريتها، ولكنها ليست بديلًا لواشنطن.

لم نكن نتصور أن نبدأ بهذه السرعة مباحثات رسمية مدعومة من القيادتين دون وسيط.

أبدى «سافير» إعجابه بقناة أسلو في اتباعها للمنهج الشمولي مع القضايا وتجنب التركيز على القضايا الفنية «!».

أكد أن عامل الزمن مهم على اعتبار أن التقدم البطيء يعنى التراجع إلى الخلف.

أشار إلى أن الأمريكيين وبعض العرب حذروهم من المنظمة ونصحوهم بعدم التحاور معها لعدم مصداقياتها؛ ولأنها تعطي وعودًا وتتراجع عنها.

وكانت النقطة الأخيرة التي أضافها «يوري سافير» هي قوله: «إن لدينا تساؤلًا حول قدرة المنظمة على تطبيق الاتفاق، وبالذات رئيس الوزراء رابين الذي يقارن بين المنظمة وبين حافظ الأسد الذي إذا التزم بشيء تقيد به ونفذه»

بيريز يُلح ورابين يعود لتردده من جديد!

طلب «بيريز» من «رابين» أن يحزم أمره وأن يقف بثقله وسلطته ومنصبه كرئيس للوزراء خلف قناة أوسلو، والمدهش أن «بيريز» كان يرى أن المسائل جاهزة في أوسلو وقابلة للتوقيع خلال أيام، وقد خطر له أن تكون مراسم التوقيع يوم 15 مايو، وهو ذكرى قيام إسرائيل!

ومن المفارقات أن «بيريز» طلب مساعدة مصر في إقناع «رابين» بأن يحزم أمره ويتعامل مع المنظمة مباشرة.

وبالفعل فإن مبعوثين مصريين بينهم الدكتور «مصطفى خليل» والدكتور «أسامة الباز» توجهوا في زيارات خاطفة إلى إسرائيل لإقناع «رابين» بأن التعامل مع المنظمة هو أقرب طريق للنجاح؛ فمن الواضح أن المنظمة هي وحدها الطرف الذي يملك شرعية توقيع اتفاق يقبله الفلسطينيون ويرضى عنه العرب ويفهمه العالم، ثم إن عرفات أثبت أنه شريك في مسيرة السلام يمكن الاعتماد عليه، وهو يستطيع أن يفي بالتزامه he can deliver.

وكانت بعض الحجج التي قدمت إلى رابين من المبعوثين المصريين للتغلب على تردد رابين الذي قارب نهايته هي:

إن السلام مع مصر لا بد من تدعيمه بطرف عربي آخر ينضم إلى المسيرة السلمية.

إن الطرف الفلسطيني هو الطرف المُهيأ لذلك، والمنظمة بصفتها الشرعية مستعدة بل ومرحبة.

إن انتظار سوريا والتعلق بأمل توقيع اتفاق معها بسرعة هو تمسك بأوهام ليست قابلة للتحقيق على الأقل «بالإيقاع» الذي يتصوره رابين.

إن التوقيع مع المنظمة على اتفاق يخص الشأن الفلسطيني سوف يجعل سوريا بغير خيار إلا خيار الالتحاق بالمسيرة السلمية.

وما بين الحاح بيريز والحجج المتواصلة من القاهرة، اقترب رابين بنفسه من قناة أوسلو، ويسجل أبو مازن في مذكراته:

«في الجولة السابعة دخلت قناة أوسلو في مرحلة جديدة حيث انضم إلى المفاوضين الإسرائيليين شخص رابع هو «يوئيل زينجر» وقد لاحظ وفدنا من حديثه وحديث بقية زملائه أنه مندوب شخصي مكلف من رابين شخصيًا، وأنه جاء يحمل أسئلة معدة من قبله، إن مشاركة زينجر في قناة أوسلو اعتبرها الوفد الإسرائيلي مشاركة كاملة لمركز صنع القرار في إسرائيل، وهذا يعني أن رابين قرر أن يدخل بثقله فيها ليقومها ويقرر في النهاية كيف يتصرف».

وطبقـًا لرواية أبي مازن فإن «زينجر» بدأ حديثه بعدد من النقاط قال فيها:

إن تقييم «رابين» للأوراق التي أعدت في أوسلو جيد، ولكنها مشوبة في بعض أجزائها بعدم الوضوح.

إن رئيس الوزراء رابين يرى أن عدم التقدم في محادثات واشنطن يشكل إحراجًا لحكومته أمام الحزب والرأي العام الإسرائيلي.

ثم فتح «زينجر» ملفًا كبيرًا أمامه وأخرج منه قائمة تحتوي على قرابة خمسين سؤالًا يريد «رابين» أن يسمع إجابة عنها قبل أن يقول «لا» أو «ربما» إذا جرت بعض التعديلات أو «نعم» إذا كانت الإجابات مُرضية له.

وبدخول رابين إلى أوسلو رأي عرفات أن تلك القناة مهيأة للنجاح وقرر أن يوفد من قبله مبعوثـًا أعلى من مبعوث أبي مازن وبصلاحيات أعلى، واستقر اختياره على «ياسر عبد ربه».

عرفات ينتظر رد رابين بلهفة!

كان عرفات ينتظر رد رابين النهائي، وهل يمنح تأييده لقناة أوسلو أو يحجبه، وكان قلقه شديدًا من عنصر الوقت مع بداية أنباء عن اتصالات سرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكانت خشيته أن تحدث مفاجآت غير متوقعة تضع أمامه عقبات في لحظة بدا له فيها الحل ممكنـًا وفي متناول اليد.

ومع بداية شهر أغسطس سنة 1993 كان «رابين» على الخط وجاهزًا للتقدم، وأوراق الاتفاق مكتوبة في نصوص نهائية أخذت كثيرًا من الجدل، لكن صياغتها تمت في خاتمة المطاف.

Comments

عاجل