المحتوى الرئيسى

المسلمات في بريطانيا.. معاناة في الوظائف ومواجهة مع الكراهية.. فكيف الوصول إلى الاندماج؟

11/28 02:12

مع تصاعد سياسات التفرقة بين الناس على أساس الجنس، تُعد هذه الخطوة متواضعة بلا شك، لكنها بَدَت وكأنها موجة زلزالية في مركز أعمال كارلايل في برادفورد.

على مدار 5 سنوات، كانت هنية تسعى للحصول على وظيفة في مجال التسويق الرقمي، لكن على ما يبدو أن مؤهلات الشابة البالغة من العمر 28 عاماً، وكفاءتها، وطموحها لا تشكل أية أهمية في التوظيف. بدأت ثقتها بنفسها تتلاشى تدريجياً حسبما شاهد أصدقاؤها. فكَّرت هنية في خلع حجابها الإسلامي، وكان خيارها النهائي هو دفن حقيقة أنها مسلمة.

ورغم ذلك، أعلنت هنية أمام 50 امرأة في المركز الموجود بحي مانينغهام ببرادفورد، أنها التحقت مؤخراً بوظيفة/ وفقاً لما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.

من جانبها، علقت بانا غورا، الرئيس التنفيذي للمجلس النسائي الإسلامي في برادفورد، قائلة: "كانت هذه أخبار رائعة، لكن بالنسبة للكثيرات، فإن التمييز في سوق العمل جنباً، بالإضافة إلى انعدام الفرص، يخلق إجهاداً يقوض الاعتزاز بالنفس في نهاية المطاف".

انتصرت هنية في الوقت الذي فشلت فيه معظم قريناتها. كونها امرأة مسلمة في بريطانيا عقب انسحاب البلاد من الاتحاد الأوروبي لن يُمكنها من الحصول إلا على مزايا قليلة، لكنه سيجعلها أحد أعضاء الفئة الأكثر حرماناً اقتصادياً في المجتمع البريطاني.

في مانينغهام، حيث وجد الإحصاء الأخير أن المسلمين يشكلون ثلاثة أرباع سكان المدينة البالغ عددهم 20 ألف نسمة، يسود القلق من أن ظواهر التعصب الأعمى التحريضي والإسلاموفوبيا التي تزايدت في أعقاب التصويت على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تهدد بتهميش النساء المسلمات لدرجة الاستبعاد الفعلي.

وعلى بعد 7 أميال من مركز الأعمال، بعد المسجد المركزي في برادفورد وجنوباً على طول طريق A651، يقع سوق غرب يوركشاير بمدينة بيرستال. هنا، خارج مكتبة البلدة في الساعة 12:53 من مساء يوم 16 يونيو/حزيران الماضي، تعرضت النائبة العمالية جو كوكس لهجوم أدى إلى مصرعها على يد إرهابي يميني متطرف، تزامناً مع اقتراب حملة الاستفتاء على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من نهايتها.

في الصدد ذاته، حُكم على توماس ماير، قاتل النائبة جو كوكس، بعقوبة السجن بقية حياته. ويعد توماس ماير البالغ من العمر 53 عاماً من العنصريين البيض، ويعتبر الهجرة بمثابة لعنة للقيم البريطانية وكان يأمل أن تشعل جريمته تلك فتيل التوترات بين ثقافات عدة.

أول تحقيق مدعوم من الدولة

الجدير بالذكر أن التقرير المرتقب للحكومة بشأن الاندماج - أول تحقيق مدعوم من الدولة بشأن القضية لمدة 15 عاماً – جاء ضد الخلفية المحمومة السائدة حالياً. وتدرك لويز كيسي، الكاتبة الرئيسية للتقرير الذي تم وضع تصوراته عام 2015، أن النقاش بشأن العرق، والهوية الذاتية لبريطانيا نفسها، قد تغير بشكل كبير منذ بداية إعداد التقرير.

فريق كيسي حساس للغاية بشأن الكيفية التي ستتناول بها وسائل الإعلام اليمينية محتويات التقرير، خاصة مع تأكيد بحث جديد أجرته وزارة الداخلية البريطانية على أن جيوب لندن وبرمنغهام وغيرها من المدن أصبحت ذات عرقية أحادية على نحو متزايد مع بلوغ نسبة السكان المهاجرين أكثر من 50٪، ما يؤكد وجود ارتفاع حاد في العقد الأخير.

وقال مصدر مقرب من تقرير كيسي: "سينتهز المؤيدون لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هذا الأمر، فهم يرغبون في إغلاق الحدود، في حين أن اليسار غير قادر على الحديث عن هذا الموضوع".

لكن التوجّه الرئيسي للتقرير لا يزال دون تغيير، فهو يحاول تحسين "الفرص والتكامل" للأقليات العرقية التي ما تزال مُهمَّشة. تجدر الإشارة إلى أن قضايا التفرقة وعدم المساواة لا تزال قائمة، فالعوامل المكتشفة في أعقاب أعمال الشغب العرقية عام 2001 التي اجتاحت مانينغهام دفعت وزارة الداخلية البريطانية إلى إجراء تقرير كشف النقاب عن وجود حياة موازية بين الأعراق التي "لا تتلاقى عند أية نقطة، ناهيك عن أن تتداخل".

وتقول غورا إن الأمور تحسنت كثيراً منذ تلك الفترة، لكن تحول خطاب كراهية الإسلام ليكون الاتجاه السائد في بريطانيا أثار قلق النساء المسلمات في برادفورد.

وتضيف: "هذه أوقات مخيفة، فهناك خوف وقلق متصاعدان بشأن ما يخبئه المستقبل، ويشعر المجتمع المسلم بأنه تحت عدسة مكبرة. كما أن الخطاب في وسائل الإعلام، والرسائل السلبية المستمرة التي يجري نشرها، تعد كلها أموراً مزعجة". وأضافت غورا وهي تتجه برأسها تجاه طريق كارلايل بمحاذاة المتاجر الخيرية والمسجد ذي القبة الخضراء "حتى في مانينغهام، حدثت هجمات عنصرية، ولدينا نساء تعرضن لتمزيق حجابهن".

تجدر الإشارة إلى أن التحقيق الذي أجرته كيسي على مدار 17 شهراً في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وشمل زيارة إلى مركز الأعمال بمانينغهام، وجد أن النساء المسلمات تعرضن لمزيد من التضييق والانعزال عن الاتجاه السائد في المجتمع، فقد خلعت العديد من النساء الحجاب في محاولة للعثور على وظيفة.

كما أصبح الحصول على الاستقلال الاقتصادي والبحث عن وظيفة والالتقاء بأشخاص جدد، مجرد أضغاث أحلام بالنسبة للأغلبية منهن. فقد اكتُشِف نظام يتكون من 3 مستويات من التمييز: كونهن نساء، وكونهن من أقلية عرقية، وأخيراً كونهن مسلمات.

وقال صندوق رونيميد في مذكرة إعلامية لكيسي إن المرأة الباكستانية والبنغلاديشية تواجه "التمييز في كل مرحلة من مراحل عملية التوظيف".

وأوضحت سيلينا أولاه، رئيسة المجلس النسائي الإسلامي، أن الرفض التراكمي من جانب أرباب العمل المحتملين المتحالف مع القصص المرعبة الواردة من الأصدقاء يعني أن العديد من النساء شعرن بعدم القدرة على الحصول على وظيفة. وأضافت: "هم لا يؤمنون حقاً بأن بمقدورهن فعل أي شيء، فيبدأن في إبعاد أنفسهم تلقائياً عن بعض الوظائف، ويفكرن لاشعورياً بأنهن عديمات القيمة، فهن يدركن مسألة عدم المساواة عند التقدم إلى الوظائف".

وأضافت: "إذا كانت لديك سيرة ذاتية مناسبة للغرض، وواجهت الرفض في وظائف مماثلة في العديد من المناسبات، فإن ذلك يؤثر عليك. هذه المشاكل المتعلقة بضعف التطلعات والثقة المنخفضة تصاحب وجود درجة من العنصرية تبدأ من قطاع التعليم".

وتكشف العديد من الدراسات عن وجود حالات كثيرة من تهميش النساء المسلمات. فقد كشف نواب بالبرلمان في أغسطس عن أن النساء البيض أقل عرضة للبطالة 3 مرات (6.8٪) مقارنة بالنساء السود (17.7٪). وتتمثل أسوأ الحالات في المرأة الباكستانية والبنغلاديشية (20.5٪). ففي العام الماضي، وجد مكتب الإحصاءات الوطنية أن ما يقرب من ثلثي النساء المسلمات اللائي تتراوح أعمارهن بين 16-64 عاماً عاطلات عن العمل.

على النقيض من ذلك، كان 69٪ من النساء البريطانيات في سن العمل يشغلن وظائف. والأسباب عديدة وراء هذه الإحصاءات، يشمل ذلك الافتقار إلى القدوة، والضغوط الثقافية التي تُمارَس على النساء للتركيز على أسرهن بدلاً من بناء مستقبلهن المهني.

ووجدت دراسة كيسي أنه في بعض أجزاء من المملكة المتحدة، لا سيما برمنغهام، حتى عندما تلجأ النساء إلى المسجد المحلي يتعرضن للتهميش من قبل الرجال. وقال فايز مجال، مدير الشؤون الإيمانية الذي ساهم في مراجعة التكامل: "الكثيرات ليس لديهن صوت، وعندما يذهبن للتطوع في المساجد لا يعطهن الرجال أي فرص، فهم مستبعدون. ويضيف أن عملية التوظيف نفسها تثبت وجود مشكلة شاقة مليئة بالتحيز. فالنساء يروون أشكالاً غير قانونية من الاستجواب في مقابلات العمل مثل سؤالهن عما إذا كُنَّ متزوجات أو ما إذا كُنَّ يفكرن في خلع الحجاب.

وأكد فايز: "يقُلن دائماً لا نستطيع الحصول على وظيفة، لقد تقدمنا للعمل مئات المرات. وأخريات يقُلن لنا عند حضور المقابلة يتم طرح أسئلة عليهن مثل: هل ترتدين الحجاب طوال الوقت؟"، وفي أغسطس، حثت لجنة النساء والمساواة بالبرلمان البريطاني الوزراء لإدخال "عمليات التوظيف دون كشف الاسم"؛ وذلك لوقف أرباب العمل عن رفض الأسماء التي لا تنتمي إلى البيض.

وقالت سلينا: "هناك تحيز لا شعوري ضد الأسماء التي تبدو أجنبية، والأسماء التي يصعب قراءتها. الأمر الثاني أن لجان التوظيف تحبذ توظيف الأشخاص الذين تتشابه أسماؤهم وصفاتهم مع أعضاء اللجان. فإذا كنتِ امرأة مسلمة ترتدين حجاباً، فمسألة توظيفك تعتمد على ما إذا كانت اللجنة ستقبل الحجاب أم لا"، وثمَّة أدلة كثيرة تشير إلى أن الأقلية من لجان التوظيف على استعداد لقبول الحجاب.

في يوم الثلاثاء، سيكشف المجلس النسائي الإسلامي (MWC) في برادفورد النقاب عن كتاب جديد عن تراث الحجاب، ليشير إلى تشابه الحجاب مع غطاء الرأس المتصل باليهودية والمسيحية. وتمت دعوة أكثر من 300 شخص لإطلاق الكتاب في المتحف الوطني للإعلام في المدينة، وهو حدث يهدف إلى تعزيز الأواصر بين الديانات الإبراهيمية. وتأمل غورا بأن تحد رسالة الكتاب من العداء تجاه الحجاب الذي أصبح قضيةً مُسيَّسةً بشدة خلال السنوات الأخيرة.

ويقول مجال إنَّ النساء كثيراً ما يتم استهدافهن في الشارع لارتدائهن الحجاب. وتكشف الإحصاءات الجديدة للشرطة التي حصلت عليها صحيفة "الأوبزرفر" أن حوادث جرائم الكراهية ضد المسلمين في برادفورد هذا العام مثَّلت 8 أضعاف روثرهام، البلدة الواقعة في جنوب يوركشاير حيث دفعت فضيحة الاستغلال الجنسي للفتيات الصغيرات إلى تأجيج التوترات العرقية.

وسجلت شرطة غرب يوركشاير 40 حادثاً في برادفورد بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول، وهو أعلى رقم لأية بلدة أو مدينة في تلك المنطقة. ومن بين 137 حالة مسجلة في غرب يوركشير كلها، هناك 60 حالة كانت أعمال عنف ضد الشخص و47 حالة تحرش.

وسجل الخط الساخن للإبلاغ عن جرائم الكراهية ضد المسلمين Tell Mama (أخبِر ماما) 23 حادثة أخرى في المنطقة خلال تلك الفترة. كما سيتم كشف النقاب عن حملة وطنية جديدة لمكافحة الكراهية في البرلمان مع التركيز على ضمان شعور مجتمعات الأقليات العرقية بمزيد من الحماية.

ووفقاً لغورا، هناك تطور إيجابي آخر يتمثل في أن تقرير كيسي سيساعد بتعجيل التغيير في اللغة المستخدمة: "يجب أن يكون هناك لغة أكثر إيجابية، ويجب إعادة النظر في خطاب الحكومة، فلا يمكن أن نواصل استخدام اللغة التي تصف المسلمين بأنهم العدو الداخلي".

وهناك القليل الذين يحبسون أنفاسهم ترقباً للتقرير. ويقول منتقدون إن الكلمة الرئيسية في تقرير كيسي - الاندماج - تُعَد خرقاء ومُحمَّلة بمعانٍ أخرى؛ إذ تُعطي انطباعاً بأنه ما لم تتمتع الأقليات العرقية بالاندماج الكامل، فسيكونون قد فشلوا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل