المحتوى الرئيسى

السودان.. علاج بالصدمة أم انتحار سياسي؟

11/28 14:09

قفزة في الظلام، ومغامرة غير محسوبة العواقب تلك اتخذتها الحكومة السودانية من خلال حزمة السياسات الاقتصادية القاضية برفع كلي للدعم السلعي، وتعويم صرف الجنيه السوداني.

منظرو الحكومة وإعلامها تحدثوا عن ما أسموه بالعلاج بالصدمة، باعتبارها إحدى الوصفات الاقتصادية في الأوقات العصيبة.وقال الرئيس عمر البشير إنهم مستعدون لتحمل التكلفة السياسية لهذه الوصفة لبعدها الشعبي وتأثيرها على شعبية الحكومة.المعارضون للخطوة قالوا إن الحكومة التي أدخلت نفسها في ورطة بسبب سياساتها خلال 27 عاما، تريد أن تمد يدها لجيب المواطن المنهك واختارت الطريق السهل.

وانتعشت آمال المعارضة بقدوم ربيع سوداني يطيح بالنظام الحالي؛ فالمواطن لم يعد يحتمل مزيدا من تدني مستوى معيشته، وقد بلغ السيل الزبى. وبعد قرارات الحكومة التي أعلنها وزير المالية هذا الشهر أصدرت العديد من الأحزاب المعارضة بيانات تدين تلك الإجراءات، بل دعا بعضها صراحة للثورة والعصيان المدني. وعلى إثر ذلك خرجت بعض التظاهرات المتفرقة في أنحاء عديدة من العاصمة السودانية الخرطوم.

وبعيدا عن تجاذبات الحاكمين والمعارضين تظل حقيقة أن السودان بلد شاسع وغني بالموارد الطبيعية شاخصة: (الأرض الزراعية الخصبة، الثروات الحيوانية، والمعدنية، والمائية)، بيد أن هذه الحقيقة تفضح الفشل السياسي الذي ظل ملازما للنخب السياسية منذ استقلال البلاد في 1956 وعدم القدرة على إدارة هذه الثروات، فالفشل الاقتصادي هو فشل سياسي بالضرورة للارتباط الوثيق بين السياسة والاقتصاد.

وإن كان الكثيرون يؤمنون بمقولة: إذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد، فإن الخرطوم لم تضع الحصان أمام العربة. فالاقتصاد أن تلبي الحكومة الاحتياجات المادية الضرورية للمجتمع لتحقيق ازدهاره، أما السياسة فهي القدرة على التكيف مع الواقع وفن التعامل مع الممكن، من حيث الاقتصاد الملائم الذي يحقق هذا التكيف فالسياسة والاقتصاد متلازمان يسيران خطوة بخطوة.

إن عرى العلاقة بين معاش الناس، وبين الفعل السياسي جدُّ وثيقة، وتزداد تعقيدا والتباسا حينما يكون الفاعل السياسي فاعلا اقتصاديا في نفس الوقت، أي أن تحتكر السلطة ورموزها السوق، فيتراجع الاقتصاد في ظل انعدام أجواء وشروط المنافسة الحرة، وفي ذات الوقت تنحدر السياسة لهوة عميقة لا قرار لها. وبدون نظام سياسي ديمقراطي لا يمكن للاقتصاد أن يتحرر كليا من منظومة القوانين المعيقة للتطور والتحديث على صعيد الدولة والمجتمع. الخرطوم اليوم أمام تحدي إقرار إصلاحات سياسية جذرية مُفضية إلى واقع اقتصادي يتجاوز الاحتكار السياسي، بل الفساد الحكومي المستشري الذي سارت به الركبان ولم يعد في حاجة إلى إثبات.

وما يؤخذ على الحكومة السودانية أن غاية طموحاتها ظلت كيفية إدارة الأزمة والتعامل مع الحلول الترقيعية والمسكنات الوقتية؛ بل إن قادتها مثل وزير المالية يفاخر اليوم بنجاحهم في وقف الانهيار الاقتصادي الوشيك.

لقد رفعت الخرطوم دعم السلع الاستهلاكية الرئيسية في وقت يعيش غالبية الشعب السوداني تحت خط الفقر. وفي أغسطس/آب الماضي قال اتحاد العمال السوداني (يشمل الاتحادات المهنية والعمالية في عموم السودان) إن الأجر الذي يتقاضاه العامل أو الموظف لا يكفي إلا بمقدار 10% من تكلفة المعيشة.

ويمثل رفع الدعم في هذه الظروف كارثة شعبية ماحقة، فما تشهده البلاد من تضخم مخيف، يسميه أهل الاقتصاد بالتضخم الحلزوني، حيث تؤدي زيادة الضغوط على الأسعار إلى ردود أفعال تُنتج المزيد من التضخم، وخطورة هذا النوع من التضخم أنه يغذي نفسه بنفسه. ويعني رفع الدعم أن الرواتب انخفضت فعاليتها بنسبة 131% ولو قامت الحكومة بزيادة الرواتب بنسبة 100% وهو ما لم يوضع في الحسبان، فإن ما حدث فعليا هو تخفيض القوة الشرائية للرواتب بنسبة 40% في المتوسط. وتعيش البلاد اليوم أجواء غلاء محموم حيث بلغ معدل التضخم 18% في شهر سبتمبر/أيلول 2016 بالمقارنة مع معدل 12.6% في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015 حسب الجهاز المركزي للإحصاء.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل