المحتوى الرئيسى

وزارة الصمت والأراضى البور (الزراعة سابقًا) | المصري اليوم

11/29 01:28

يتنازل الوزراء أحيانًا ويردون على ما تنشره الصحف، إلا وزير الزراعة.

ليس الوزير الحالى، ولا الذى سبقه، ولا من سبقهما فحسب؛ فالصمت صار سمة هذه الوزارة منذ قرار تدمير الزراعة المصرية فى منتصف التسعينيات على أيدى وزارات الخصخصة ولجنة سياسات الخراب الوطنى.

وقد دأبت على العودة إلى هذا الملف الخطير، ملف الزراعة، خصوصًا ملف الأرض القديمة السوداء، التى لا يأتى ذكرها إلا فى معرض سب الفلاحين وتوبيخهم على تبوير تلك الأرض وتحويلها إلى أشجار من الأسمنت. لكن المتابع لهذا الملف يعرف أن النظام فى قرارة ضميره لا يرفض هذا التبوير الذى يخدم تجار الحديد والأسمنت والسيراميك، والنظام يعرف أن الكف عن البناء فوق الأرض الزراعية يتطلب تضافر جهود كل الوزارات، لحل الكثير من الملفات، وبينها على سبيل المثال حل مشكلة البطالة التى احتجزت الأجيال الجديدة من مواليد القرى داخل قراها، بينما كانت تهاجر فى السابق وتستوطن المدن وراء أعمالها فى الصناعة والوظائف الحكومية.

لكن العقبة الأهم التى تسبب استمرار التبوير، هى قرار إلغاء الدورة الزراعية الذى جعل من الزراعة مهنة شقاء بلا عائد. كانت الدورة تحدد المساحات المزروعة من كل محصول، وتوحد زراعته متجاورًا، الأمر الذى يتلافى عيوب الملكيات الصغيرة ويسهل استخدام الميكنة، وينظم الزراعة، حسب الاحتياجات الواقعية من المحاصيل، حماية للاقتصاد الوطنى، بل وحماية الفلاح نفسه من التدافع لزراعة محصول معين ارتفع سعره فى العام السابق، فتكون نتيجة التدافع العشوائى انخفاضًا فى السعر يضر الفلاح.

ويبدو أن مناقشة إلغاء الدورة الزراعية تعد من المحرمات. لم يهتم مجلس وزراء، ولم يهتم برلمان، ولم تهتم وزارة زراعة، بمناقشة وتقييم قرار إلغاء الدورة الزراعية خلال عشرين عامًا من تطبيقه. ولم يهتم أحد بما يكتبه خبراء الزراعة، وما أعود إليه بإلحاح فى مقالاتى بهذه المساحة عامًا بعد عام، دون صدى سوى التحازن مع بعض أنبل الخبراء فى الجامعة الذين يبذلون سنوات من عمرهم لتحسين سلالة من محصول، ولا يلقون من وزارة الزراعة إلا الإهمال والغيرة، لأن الإنجاز يجب أن يخرج من مركز بحوثها هى، لا من الجامعة.

السمة الأوضح للتعامل الحكومى مع الأرض، هى الحديث عن الاستصلاح فى الصحراء، وليس مهمًا ما نزرعه فيها، بل أن نراها خضراء فحسب، أما الأرض القديمة العفية فلا يأتى ذكرها، وإن جاء فلا يكون الحديث إلا عن ضوابط البناء والتبوير، الضوابط التى تضعها الحكومة إبراءً لذمتها، وهى تعرف أنها لن تنفذ، ببساطة لأن مغريات التبوير وضروراته أكبر من عائد الزراعة المهانة، أكبر من تصريحات التوبيخ التى يطلقها مسؤول غير صادق أو غير فاهم، وبالطبع أكبر من دروس الانتماء الوطنى التى يعطيها مذيعو التليفزيون.

لقد أصبح كليشيه اتهام الفلاح بالكسل والسهر أمام التليفزيون ممجوجًا. والحقيقة أن السياسات سيئة النية هى التى دمرت له زراعته وخسفت الأرض بمحصوله الاقتصادى (القطن) الذى لم تزل سمعته ناصعة فى السوق العالمية، حتى إن شركات الملابس الإيطالية والهندية والأمريكية تغش زبائنها وتكتب على منسوجاتها «قطن مصرى» وهناك قضية تحققها السلطات الإيطالية هذه الأيام ضد إحدى شركاتها المتمسحة فى القطن المصرى الذى تحول من منتج إلى شائعة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل