المحتوى الرئيسى

دليل مفصل لـ48 ساعة من العشق في الجزائر العاصمة

11/27 10:09

الجزائر العاصمة، أو "ألجي" كما يسميها سكانها، جبل صغير ومدينة كولونيالية بحرية كبيرة بُنيت منذ قرن.  ليست مدينة حديثة، بالعكس ربما قد تجدون أن العمران فيها يتآكل بمرور الزمن والرطوبة. لكن هذا التآكل سيفتنكم. وقد ينتهي بكم المطاف إلى أن تتسكعوا بين أبواب العمارات "الهوسمانية"، وتدخلوها واحدة واحدة، لمشاهدة تفرّد كل عمارة من الداخل والخارج، والتماثيل المنحوتة فوق المداخل وعلى الدرج، والمصاعد الغريبة الشكل التي لم تعد تقوى على الصعود والنزول، والزجاج الملون في كل باب، ورائحة الرطوبة، كأنكم تدخلون باخرة.

لا تعتمدوا على الإنترنت عند وصولكم للجزائر العاصمة، واعتمدوا على خريطة للمدينة تشترونها من أي محل. ولا بأس إذا كنتم لا تعرفون الفرنسية، ووجدتم أن كل المطبوعات والإشارات بتلك اللغة. لا تحكموا على هذه المدينة على أنها غير مبالية وتدير لكم ظهرها. بالعكس، اصبروا قليلاً كما فعلتم مع كلمات أغاني الراي أول مرّة سمعتموها، قبل أن تسلّموا نفسكم للإيقاع وتغيبوا فيه. اشترِوا خريطة ولا تعتمدوا على الانترنت إلا في ما يخص الرجوع إلى "غوغل ماب"، وسلّموا أنفسكم لـ48 ساعة من الاكتشاف والغرابة.

إذا كنتم تملكون نقوداً كافية، وأردتم أن تستفيدوا من الفرق الشاسع بين الدولار والدينار الجزائري، فاحجزوا إقامتكم في فندق الأوراسي، أو فندق الجزائر. خدمة خمس نجوم، وإطلالة على المدينة والبحر، من أجمل ما يكون. أما إذا أردتم تسعيرة أقل، ومكاناً قريباً من وسط البلد، فاختاروا فندق "ألبير الأول"، لصق حديقة الساعة الزهرية، مباشرة تحت درج الحكومة الشهير، ومع بداية ساحة "خميستي"، التي يبدأ منها وينتهي عندها كل شيء.

لا تستعجلوا صباحاً، الجزائر العاصمة ليست واحدة من تلك المُدن الحديثة، التي تجد الناس فيها يتدافعون على فتحات المترو للّحاق بأعمالهم، العاصميون - ساكنين وعابرين - يعيشون على الإيقاع البطيء ورغم ذلك ستجدهم دائماً يشتكون من سرعة الزمن. اخرجوا من فندقكم نحو المقاهي التي تفترش الساحة الصغيرة أمام مبنى البريد المركزي. اشربوا قهوتكم مع مخبوزات خفيفة وعصير طبيعي، وقبل أن تباشروا جولتكم، زوروا المبنى العريق الذي جلستم أمامه، مبنى البريد المركزي. بُني منذ نحو قرن، وهو متحف مفتوح. تقريباً سُحبت كل الأشغال والمصالح إلى المبنى الصغير المجاور، وبقي هو كمتحف غير معلن. استقلوا سيارة تاكسي من ناصية الطريق نحو "فندق الجزائر" في أعالي المدينة، على بُعد خطوات من مبنى الإذاعة.

شارك غردأجمل ما يمكن القيام به في الجزائر العاصمة خلال 48 ساعة... لرحلتكم المقبلة

في الصباح يكون مسبح الفندق شبه خالٍ، والحديقة النباتية الشهيرة بدأت بإطلاق روائحها مع نسمات الصباح الأولى. لا تُرهقوا أنفسكم، يُمكنكم أن تتناولوا الغداء في الحديقة النباتية للفندق، شيء نادر وقديم، ويمكنكم أن تتذوّقوا المطبخ الجزائري بمختلف أطباقه التقليدية. تستطيعون التجوّل في الفندق العريق، وستجدون على حوائطه صور كل من زاروه، من الشاعر الفرنسي جان كوكتو إلى السياسي الإنجليزي وينستن تشرتشل إلى تشي غيفارا. ربما ستندمون قليلاً على عدم نزولكم فيه، لكن لا يهم، فأنتم اقتربتم من قلب المدينة، من شوارعها ومحلاتها وباراتها العتيقة، التي توصد أبوابها على كآبة ما، وطبعاً مقاهي "التيراس" التي تحتلّ الأرصفة.

بعدها يمكنك أن تأخذوا سيارة تاكسي عبر شارع الشهداء، حتى مقام الشهيد، المعْلَم الأشهر في المدينة، الذي يظهر في كل صورها، وهو من أعلى النُقط في العاصمة. بُني هذا المعلَم في الثمانينات على شكل ثلاث سعفات اسمنتية واقفة، ما يهم فعلاً هو الإطلالة من جنب مقام الشهيد على المدينة كلها، وأنتم تقفون هناك.

ستحبون هذه المدينة وستغفرون لها كل شيء: جبل صغير، أبيض من العمران، يطوّق البحر، من هناك تأخذون التليفيريك وتنزلون في أول محطة، "دار عبد اللطيف". هي دار عثمانية قديمة، صارت إقامة إبداعية ومتحفاً دائماً، سيحالفكم الحظ وستجدون شيئاً جميلاً هناك.

يُمكنكم الآن العودة للفندق عبر المترو، عشر دقائق وتكونون في ساحة أودان، تجلسون في شرفة مقهى تستمتعون بقهوتكم ونسمات العصر. وإذا أردتم يمكنكم المشي على الكورنيش الطويل من وراء البريد المركزي، مروراً بممشى الأقواس الطويل. كل الميناء تحتكم، ومحطة القطارات القديمة تحتكم، تسيرون حتى شارع تشي غيفارا، وتشاهدون الأميرالية البحرية التي أسّسها ريّاس البحر في العهد العثماني، أقوى حصن بحري وقتها في المتوسط، حصن "القراصنة". كما يمكنكم الجلوس قرب هذا الحصن في أحد أقدم المقاهي بالمدينة، مقهى التلمساني.

أما للعشاء فاخترنا لكم مطعم Le tajine في الأبيار، أي أقل من عشر دقائق بالتاكسي من باب فندقكم. مطعم صغير يقدّم أشهى أطباق وطواجن المطبخ المغاربي، يُمكنكم العودة والجلوس في مشرب "أوتيل سويس"، الذي قد يكون خيار سكن بديل أيضاً، في شارع ديدوش مراد، كما يُمكنك العودة لفندق الجزائر وقضاء ليلة صاخبة في باشا كلوب، في فندق الجزائر مرة أخرى، بما أنه الأقرب إليكم.

تنهضون صباحاً، الجو غالباً يكون معتدلاً، نسمات منعشة في الصباح قبل أن ترتفع الحرارة والرطوبة. يُمكنكم أن تسيروا يساراً عندما تخرجون من الفندق، تقطعون شارع بن مهيدي، وساحة الأمير، حتى نهايته لتجلسوا في مقهى "تون تون فيل" الشهير، جنب المسرح الوطني، والمطل على ساحة بور سعيد فوق الميناء. لكن الأفضل من هذا أن تتجهوا يميناً، تتوقفون عند باعة الكتب القديمة في "خميستي"، ثم تقطعون شارع ديدوش مراد كله صعوداً حتى تصلوا إلى مقهى "سيغافريدو"، قرب كنيسة القلب المقدس، بعيداً عن الضوضاء وفي الظل، يمكنك أن تشربوا قهوتكم وتتذوقوا أشهى الحلويات.

وإذا أردتم العودة في المساء لتذوق كأس نبيذ جزائري، أرجعوا خطوات للخلف وانحدروا في شارعٍ صغير، عشرة أمتار وأنتم أمام باب حانة "لو راسيم".

اليوم طويل أمامكم، تعودون أدراجكم لتركبوا المترو من محطة "خليفة بوخالفة"، وتنزلون في محطة "حديقة التجارب". اجتازوا الطريق، على بُعد خطوات قليلة، وعشر درجات، ستجدون "متحف الفنون الجميلة"، أحد أكبر المتاحف في شمال إفريقيا في المقتنيات. لكن سنقول لكم أين تذهبون تحديداً، بعد أن تكتشفوا أعمال رسامين جزائريين مشاهير مثل "باية" و"اسياخم". اذهبوا إلى غرفة رسام المنمنمات الشهير محمد راسم، وسنترك لك دهشة اكتشاف الجزائر العثمانية من بواخر قراصنتها، إلى حرملك بيوتها. ولا تفوتوا الغرفة الثانية التي تحتوي على أعمال ماتيس، بيسارو، ديلاكروا وديغا ورينوار.

حين تتعبون من التجوال في المتحف، أخرجوا للشرفة الواسعة، هنالك منظر مُهيب، "حديقة التجارب" تمتد أمامكم بحدائقها ونوافيرها، وخلفها البحر. اخرجوا من المتحف، تماماً جنب الفوهة، ستجد مدخل الحديقة. عشرات الهكتارات من الحدائق المختلفة والأشجار المعمّرة، وطبعاً شجرة طرزان الشهيرة التي صوّر عليها فيلم طرزان منذ عقود طويلة خلت. الحديقة ستبتلعكم وتدهشكم، يمكنك أن تتناولوا الغداء هناك، أو أن تخرجوا إلى أحد المطاعم الشعبية في منطقة الحامة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل