المحتوى الرئيسى

العرب وأفريقيا وغياب الشراكة الإستراتيجية

11/28 11:19

ثمة وعود وعقود تزخر بها مؤتمرات الشراكة مع أفريقيا من قبل القوى الاقتصادية، كما هو حال مؤتمرات الشراكة بين أفريقيا والصين، حيث يعلن في كل مرة إسقاط ديون أو تقديم برامج للاستثمار أو تمويل لمشروعات بنية أساسية، وحتى القمة العربية الأفريقية الثالثة بالكويت في عام 2013، خرجت بإعلان تقديم صندوق التنمية الكويتي لنحو مليار دولار قروضا ميسرة للدول الأفريقية على مدار خمس سنوات، وكذلك مليار دولار أخرى لضمان الاستثمار في أفريقيا.

ولكن القمة العربية الأفريقية الرابعة التي استضافتها غينيا الاستوائية في الفترة 17-23 نوفمبر/تشرين الثاني تحت عنوان "معا لتنمية مستدامة وتعاون اقتصادي" خرجت فقيرة، فلم ير لها اتفاقيات لاستثمارات أو منح أو مساعدات، بل تصدرت أعمالها الخلافات السياسية التي يمكن أن نقول إنها أفسدت القمة بسبب انسحاب نحو ثماني دول عربية فاعلة، هي في الأساس التي تملك بعض الفوائض المالية، أو إن شئنا قلنا صاحبة بعض الاستثمارات في أفريقيا، وعلى رأس هذه الدول السعودية ودولة الإمارات العربية.

الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وإن كانت القمم العربية الأفريقية وغيرها تأخذ واجهة اقتصادية، إلا أن المشروعات السياسية تتصارع في أفريقيا على قدم وساق، ولا مانع من الاستفادة من خيرات أفريقيا التي تتمثل في المواد الخام، وكذلك حالة الاستقرار السياسي والتقدم الديمقراطي النسبي للدول الأفريقية الذي مكن لأن تكون أفريقيا سوقا نشطة للسلع والمنتجات تامة الصنع.

إن الشراكات الإستراتيجية تعتمد على تبادل المصالح الآنية والمستقبلية، وليس الحديث عن عمق العلاقات التاريخية، ولذلك فنتائج القمة العربية الأفريقية الرابعة يمكن اعتبارها تكريسا لفرقة عربية أفريقية وليس شراكة إستراتيجية.

بالرجوع للتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2015، تبين أن التوزيع الجغرافي لحركة التجارة الخارجية للعالم العربي تخلو تماما من وجود لأفريقيا ككيان إقليمي أو حتى على صعيد الدول ضمن الشركاء الرئيسيين للعالم العربي، سواء في مجال الصادرات أو الواردات.

وكذلك الحال بالنسبة لأفريقيا، فما زالت الصين تهيمن على صدارة الشركاء الرئيسيين لأفريقيا منذ مطلع عام 2000، وذلك بما تملكه الصين من حركة صادرات نشطة، وكذلك جسر علاقات التعاون الاقتصادي والثقافي، من منح تعليمية أو تمويل مشروعات بنية أساسية أو إسقاط ديون وغير ذلك من الإجراءات ذات المردود الاقتصادي.

إن ما ترصده أرقام التقرير الاقتصادي العربي الموحد بشأن أفريقيا يأتي في إطار العون الإنمائي والاقتصادي، حيث حصلت أفريقيا على نسبة 20.1% من عمليات التمويل لمؤسسات التنمية العربية في عام 2014، بواقع 3.1 مليارات دولار، ولنا أن نتخيل هذا الرقم في إطار نحو 46 دولة أفريقية (عدد الدول الأفريقية غير العربية).

وإذا ما أشرنا إلى حجم التبادل التجاري بين التجمعين العربي والأفريقي فإننا نتحدث عن قرابة سبعين دولة، ولا يتجاوز التبادل التجاري بينهم ثلاثين مليار دولار سنويا، ويمثل النفط عاملا رئيسيا في هذه التعاملات، ولذلك يميل التبادل التجاري لصالح الدول العربية، وفي الوقت نفسه نجد أن التبادل التجاري للصين وحدها مع أفريقيا يفوق الـ 130 مليار دولار سنويا، وهذا هو الفارق بين السعي الحقيقي لإيجاد شراكة إستراتيجية والحديث الذي لا يتجاوز قاعات الاجتماعات.

ثمة لافتات ترفع في إطار العلاقات بين تجمعات الدول النامية منذ ستينيات القرن العشرين، مثل تعاون "الجنوب-جنوب"، ولكن الواقع يعكس غير ذلك تماما، حيث يكرس أداء اقتصاديات هذه الدول أنها تسير في إطار المخطط الرأسمالي الحاكم للعلاقات الاقتصادية الدولية، وهو نظرية "المركز والمحاور" حيث ترتبط كل مجموعة من الدول النامية بواحدة من الدول الرأسمالية الكبرى، وعادة ما تكون الدولة التي كانت تستعمر هذه المجموعة من الدول النامية.

ولا توجد حالة نجاح بين الدول النامية للخروج عن المخطط الرأسمالي، إلا تجربة تجمع "بريكس" حيث استطاع هذا التجمع محاولة إحداث حالة من التوازن في العلاقات الاقتصادية الدولية، وإن كانت التجربة تعاني من مشكلات على مدار السنوات الخمس الماضية.

وبالنظر إلى العلاقات العربية الأفريقية، يلاحظ أنها تعاني من مجموعة من المشكلات، حيث إن هذه الدول سواء العربية أو الأفريقية لها خصائص اقتصادية متنافسة، فمثلا تعتمد صادرات الدول العربية والأفريقية على السلع الأولية، وفي أحسن تقدير على تصدير بعض السلع التقليدية ذات القيمة المضافة الضعيفة.

كما تتنافس كل من الدول العربية والأفريقية على استقدام الاستثمارات الأجنبية، كما أن هذه الدول تفتقد لإنتاج التكنولوجيا، وتضطر إلى استيراد العدد والآلات من الغرب ومؤخرا من الصين والهند وبعض الدول الصاعدة الأخرى، فضلا عن عدم دخول الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية حيز التنفيذ، كما لا توجد منظومة إقليمية في كياني جامعة الدول العربية أو الاتحاد الأفريقي تلزم هذه الدول بمستهدفات في إطار تعاون أو تكامل أو شراكة اقتصادية حقيقية.

ومن هنا فالعلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول العربية والأفريقية تأتي في إطار التنافس وليس التكامل، وإن الحديث عن إمكانية وجود شراكة إستراتيجية بين الطرفين هو من قبيل المجاملات الإعلامية أو السياسية، وليس له نصيب من الواقع الحالي ولا المستقبل المنظور على صعيد الأجلين القصير والمتوسط.

رغم أن عودة صياغة العلاقات العربية الأفريقية في شكل مشروع بين كيانين إقليميين وهما جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، أتت من خلال قمتين إحداهما في ليبيا عام 2010 والثانية في الكويت عام 2013، فإنهما لم يغنيا عن حالة السبق من قبل قوى دولية ودول صاعدة لديها إمكانيات الشراكة الحقيقية، كما هو الحال في وضع الاتحاد الأوروبي أو الصين، أو حتى من قبل تركيا.

والجدير بالذكر أن تأريخ الشراكة الإستراتيجية للعلاقة بين العرب وأفريقيا يبدأ من مؤتمر القاهرة في عام 1977، ولكن وضع القمتين في ليبيا والكويت كان يعكس إمكانيات اقتصادية أفضل، حيث كانت تتوفر للدول العربية وفورات مالية من ارتفاع سعر النفط الذي استمر لأكثر من عقد من الزمن، وكان يمثل لأفريقيا وغيرها مستهدفا لاستجلاب الاستثمارات أو نمو العلاقات التجارية والاقتصادية.

ولكن مع انعقاد القمة الرابعة في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، نجد أن وضع العرب أكثر ضعفا، ولم يعد يساعد على وجود حقيقي في واقع اقتصاديات أفريقيا، فدول الفائض العربي أصبحت تعاني ما تعانيه الدول الأفريقية من عجز بالموازنات العامة واتباع برامج للتقشف، وتعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، بل واتجهت الدول النفطية العربية إلى الاستدانة الخارجية بعد البدء في الاستدانة المحلية في عام 2015.

وقد أصاب الوضع السياسي والأمني الطرف العربي بمزيد من الضعف، بسبب الحروب الأهلية في بعض الدول العربية، أو حالة النزاع الإقليمي بين إيران ودول الخليج من خلال الحرب في كل من سوريا واليمن، أو النزاع غير المعلن في لبنان.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل