المحتوى الرئيسى

"الضُمّة" في بورسعيد.. كيف يروّح البسطاء عن أوجاعهم؟ | ولاد البلد

11/26 14:26

الرئيسيه » ثقافة و تراث » حكاوي » “الضُمّة” في بورسعيد.. كيف يروّح البسطاء عن أوجاعهم؟

“أنا اللي في الهوا صياد وجيت اصطاد صادوني، بلا شبكة ولا سنار برمش العين صادوني”

الضمة أو السامر هي أحد أشكال التعبير الشعبي، ظهر في منطقة القناة، وقت حفر قناة السويس، و”الضمة” من ضم يضم الناس إلى بعضهم بعضًا.

عندما بدأ حفر قناة السويس كان هناك الكثير من عمال التراحيل وغيرهم من مناطق مصر كلها ونظار العمال من الأتراك والمغاربة، وفي نهاية كل يوم يجتمعون على أصوات أغنيات يرددونها بينعم.

كتاب أغاني الضمة، الذي ألفه الدكتور محمد شبانة وصدر عن سلسلة الدراسات الشعبية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، يسرد حكايات تلك الأغاني وتاريخها.

وبحسب الكتاب فإن أغاني الضمة بحفلات السمر والمؤانسة يجتمع فيها الأصدقاء والأصحاب أمام بيت أحد “الصحبجية” ليغنون أدوار الضمة المختلفة، وأحيانا يشاركون في المناسبات المختلفة مجاملة دون مقابل مادي.

الضمة هي شكل الاحتفالية وليس اسمًا لغناء معين، لأن الضمة تشمل أشكالًا غنائية متعددة مثل الدور والجواب والموال وغيرها، ويصاحبها أداء حركي يتضمن الرقص واللعب بالعصا والسكاكين.

اسم الضمة يطلق على هذه الاحتفالات في مناطق بورسعيد والإسماعيلية والمطرية منزلة دقهلية والبحر الأحمر، بينما يطلق عليها في السويس “الصحبة”، والاسكندرية “الصهبة”، والقاهرة “الصهبجية”.

جماعة من المغنين اشتهروا بغناء الموشحات في منتصف القرن التاسع عشر، وكانوا يتجمعون في مقاهي القاهرة بحي المغربلين وبولاق، وأشهرهم سعد دبل ومحمود الحصري.

يجلس الصهبجية على دكتين متقابلتين بينهما منضدة، ويحسب لها أنها من أسباب الحفاظ على الموشحات القديمة.

بعض الباحثين يفضل لفظة “الصحبجية” عن “الصهبجية”، لأن الصهبجية من الصهباء وهي اسم من أسماء الخمر.

كانت الضمة سامر بين الأهالي القاطنين في أنحاء بورسعيد، الذين اتخذوا بورسعيد وطنا جديدا لهم وكان يعادلها “البالو” في الحي الإفرنجى، وسميت جلسات الضمة بأسماء الشوارع التي كانت تعقد فيها مثل ضمة شارع البحر وضمة شارع السرايا.

الإعداد لحفل الضمة يبدأ بتحديد مكان الضمة عند صحبجي، ثم المرور على الأصدقاء في مقاهيهم لدعوتهم، ثم اللقاء في الليلة المتفق عليها بعد صلاة العشاء.

ويشارك الجيران في إعداد الجلسة بالحصر والكراسي وقصعة يوقد فيها الفحم، لشد جلد الآلات الإيقاعية، مع تجهيز الشاي في “بوفيه” صغير يسمى “العزق”، والمزاج خمر وحشيش.

الحظ هي ضمة منعقدة بقصد السمر جلسة حظ وأنس وأنبساط و يكون الجلوس علي الحصير المفروش علي الارض

ضمة المناسبات سواء زواج أو طهور أو حج، كانت تُعقد على طول الشارع المقامة فيه، وهي شوارع فقيرة ضيقة مرصوفة بحجارة سوداء، ويساهم كل بيت بكرسي حمام أو أكثر وشلت وبطاطين، وقد توزع البليلة كـ”نفحة”.

تتنوع أشكال جلسات الضمة وتتخذ ثلاث دوائر، الدائرة الأولى للصهبجية المنشدين، ومع بعضهم آلات، والدائرة الثانية للضيوف من أقارب صاحب المناسبة، والثالثة لجمهور المستمعين.

الآلات والأدوات المصاحبة لاحتفالية الضمة

في المراحل الأولى للضمة قديمًا كانت تصاحبها آلات إيقاعية فقط، مثل الدربكة والرق والمثلث والملاعق والزجاجات الفارغة والتصفيق بالأيدي، وليس هناك عدد ثابت لأعضاء الفرقة وآلاتهم، كما أن السمسمية دخلت للضمة في ثلاثينيات القرن العشرين.

تبدأ ليلة الضمة بسلام الضمة، وهو إعلان عن بدء الاحتفال وهو فاصل إيقاعي للتهيئة، ثم دور “عليك توكلي” كأول دور في الليلة، وكان يسبق هذا الدور جواب “يا آل طه عليكم حملتي حسبت إني ضعيف على الأجواد محمول، فان جئت بامتثال نحو حيكم أرجوا الشفاعة فقلتم أنت محمول”.

والدور عليك توكلي يقول “عليك توكلي يا مولى الموالي، وأنت وسيلتى في كل حالي، إذا سامحت أنت المسامح وغفرت ذنبي لا خوف علي ولا أبالي”، ثم تتوالى أدوار الضمة دون ترتيب محدد أو مقصود، ويغلب على الأداء شكل الحوار الجماعي بين المغنى المنفرد والصحبة.

تحوي الضمة أشكالا غنائية متعددة، منها جواب الضمة، ودور الضمة، والطقطوقة، والموال، والموشح، والدور الفكاهي، ودور السمسمية.

وفقرات فنية فكاهية كقراءة الجريدة بالمقلوب، أو مشاهدة تمثيلية فكاهية يؤديها “المهياص”، اللعب بالعصا والسكاكين، والرقص.

تتنوع الحرف والمهن للصحبجية، فالأصل أن الضمة مشاركة لإشباع الهواية والحظ والانسجام، فمنهم الفرانين والنشارين وعمال البناء والمحارة وبائعي الخضراوات و”البمبوطية” و”الألفطية”.

والبمبوطي هو بائع في قارب واللفظ مشتق من Man boat  أو Pump boat رجل القارب أو القارب المندفع، وهو الرجل الذي يعمل في الميناء ويبيع البضائع للسفن العابرة، التي ترسو لفترة قليلة تنظر دورها في المرور بالقناة.

أما الألفطية فهم الذين يقومون بحشو الفروق بين ألواح المراكب لمنع تسرب المياه منها.

المخانات هي مقاهي أو غرز صغيرة متواضعة، يجلس عليها الصيادون والصنايعية، ويتجمعون فيها لإقامة حفلات السمر.

العدوان الثلاثي عام 1956 كان له أثره لتصبح آلة السمسمية آلة مقاومة شعبية، وتحول بعض الناس عن فن الضمه إلى السمسمية، لرأيهم أن فن السمسمية أصبح وقتها أكثر قربًا إلى فهم السامع، مقارنة بنصوص الضمة، مجهولة المؤلف والملحن، والتى يرفض ممارسوها الإخلال بتراثها  أو إضافة جديد، على عكس السمسمية التي تسمح بصنع اسم الفنان الذي يبدع فيها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل