المحتوى الرئيسى

البيع ليس حلاً | المصري اليوم

11/26 22:20

بالتأكيد مقال الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى، بصحيفة «وول ستريت چورنال» الأمريكية، لم يكن مجرد تعبير عن الرأى، بقدر ما هو جَسّ نبض للشارع المصرى، بشأن المحتوى الخطير للمقال، الذي تضمن الإعلان لأول مرة عن بيع شركات وبنوك مملوكة للدولة، والأهم من ذلك بيع شركات المرافق العامة، التي كانت تاريخياً مستثناة من البيع، باعتبارها- على حد قول الوزيرة- قطاعاً استراتيجياً.

الوزيرة في مقالها اعترفت بأن الدَّيْن العام «الداخلى والخارجى» أصبح يمثل 100% من إجمالى الناتج المحلى، بينما نسبة الفقر ارتفعت إلى 27%، كما البطالة إلى 12.5%‏، كما زيادة الفوارق في معدلات المعيشة، إلا أنها أكدت تفاؤلها في الوقت نفسه برفع مستوى النمو، وخفض عجز الموازنة، وتقليص الدَّيْن العام، وكما هي العادة أو الاستراتيجية المصرية خلال السنوات الأخيرة، لم توضح الوزيرة كيف سيتم ذلك، انطلاقاً من قناعتها بأن مصر «هتبقى أد الدنيا» هو كده، بس وخلاص.

الغريب في الأمر أن الإعلان عن بيع شركات المرافق المصرية يأتى من خلال مقال صحفى، ومن خلال وزيرة التعاون الدولى، والأهم أنه من خلال صحيفة أمريكية، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول الهدف من ذلك، خاصة أن الأمر يتعلق بقطاع استراتيجى كما أكدت، ناهيك عن أنه إجراء خطير هو الأول من نوعه، وقد يشوبه بطلان دستورى بالفعل، وسوف يجد بالتأكيد معارضة واسعة في الشارع، خاصة أنه لم يُعرض على البرلمان، ولم يَجْرِ بشأنه حوار مجتمعى من أي نوع.

قد تكون الوزيرة سحر نصر مسؤولة عن الجزء الأكبر من كارثة القروض، التي حصلت عليها مصر خلال العامين السابقين، بما رفع من حجم الدَّيْن العام إلى 100%‏ من إجمالى الناتج المحلى، حسبما ذكرت، إلا أن بيع الشركات والبنوك والمرافق العامة لا يدخل في اختصاص الوزيرة بأى شكل من الأشكال، لكنها فيما يبدو قد حصلت على التفويض الذي منحها ذلك الحق، مادام الانفراد سوف يكون لصحيفة أمريكية، نقلت عنها وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية المصرية بثقة لا تقبل الشك، على اعتبار أن الوزيرة لا يمكن أن تكتب في صحيفة أمريكية ما من شأنه الطعن على مصداقيته مستقبلاً.

على أي حال، فيما هو واضح الآن، لم يعد هناك في بر المحروسة ما هو فوق البيع، أو ما هو خارج التفريط، أو ما هو ذو قيمة لا يجب الاستغناء عنه، الأمر كان واضحاً منذ البداية، إلا أن الذاكرة السمكية يبدو أنها هي المشكلة، التصريح كان مبكراً: «لو ينفع أتباع هاتباع»، إلا أن البيع هو الذي جاء متأخراً فيما يبدو، وصل الأمر إلى المرافق، قد تكون شركات مياه الشرب، قد تكون شركات الصرف الصحى، قد تكون شركات النقل الداخلى، قد تكون دورات المياه العمومية، قد يكون أي شىء وكل شىء.

الغريب الآن هو أننا لم نعد نسمع أبداً عن إقامة مشروعات منتجة، لم نعد نسمع عما يمكن أن يُدِرّ عملات أجنبية لمواجهة ذلك التدهور في العملة المحلية، لم نعد نسمع عن مشروعات كثيفة العمالة لاحتواء ذلك الشباب العاطل، لم نعد نسمع عن صادرات من شأنها إصلاح ذلك الخلل في الميزان التجارى مع كل دول العالم، لم نعد نسمع عن خطة لإعادة تشغيل آلاف المصانع التي أغلقت أبوابها خلال السنوات الست الماضية، لم نعد نسمع عن استراتيجية جديدة لعودة السياحة، لم نعد نسمع عن محاولات لاستعادة تحويلات العمالة المصرية بالخارج، لم نعد نسمع عن محاولات لإصلاح ذات البَيْن مع دول الخليج، أملاً في استعادة جزء من المساعدات، لم نعد نسمع عن استعادة الثقة مع رجال الأعمال.

هل أصبح الأمر الآن ينحصر في بيع ممتلكات الدولة، هل أصبح ينحصر فقط في التبرعات الداخلية، هل أصبح ينحصر فقط في جمع أموال الناس بإغراءات نسبة الفوائد العالية من البنوك، على الرغم من أننا نعلم جميعاً أن البنوك لا تستطيع استثمار كل هذه الأموال، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول الهدف من ذلك، هل أصبح ينحصر في التبرع لمصر بجنيه، أو بالفكة، أو في رفع الدعم، أو زيادة الأسعار، أو في احتكار استيراد سلع بعينها لحساب جهة بعينها، هل أصبح ينحصر في بيع الأراضى، سواء الزراعية، أو في العاصمة الإدارية، أو مصادرة أموال هذا، أو التحفظ على أموال ذاك.

أستطيع التأكيد على أنه ما هكذا تُبنى المجتمعات، ولا هكذا تُقام، ولا هكذا تستمر، نحن بذلك نقاوم الإفلاس ليس أكثر، لا يمكن بأى حال الاقتناع بأن هناك خبراء اقتصاديين يقفون خلف ذلك الذي يجرى، نحن أمام مجموعة من الهواة، لا يريدون الاستماع لأحد، قد يتصورون أنهم يُجيدون في كل شىء وأى شىء، قد يتصورون أن لديهم الحل لكل الأزمات، وهذه كارثة في حد ذاتها، أو أنهم يدركون ما يفعلون، ويقودون السفينة إلى الغرق، وهو أم الكوارث.

قبل يومين كنت أتحدث مع أحد كبار المستثمرين الوطنيين، المشهود لهم بالنجاح، وجدته للأسف يبيع كل أملاكه أو معظمها، في طريقه للاستثمار بالمملكة المغربية، قال لى إنه ليس وحده الذي سلك هذا الطريق، وجدته يقول شعراً عن قوانين الاستثمار في المغرب، عن مدى الترحيب به كمستثمر مصرى، عن المستقبل الزاهر الذي ينتظر المغرب خلال خمسة أعوام من الآن، لمجرد أنها سلكت الطريق الصحيح، وجدته أيضاً يتحدث عن المستقبل المظلم الذي ينتظرنا، لمجرد أننا نعتمد على مجموعات من الهواة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل