المحتوى الرئيسى

مصالحة الإخوان.. هل سيخضع الإخوان لحكم السيسي؟

11/26 16:24

فعل اليأس فعلته، وتمكَّن الإحباط من نفوس الكثير من الشباب -وأنا منهم- وطال عليهم الأمد فصارت مواقع التواصل تضج بمطالبات الشباب من أسرى اليأس والإحباط للتصالح مع النظام، أو التفاوض، أو فعل أي شيء من أجل إخراج المعتقلين وإنهاء مأساتهم، خاصة بعد مذبحة سجن العرب، بالتزامن مع دغدغة النفوس بمشهد خروج بعض المعتقلين بعفو رئاسي انتقائي لقائمة شارف معظم أسمائها على إنهاء مدتهم، مشهد مأساوي.. ظهر فيه شباب الثورة وفي مقدمتهم الناشطون من التيار الإسلامي، رافعين الراية البيضاء، مستسلمين خاضعين أمام مشهد حالك الظلام، تجلَّت سماته في انسداد الأفق السياسي، وانقطاع السبل، وفشل النضال، وسقوط القيادات -الميؤوس منهم- في مستنقع الخلافات الداخلية، وتمكن النظام وانتصاره، ومَن عساه أن ينكر شيئاً من ذلك على الأقل في هذه اللحظة الراهنة!

مصالحة الإخوان شائعة تلقفها المتعطشون للمصالحة، والمتفحص للحوار الذي أجراه القيادي الإخواني إبراهيم منير يجد أن الحوار ضمنياً يرفض المصالحة، تلقف رواد مواقع التواصل الاجتماعي الشائعة ليدلو كل بدلوه، ويزايد كل واحد على الآخر، ولكن بعيداً عن طلب أو قبول الإخوان للمصالحة من عدمه.. هناك أسئلة كثيرة حول المصالحة تحتاج لإجابات عقلية وواقعية.

يبرر كل مؤيدي المصالحة بأنهم يقبلون بأي شيء في مقابل أن يخرج المعتقلون.. ولكن من قال إن المصالحة تعني خروج المعتقلين؟ قد يكون السيسي غبياً لكن ليس إلى هذا الحد.

ما شكل هذه المصالحة؟ لا أحد لديه تصور.. ولكن الجميع أصابه الممل والإحباط ويستعجل الخلاص ويتعلق بقشاية ظناً أنها منقذته من الغرق!

هل تُرضي المصالحة المعتقلين وأهالي الشهداء؟ قد تُرضي بعضهم، لكن الغالبية العُظمى لا يرضيها، ولا يشفى غليل صدورها ولا يهدأ أنين قلوبها.. فرفقاً بالمكلومين.

هل تهدي المصالحة المعتقلين حريتهم؟ إن خرجوا -وذلك وَهْم- سيخرجون من سجن صغير لسجن كبير.. سيخرجون منكسرين مذلولين.

ماذا بعد المصالحة؟ هل نعود لبيوتنا وينتهي الأمر؟ إنها نهاية أشد سوداوية مما نعيشه.. سوف يلعننا التاريخ وتلعننا الأجيال.

ماذا يفعل السيسي بمصالحة الإخوان؟!

ضع نفسك مكان السيسي وفكّر ماذا يمكن أن يستفيد من مصالحة الإخوان؟! ماذا لدى الإخوان -كقوى تُحسب عليها كل المعارضة- من أوراق كى يتفاوضوا مع السيسي؟ هل ما زال يمثل الإخوان صداعاً للنظام؟ أم أنه أحكم السيطرة عليهم؟ حتى العمليات النوعية لا تؤرقه طالما ظلت في حجمها الصغير، بل هي إثبات وتأكيد متواصل على استمرار حربه ضد الإرهاب.

هل يمكن للإخوان مثلاً أن يقوموا بحل الأزمة الاقتصادية التي هو صانعها بضخ أموال الموازنة للجيش وسيطرة الجيش على الاقتصاد بدخوله منافساً في السوق لكل السلع الاستراتيجية من الطعام بأنواعه للدواء بأصنافه وقريباً التعليم ومستلزماته! وما يمكن أن يضمن له بقاء السيطرة على الوضع إذا افترضنا قبوله خروج المعتقلين في مقابل أي شيء يطلبه! إذا كنت في مكان السيسي فلن أقبل بمصالحة مع الإخوان!

إن كان هناك فائدة يمكن للسيسي تحصيلها من مصالحة الإخوان فهي الشو الإعلامي بخضوع الإخوان ومساعيهم للمصالحة، وترفّع النظام عن وضع يده في يده إرهابيين تلطخت أيديهم بالدماء، أرجوكم لا تجعلونا في هذا الموقف.

أعلم أن هذا الكلام قد قيل في الإعلام، ولكن أن يُقال ونحن أبناء الثورة على يقين إنه افتراء خير من أن يُقال، ونحن ندري أنه حقيقة.

"اللي بيتطلب نصه دلوقتي كان متاح أكتر منه في الوقت ده.. يوم 3 ويوم 4 ويوم 5" هذا هو نص ما قاله السيسي في حديثه عن الإخوان في مؤتمر الشباب في شرم الشيخ مطلع الشهر الجاري، رغم أنه مجرم فإنه أصاب في ذلك، وقتها كان بالإمكان التفاوض من أجل هدنة لا مصالحة، كانت هناك أوراق ضغط ومكاسب يمكن الاحتفاظ بها، لكن دون أي ضمانات في نظام رأسه مختل عقلياً، وهو ما دفع تحالف دعم الشرعية باتجاه هذا المسار، فقد كانت كل الخيارات مُرة.

ولكن ما كان مؤكداً في خيار الانسحاب لهدنة هو تقليص حجم الخسائر في الأرواح والمعتقلين وحقن الدماء في رهان غير مضمون على استمرارية النضال وبقاء الجماعة.

كل صوت عقلاني خرج يحذر من مغبة المسار الذي اتخذه تحالف دعم الشرعية صوبت تجاهه أسهم الخيانة ونُصبت له المشانق وعلم الجميع عليه بملصقات الانبطاح والاستسلام.

لا أزعم ولا أدري مدى نجاح مسار الانسحاب والتراجع خطوة أو اثنتين للخلف، فالعسكر لا يؤمن جانبهم، ولكن ما تأكدنا منه فشل المسار الحالي الذي كانت تنبئ بوادر لكل شخص عقلاني واقعي بنهايته المؤسفة، فإن كان مجال للمصالحة فقد فات الأوان وسُكبت الدماء وزُهقت الأرواح ودفع كثير من أهالي الشهداء والمعتقلين أثمان فواتير تضحيات واجبة السداد.

اعتذار واجب لراغب السرجاني.. إنها أُحد وليست الأحزاب

حذر راغب السرجاني، الباحث في التاريخ الإسلامي، وغير من المسار الذي سلكه التحالف، وانسحب من المشهد بعدما أكد أن هذه المعركة هي أشبه بمعركة أُحد وليست الأحزاب، وأن الأولى الانسحاب والإقرار بالهزيمة، وعدم الخضوع للاستفزازات وتحمل النتائج الصعبة للحفاظ على أرواح المؤمنين لمعاودة الكرة في ظروف أفضل، والتفتيش عن الأمراض القلبية سبب المصيبة ومعالجتها، وترتيب الصفوف ومعاودة الكرة.

لكن.. سيطرت الرومانسية الثورية على قادة المشهد آنذاك، وغابت الشجاعة عن مواجهة الجماهير الثائرة والاعتراف بالهزيمة ودُهس المنطق والواقعية تحت أقدام الأمل الزائف، أو الخوف قبل أن تُدهس الأرواح تحت جنازير المدرعات، وتشق الصدور العارية برصاص العسكر، وتزهق الأرواح المخلصة لتثبت الأيام صدق رؤية السرجاني وإخلاصه، ولا نزكيه على الله.

هذه ليست دعوة للمصالحة أو التفاوض، أو موافقة عليها، أو تندم على ما فات، ولكنه تشريح ومراجعة للموقف لاستخلاص العبر، وتفنيد لفكرة المصالحة التي تراود خيال اليائسين والمحبطين والمقهورين والراغبين في الخلاص، وإن كنت لمحت لإمكانية التفاوض في بداية الأمر، فإنه تفاوض من أجل هدنة لا مصالحة.

إذن.. لا أوراق للتفاوض، لا شكل واضح للمصالحة، لم يبادر أي الطرفين للمصالحة.. الطريق إلى المصالحة مسدود من الطرفين.. ولله الحمد أن الطريق مسدود كي لا ينزلق المحبطون واليائسون والبائسون فيه، نحن مجبرون على استكمال المسير في الطريق الذي نحن فيه.

أرجو كل من دعا للتفاوض أو المصالحة تمهل وفكر، بالمنطق لا سبيل للمصالحة، فلا داعي لتذلل وخضوع واستسلام وانبطاح لن يؤتى حتى بالعفن من الثمار، وبالعاطفة، لن تحل أزمة المعتقلين ولن تريح قلوبهم أو قلوب المكلومين، احفظوا ماء وجوهنا، حافظوا على شرفنا، تذكروا تاريخنا.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل