المحتوى الرئيسى

الخوارج الجدد.. ما لهم وما علينا

11/28 22:00

لا يمكن النظر للإرهاب فى سيناء، ما قبل حادث ذبح الشيخ «سليمان أبوحراز» كمثل ما هو آت بعده، فبالرغم من أن عمليات قتل المدنيين على يد التنظيم الإرهابى لم تتوقف طوال عمليات المواجهة مع قوات الجيش والأمن، حتى وصلت إلى رقم يتعدى (200 ضحية) فى أقل التقديرات، لكن تبقى جريمة قتل href="/tags/126468-%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE">تل الشيخ المسن الكفيف (98 عاماً) هى الخط الفاصل المعبأ بالدلالات والإشارات التى تستوجب العمل عليها، فابن قبيلة السواركة إحدى أقوى وأهم القبائل فى سيناء، وهو الشيخ الصوفى الشهير، كانت هناك الكثير من الكوابح المفترضة تقيد حركة التنظيم الإرهابى فى ارتكاب الجريمة بحقه فضلاً عن نشر صورها إعلامياً على نطاق واسع، التنظيم المسلح فيما ارتكبه قبلاً من جرائم قتل مروعة بحق المدنيين «وهذا للأسف مما هو مسكوت عنه فى هذا الملف»، كان قادراً على صياغة ذرائع رغم تهافتها وارتباكها، لكنها ظلت مما يمكن تمريره بحق الرأى العام السيناوى، وربما الذريعة الأشهر كانت هى التعاون مع قوات الجيش والأجهزة الأمنية، التى تم تطويرها لاحقاً باعتبار من يحجم عن تقديم العون اللوجيستى لعناصر التنظيم هو فى خانة المتعاون السلبى، جرائم القتل التى ارتكبها التنظيم أخذت مؤخراً منحى أكثر بشاعة، حيث بدأ يسبقها مرحلة اختطاف للضحية لمدة أيام، يضمن فيها التنظيم ذيوع خبر وقوع الشخص بيد الإرهابيين لدى قطاع واسع يبدأ فى التحرك أهلياً فى محاولة تحريره، ومن ثم يقوم التنظيم إما بإلقاء جثته مقتولاً أو رأسه مذبوحاً لضمان وصول رسالة الرعب كاملة، مما هو سلبى فى هذا المشهد ووجوب تسليط الضوء عليه مهم للغاية، أن الأجهزة العاملة فى سيناء ووسائل الإعلام ظلت طوال الوقت تعبر عليه، ولم تقدم دعمها وظهيرها المعنوى والدعائى الواجب لهؤلاء الضحايا، فضلاً عن أنها فى عبورها السلبى فقدت القدرة على صياغة مشهد الإرهاب والتهديد على صورته الحقيقية، وأفسحت المجال للمغالطات أن تحتل معطيات الطرح، ولا يوجد تنظيم إرهابى أو مجتمع حاضن له من دون طرح ما، نختلف أو نتفق مع هذا الطرح ليس هذا هو مربط الفرس، إنما المربط أن الطرح الرسمى للمعركة أو بالأحرى «الحقيقى» يكفى أن نصفه بالغياب، وبخسارته المجانية لاحتشاد كان هو فى أمس الحاجة إليه داخلياً وخارجياً والمقصود بذلك «مسرح العمليات».

«الشيخ سليمان أبوحراز» لم يكن متعاوناً مع الدولة لا سلباً ولا إيجاباً، ولم يكن دخيلاً على الأرض السيناوية، فيمكن قتله على خلفية نزعات التطهير من الغرباء، ولم يقم بممارسة أعمال إنشائية أو توريدات لصالح أجهزة الدولة، وهذه من مسببات القتل لدى التنظيم، فالشيخ تمسك بـ«الكلمة» فقط وأطلق فكرياً ما يدحض كون هذا التنظيم ينضوى تحت لواء «السلفية الجهادية»، فقد فكك المصطلح فى ذاته، وأوضح فى دروسه وخطبه فساد تلك السلفية وزيف ارتباطها بالجهاد المزعوم، وبالنظر إلى انتماء الشيخ للأرض والقبيلة ومسيرته العمرية المعلومة للجميع ضرب التنظيم فى أعز ما يملك، ودفعه لأن يتجاوز كافة الحواجز والكوابح المشار إليها ليتخذ القرار السهل بالذبح، فالأصعب على التنظيم هو التعايش مع مثل هذا النموذج لا سيما مع قدر الشهرة التى يتمتع بها، ضربة قتل الشيخ العجوز ألقت التنظيم فى براثن لعنة وصمهم بـ«الخوارج الجدد»، فقد بدوا مجموعة من القتلة العابثين المنفلتين من أى إطار يمكن تسويقه، وهذا ليس مما يعد إثباتاً للمثبت أو للمعلوم بالأساس كونهم تنظيماً إرهابياً يحمل السلاح، وليس من الرفاهة الفكرية فى تصنيفهم كمجموعة جديدة من «الخوارج»، بل إن المعادلة الجديدة بأكثر أهمية وتعقيداً من ذلك.

صور عملية ذبح الشيخ حراز التى نُشرت على وسائل الإعلام لأول مرة تحمل شارة «ولاية سيناء»، وتزامناً مع ذلك خرجت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا فى اتهاماتها لخلايا إرهابية وعناصر خططت لاغتيال رئيس الجمهورية بالداخل والخارج، ذكرت ما هو نص اتهام «الانضمام لتنظيم ولاية سيناء» المرتبطة بتنظيم «داعش» الإرهابى، ربما هذا هو تعاطٍ متأخر أن لتنظيم «داعش» فرعاً يتم إدارة نشاطه على أرض سيناء، لكنه ها هو قد أتى ليس ليدق أجراس الخطر، بل ليستلزم تطويراً سريعاً وحاسماً فى المجابهة، فالتنظيم سقطت أقنعته التى تخفى وراءها، المتعلقة بالتهميش والاضطهاد والفقر لأهالى سيناء، بل حتى وهو يحارب «نظاماً انقلابياً» وجيشاً للردة انتصاراً لشرعية إسلامية مزعومة، أو وهو يسقط كافة مشاهد الخذلان العربى والإسلامى على أكتاف النظام المصرى الحالى، كافة تلك الأطروحات المهووسة كانت فيما قبل جريمة الشيخ حراز قادرة على توفير درع فكرى وتنظيمى بقدر معقول، كانت تساعده على الأقل فى تجديد شرايينه بعد كافة ضربات الجيش والأمن الكاسحة، وتوفر له مساحة أرض يقف تحت لواءه العديد ممن سقطوا فى فخ تلك الأطروحات المزيفة، وهذا السقوط ربما سينتج أثراً أكثر شراسة مما قبل وأبعد استهانة بأى من المعقولية أو استجلاء الأمر على وجهه الصحيح، وهذا باختصار هو لب فكر وسلوك «الخوارج» فى صورته الواقعية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل