المحتوى الرئيسى

شهر واحد لتنقية بطاقات التموين وقياس مستوى الفقر لا يكفى

11/26 22:37

- مدرس مساعد السياسات العامة بجامعة أوريجون

قرار مهم للغاية اتخذته الحكومة المصرية وهو تنقية بطاقات التموين بغرض استبعاد غير المستحقين للدعم وذلك فى إطار محاولات الحد من الإنفاق الحكومى والسيطرة على عجز الموازنة حيث يأتى هذا القرار فى إطار سلسلة القرارات الاقتصادية المهمة التى اتخذتها الحكومة على مدى الشهور الماضية وهى إقرار ضريبة القيمة المضافة وتحرير سعر الصرف ورفع أسعار الوقود.

بداية ينبغى التنويه إلى أن الدعم السلعى فى مصر يعتبر واحدا من أهم وأقدم برامج شبكات الأمان الاجتماعية social safety nets التى تستهدف الحد من الآثار السلبية للفقر وعلى وجه التحديد ضعف إنفاق الفقراء على الغذاء وما يترتب على ذلك من اختلال الحصة الغذائية السليمة nutritional intake والتى بدورها تؤثر سلبا على الصحة البدنية أو العقلية والنفسية للمواطن وما يتبع ذلك من مشاكل أخرى مثل انتشار الأمراض والجريمة والإرهاب. وتتعاظم أهمية الدعم السلعى بالنسبة لمن يعيشون فى الفقر المطلق absolute poverty ذلك أن إنفاقهم ضعيف للغاية على الغذاء وهم عرضة للجوع بدون دعم الدولة.

غير أن برامج الأمان الاجتماعى والدعم السلعى على وجه الخصوص لها بعد اجتماعى وسياسى مهم للغاية ذلك أنها اضافة إلى كونها ترتبط بسياسات إعادة توزيع الثروة redistribution of wealth داخل الدولة بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية فإنها تمثل أيضا رابطا نفسيا مهما بين الفقراء والمجتمع والدولة بشكل عام حيث تعمل تلك البرامج على زيادة ثقة الفقراء فى المجتمع وترسيخ قيم الانتماء والتعايش السلمى وتعزيز الشعور باهتمام الدولة بهم، لذا فإن استمرار هذه النوعية من البرامج الاجتماعية وتطويرها مهم سياسيا واجتماعيا بصورة كبيرة.

وبحسب تصريحات مسئولى الحكومة فإن عدد بطاقات التموين يصل لنحو ٢٠ مليون بطاقة يستفيد منها نحو ٧٠ مليون مواطن وترى الحكومة أنه من غير المنطقى وجود ٧٠ مليون مواطن مستحقين للدعم. وعلى الرغم من عدم امكانية الجزم بأحقية أو عدم أحقية ٧٠ مليون مواطن للدعم نظرا لأننا لا نعلم بشكل دقيق عدد الفقراء فى مصر، إلا أننا لو سلمنا بعدم واقعية هذا الرقم، إذن فالسؤال الأهم هو ماذا عن ٣٠ مليون مواطن لا يستفيدون من الدعم؟ هل كلهم من الأغنياء؟ بالقطع لا، ويعلم كثيرون من المهتمين بسياسات الدعم والفقر فى مصر أن هناك فئات تعيش فى فقر مطلق ومحرومة من الدعم ولا تستطيع الدولة الوصول إليهم لأسباب يطول شرحها وليست محل النقاش فى هذا المقال. لذا فإن عملية التنقية وحدها لا تكفى ولكن الأهم منها هو كيفية الوصول للفقراء غير المشمولين بمظلة الدعم الحالية وذلك إذا كان هدفنا ليس فحسب التحكم فى عجز الموازنة ولكن مكافحة الفقر أيضا.

أما المثير فى قرار الحكومة فهو الفترة الزمنية الضئيلة للغاية التى حددتها للانتهاء من تنقية البطاقات وهى شهر واحد فقط وهو ما يثير تساؤلا عن مدى واقعية مراجعة قاعدة بيانات لعشرين مليون شخص خلال شهر واحد مع العلم بأن عملية التنقية تتطلب تحديث بيانات المستفيدين من واقع ملفاتهم الضريبية وحصر ممتلكاتهم من عقارات ومنقولات ومصادر دخولهم، هذا إن كانت قواعد البيانات موجودة فى الأصل. الأمر الثانى حتى إذا افترضنا جدلا وجود قواعد البيانات وتمكن الحكومة من عملية التنقية خلال شهر وتم بالفعل استبعاد غير المستحقين للدعم، هل ستتمكن الدولة خلال نفس الفترة من حصر ٣٠ مليون مواطن تقريبا من غير المستفيدين من الدعم لمعرفة مدى أحقيتهم فى الحصول على الدعم؟ أى باختصار هل تستطيع الحكومة إنشاء قاعدة بيانات لكل المواطنين تتضمن ثرواتهم ودخولهم فى شهر واحد؟ أخشى حقيقة أن يكون قرار تنقية البطاقات يهدف فقط إلى تقليل عدد المستفيدين بغض النظر عن من المستحق للدعم.

الأمر الثالث هو المعايير التى سيتم على أساسها تحديد مستحقى الدعم وهنا يأتى السؤال الأكثر صعوبة: ما هو الفقر وما هو حد الفقر؟ المعروف أن الفقر نسبى يختلف بحسب المكان والزمان فالفقير فى الدول المتقدمة لا يعد فقيرا بمعايير الدول النامية لأن الفقر لا يتوقف على حجم الدخل بشكل مطلق ولكن على ما يستطيع الفرد شراؤه بالدخل المتاح له فى إطار مستوى المعيشة فى الدولة. فعلى سبيل المثال يبلغ حد الفقر poverty threshold فى الولايات المتحدة الأمريكية ١٢ ألف دولار سنويا للفرد الواحد أى فى حدود ٢٠٠ ألف جنيه وبالطبع يعد ذلك دخلا كبيرا للغاية بالمقاييس المصرية.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل