المحتوى الرئيسى

تطوير منظومة الصحة.. بين الرؤية والواقع!!

11/28 22:00

منذ أن صرح الرئيس السيسى بصعوبة تكرار تجارب الدول التى جعلت التعليم فى مقدمة أولوياتها لأننا فى مصر لا نملك الموارد ولا رفاهية انتظار سنوات طويلة لتطوير التعليم، تشجَّع مسئولون فى الدولة بمصارحة المواطنين بأن تطوير منظومة التعليم يقتضى زمناً طويلاً وموارد طائلة لا تتوفر فى ظل التحديات والمشكلات المتراكمة والمتصاعدة، وفى ظل الزيادة السكانية الهائلة والمستمرة!

ولست أدرى أى فائدة تُرجى مما يطلق عليه حالياً الحوار المجتمعى حول تطوير التعليم وقد حُسم الأمر بأن ذلك التطوير المرتجى غير ممكن. وارجعوا يا سادة إلى حديث وزير الرياضة والشباب المنشور فى جريدة الجمهورية بتاريخ 24 نوفمبر 2016 فى إحدى جلسات هذا الحوار وهو يقول «إن مشكلات التعليم معروفة والاستراتيجيات كثيرة والمؤتمرات فى تطوير التعليم عديدة ولكن الحل صعب، حيث يولد 5.2 مليون طفل كل عام، ويوجد 11 مليون طفل أقل من 5 سنوات يريدون الالتحاق بالمدارس». وأضاف أن «هناك 4200 مركز شباب أكثر من نصفها لا يصلح لشىء، حيث نحتاج 4 مليارات جنيه للتطوير، وهذه المشاكل كلها لن تُحل إلا بأفكار خارج الصندوق وحلول سريعة لاستخدام كل وسائل المجتمع». وأوضح أن «الظروف الاقتصادية الصعبة هى التى جعلت أوجه الصرف على المشروعات العملاقة لترسيخ دعائم الدولة ولا بد من تكاتف المجتمع المدنى والكيانات الاقتصادية الكبرى ووسائل الإعلام». والسؤال: ماذا فعلت الدولة لتيسير تلك الأفكار من خارج الصندوق؟

ويبدو أن آمال المصريين فى تطوير منظومة الصحة والعلاج ستلقى نفس مصير تطوير منظومة التعليم! فقد كانت رؤية الرئيس السيسى لمستقبل مصر التى أطلقها أثناء حملته فى الانتخابات الرئاسية تضمنت «الاهتمام الجاد بالتنمية البشرية فى شتى المجالات وأهمها التعليم والبحث العلمى ومنظومة الصحة والثقافة والرياضة، حيث إن المصريين هم الثروة الحقيقية لمصر». وقد أشارت رؤية السيسى إلى البدء بتوسُعات كبرى فى مجال المنشآت الطبية من مستشفيات ومراكز صحية وغيرها مع قانون تأمين صحى يكفُل علاجاً فعالاً وشاملاً يستهدف بصورة مباشرة تحسين جودة الرعاية الصحية للفرد، ورفع هذا العبء عن محدودى الدخل تحسيناً لمعيشتهم، وبرنامج طموح لتوصيل مياه الشرب والصرف الصحى إلى المناطق المحرومة، يستهدف توصيل تلك الخدمات الأساسية لتوفير معيشة أفضل للمواطن.

وحالياً تعرض وسائل الإعلام صوراً صارخة لمعاناة المصريين فى الحصول على العلاج والرعاية الصحية حتى المتواضعة من قبيل نقص الأدوية، اختفاء لبن الأطفال، إغلاق أبواب المستشفيات فى وجوه المرضى، قلة الأسرّة بالمستشفيات، وطول فترات انتظار المرضى على أبواب المستشفيات الحكومية، ناهيك عن سوء أحوال الأطباء وهيئات التمريض ومعاناتهم فى تمرير الموافقة الحكومية على بدل العدوى وغيره من الميزات المتواضعة فى مقابل ما يبذلونه من جهود وما يتعرضون له من مخاطر وصلت إلى الاعتداء الجسدى عليهم!!

ثم تفاقمت مشكلات المصريين مع المنظومة الصحية بعد تحرير سعر الصرف وارتفاع أسعار الأدوية المستوردة والخامات الدوائية التى تتوقف صناعة الدواء المصرية على استمرار ورودها من الخارج. ورغم نجاح الدولة فى مواجهة مرض فيروس الكبد الوبائى فإن التقارير الطبية تكشف أن عدد المصابين بمرض الفشل الكلوى بلغ 114 ألفاً و287 مريضاً، يتعرض 25% منهم سنوياً للوفاة، متجاوزين بذلك المعدل العالمى للوفاة، وأن معظم مرضى الكلى فى مصر دون سن الـ50 عاماً، فى دلالة واضحة على تردى الرعاية الصحية، فيما تنحصر الإصابة فى الدول الأوروبية بين سن 70 و80 عاماً. كذلك يُعد مرض السكر السبب الرئيسى للإصابة بمرض الفشل الكلوى بمصر، إذ يُقدر عدد المُصابين بهذا المرض نحو 30% من إجمالى عدد السكان، وقد حذرت نقابة الأطباء المصرية من إغلاق «وحدات الكلى بمصر» بعد ارتفاع أسعار جلسات الغسيل الكلوى بصورة كبيرة.

وفى مواجهة مآسى الخدمات الصحية والعلاجية ومشكلات نقص الأدوية لم أجد مصدراً معتبراً لعرض مشكلات المنظومة الصحية سوى وزارة التخطيط التى أصدرت فى فبراير الماضى «استراتيجية التنمية المستدامة 30/20» عددت فيها مواطن الضعف فى المنظومة الصحية فيما يلى: ضعف منظومة التأمين الصحى، ضعف تطبيق منظومة طب الأسرة، غياب نظام الإحالة الصحية، عدم تناسب التمويل المتاح لقطاع الصحة، ضعف الوعى بأهمية الصحة العامة والتغذية السليمة، غياب التنسيق بين مقدم وممول الخدمة، تواضع البنية التحتية التكنولوجية والمعلوماتية التى توفر البيانات، تواضع منظومة الجودة، عدم الجدوى الاقتصادية للقطاع الخاص للاستثمار فى المناطق النائية، ضعف توافر المستلزمات والتجهيزات، عدم ملاءمة المنظومة التشريعية المُنظمة للموارد البشرية، عدم كفاءة نظام التكليف الحالى، غياب آلية لتداول الأدوية ووصفها وصرفها، تواضع حالة المحددات الاجتماعية، تواضع حالة المرافق الصحية، تواضع معدلات تعليم الفتيات، تواضع ثقافة التمريض فى الصعيد، عدم مناسبة مخرجات التعليم العالى لاحتياجات سوق العمل فى مجال الصحة، عدم تفعيل قانون حظر بيع السجائر لدون 18 سنة وعدم معاقبة الجانى، عدم وجود هيئة مستقلة للاعتماد والتنظيم والرقابة الخاصة بالخدمات الصحية.

وللتعامل مع تلك التحديات تضمنت استراتيجية 30/20 برامج لتطبيق التغطية الصحية الشاملة، رفع جودة تقديم الخدمات الصحية، تعزيز البرامج الوقائية وتعزيز الصحة، وتطوير حوكمة قطاع الصحة بما يتضمنه من وضع سياسات ومتابعة تنفيذها، وتمكين المحليات من تقديم الخدمات الصحية فى إطار من اللامركزية، وتطوير البنية المعلوماتية وآليات وسبل إدخال وجمع وإتاحة كافة البيانات الصحية، تطوير منظومة إدارة الموارد البشرية فى قطاع الصحة، ثم تطوير قطاع الدواء.

وقد التزمت الاستراتيجية بأنه بحلول عام 2030 سوف يتمتع كافة المصريين (بالحق فى الصحة) بحياة صحية سليمة آمنة من خلال تطبيق نظام صحى متكامل يتميز بالإتاحة والجودة وعدم التمييز، وقادر على تحسين المؤشرات الصحية عن طريق تحقيق التغطية الصحية والوقائية الشاملة والتدخل المبكر لكافة المواطنين بما يكفل الحماية المالية لغير القادرين، ويحقق رضاء المواطنين والعاملين فى قطاع الصحة لتحقيق الرخاء والرفاهية، والسعادة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولتكون مصر رائدة فى مجال الخدمات والبحوث الصحية والوقائية عربياً وأفريقياً.

وكان رئيس مجلس الوزراء قد تعهّد فى بيانه إلى مجلس النواب الذى قدمه فى مارس الماضى بأن رضا المواطن وصالحه هما قلب برنامج الحكومة وبالتالى ستحظى الموضوعات التى تهم المواطن كالتعليم والصحة بالأولوية المطلقة، ولكنه عاد مستدركاً بأن هذا يحتاج إلى استثمارات ضخمة وبرنامج زمنى متوسط المدى تظهر فيه النتائج الإيجابية التى ننتظرها جميعا!! وقد تضمّن البرنامج وعوداً بمدّ مظلة التأمين لتغطى ما يقرب من ثلاثة ملايين مصرى، وتوفير الخدمات الصحية للفئات الأكثر عرضة للمخاطر، وتطوير صناعة الدواء والبدء فى استكمال تصنيع بعض المنتجات الطبية ذات الأهمية الاستراتيجية مثل الأنسولين ومشتقات الدم ولبن الأطفال، وتطوير المستشفيات والوحدات والمراكز وإيجاد حلول عملية لمستشفيات «التكامل» غير المستغلة، وتطوير خدمات السكان وتنظيم الأسرة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل