المحتوى الرئيسى

دونالد ترامب هل سيلعب معنا؟ أم سيلعب بنا؟ (2/2)

11/25 15:11

اقرأ أيضا: دونالد ترامب.. هل سيلعب معنا..؟ أم سيلعب بنا..؟ (2/1) مصر المحروسة بين حجر رشيد.. وسائق التوكتك (٢/٢) مصر المحروسة بين حجر رشيد.. وسائق التوك توك(١/٢) فهمي الإمام .....الفارس الذي فقدناه إنقلاب تركيا وبنك الأهداف المختلفة

الحديث عن الزعماء  والرؤساء  في الغرب لا يعني الحديث عن أشخاصهم بقدر ما يعنى الحديث عن المؤسسات التي  يديرونها ,  وهناك فرق بين الحقيقة الوطنية الثابتة  في كل من أمريكا ودول الغرب كله وبين الصورة الدبلوماسية المعبرة عنها , ويمكن أن نلخصه  في الأمور التالية: 

أولا : الرؤساء في الغرب ليسوا كرؤسائنا , يستطيعون تغيير كل شيء بما في ذلك أسماء  المدن والميادين والشوارع والماء والهواء والمناخ والفصول الأربعة لتكون بأسمائهم وأسماء أبنائهم وعائلاتهم , الوضع في الغرب غير ذلك تماما , وأنظمة الحكم في الغرب تقوم على مؤسسات , ومن ثم فالرؤساء  بذواتهم لا يملكون تغيير الثوابت إلا إذا تغيرت المصالح على الأرض بواقع جديد,  وموقع الرئيس هنا هو المعبر عن توجه المؤسسة بثوابتها  ومصالحها,  والفرق بين رئيس ورئيس هو الفرق في التعبير عن الموقف وليس في تغيير الثوابت القومية.   

ثانيا : نحن العرب نملك كل أدوات التغيير ولا نملك إرادته , ومن ثم فنحن نريد أن تتغير مواقف الآخرين تجاهنا  ولا نريد أن نغير أو نتغير نحن , ونريد أن نعيش  في حالة سكون تام في الوقت الذي يتحرك فيه كل شيء  حولنا , ويتحرك بنا ويتحرك فينا وبسرعة مذهلة, فاختلفت الإرادة لدينا عن الحركة في حياتنا , والآخرون يطرحون السؤال: لماذا نطلب منهم أن يغيروا مواقفهم من أجلنا بينما لم نغير أو نتغير نحن؟ وأتذكر أن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجين سألوه مرة لماذا لا تهتم بحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع ؟ فأجاب قائلا : لقد التقيت ثلاثة عشر رئيسا عربيا لم يحدثنى أحدهم عن القضية الفلسطينية ولم يذكرها أمامي ولو مرة واحدة , فلماذا تطلبون مني أن أهتم بقضية لا تعني أصحابها ولا يهتمون  بها ؟  من هنا لم تتغير  مواقف أبناء العم سام تجاهنا وإن تغير التعبير عنها,  فمرة يكون التعبير شديد الأدب رفيع الذوق مصحوبا بالتواضع كما فعل أوباما مع بعض كبار السن من زعمائنا , أو يكون التعبير بعيون ناعسة الطرف , ومصافحة ناعمة  الملمس, دافئة الاحضان كحالة صاحبة الكعب العالي والوزن الثقيل "مادلين أولبرايت" , أو صاحبة البسمة الأخاذة والشفاه الحمر والعيون الباسمة كحالة "هيلارى كلينتون" ، وأحيانا يكون التعبير كقذف الحصى , أو كرفصة حصان في قوته, كحالة "جورج بوش " أو كقبح وإزعاج  سعال محشرج من"عجوز مصدور",  كحالة "جون كيري" أو كسواد ليل الشتاء وبرودته كحالة المأسوف على شبابها الست " كوندوليزا بنت رايس" بطلعتها البهية , فالاختلاف في التعبير عن الموقف وليس في الموقف ذاته,  ولذلك نخلص إلى أن الفروق بينهم ليست إلا كالفرق بين الكولا والبيبسي كولا, ومن ثم فالأمل أو المبالغة المفرطة في قربهم منا أو بعدهم عنا, أو تغيير المواقف المبدئية للمؤسسات التي يديرونها, إنما هو نوع من الوهم المريح الذى تستطيبه خواطر وأحلام بعضنا العابرة  للقارات نحو أبناء العم سام. 

ثالثا: تؤكد لنا خبرة السنين وتجارب الواقع في العلاقة بأبناء العم سام أنهم لا زالوا على عهدهم يلعبون معنا, وأحيانا يلعبون بنا , وهناك مشروع كبير بدأ تنفيذه منذ فترة للعب فينا.

و نماذج المراحل الثلاثة في اللعب معنا واللعب بنا واللعب فينا  يمكن توضيحها بإسقاط على حالة شعوبنا  الإسلامية,  فقديما كانت قضية الأقليات المسيحية داخل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة وسيلة واضحة لمرحلة اللعب معنا، فإذا كانت أمريكا - والغرب تابع لها  طبعا - في حالة رضى أو قبول بنظام معين مهما كان دكتاتوريا  فلن يدرج هذا النظام ضمن قوائم الخارجية الأمريكية التي تصدر كل عام وتبدى قلقها تجاه حقوق الأقليات حتى لو كانت شهية هذا النظام مفتوحة وأكلت حقوق الأغلبية والأقلية  معا,  وكان هذا السلوك أحد النماذج للعب معنا.

أما مرحلة اللعب بنا فنموذجها يتمثل في الموقف الأمريكي من إيران وحزب الله اللبناني, فقد كانت إيران في التصنيف الأمريكي دولة راعية للإرهاب , وكان حزب الله مدرج بالفعل على قوائمه , وعندما تغيرت المواقف وتحركت المصالح حينئذ أصبح عدو الأمس صديقا وحليفا , بينما صديق الأمس فصلت له قوانين للمعاقبة والمضايقة كقانون جاستا , لأن اتجاهات الرياح تغيرت, وتغيرت معها اتجاهات المصالح ,  ولم تعد أمريكا هي الشيطان الأكبر وكان هذا نموذجا للعب بنا .

بعد انتهاء المرحلتين مرحلة اللعب معنا ومرحلة اللعب بنا تبدأ مرحلة ثالثة هي ثالثة الأثافي وهي مرحلة اللعب فينا, وهذه المرحلة هي أخطر المراحل وأشدها فتكا بما تبقي للأمة من قدرات ومقدرات وعناصر للمقاومة والرجولة والرفض. 

مرحلة" اللعب فينا" مشروع كبير يقوم الكبار على رعايته ويعملون بدأب ونفس طويل لخلق وإيجاد فرص  التفكيك والتفتيت للمكون الأساسي والمركزي الجامع للأمة وهو "الإسلام" فبعدما كانت الثنائية التي يلعب عليها هي الأقليات المسيحية في المجتمعات المسلمة بدأ ينتقل إلى داخل البيت الإسلامي نفسه. 

البيت الإسلامي عاش عشرات القرون منذ بداية الإسلام وحتى عهد قريب متماسك البنية تتم فيه عمليات المصاهرة بين الشيعة والسنة وفي أكثر من بلد إسلامي ,  وآلآف  الأسر المسلمة يكون أحد أطرافها سني والآخر شيعي ولا مشكلة, كان ذلك في العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي أفغانستان وفي أغلب الجمهوريات الإسلامية في أسيا الوسطى دون أن يطرح سؤال المذهب سني أم شيعي, 

  ثم بدأ اللعب داخل الكيان الإسلامي ذاته بإثارة النزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية بين العرب والترك ,والأكراد والتركمان,  وبين الشيعة والسنة وتغليب الأول على الثاني وحشد الوجدان الشيعي بكثير من الخرافات حول مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه, والدعوة إلى الانتقام ممن قتلوه !!!! وتوجيه ذلك كله إلى من يسمون ب"النواصب" وهم كل أهل السنة!  

الجميع _سنة وشيعة _وبخاصة الجماهير والاتباع قد بلع الطعم المسموم  فتحولت الطائفية المذهبية المتعصبة إلى مركز لتفجير الصراعات وإشعال الحريق , وتمحور حوله الحمقى ممن لا عقل لهم من الطرفين,  وقد تغذت هذه الحالة من جنون التعصب على مداد نخب  ثقافية كارهة لكل ما يمت للإسلام بصلة, _سنة أو شيعة لا فرق_ وقد سيطرت هذه النخب على أغلب مراكز القرار,  كما سيطرت على كل وسائل الإعلام وصياغة الرأي العام وكانت مستعدة كل الاستعداد أن تتخلى عن أي مبادئ في سبيل إشعال الحرائق وإقصاء كل ما هو إسلامي , ومن ثم فقد انتقل الحريق إلى كل مدينة وقرية وشارع, بل وإلى كل بيت , ثم ضاعت ثروات الأمة لحساب مصانع السلاح في أمريكا والغرب من كل الأطراف المتنازعة , وتلاها أن تلاشت وتآكلت حدود الوطن بنظرية الفوضى الخلاقة التي استحدثتها الولايات المتحدة لتعيد من جديد ترتيب المنطقة وفق مصالحها هي دون اعتبار لمن أعطوها كل الثروة وكل الولاء وكل الثقة, وكانت النتيجة أنها قربت إيران وأبعدتهم , وتفاوضت معها وغابوا هم , ورفعت الحظر عن 80  مليار دولار كانت مصادرة  كأموال لدولة راعية للإرهاب, بينما شرعت لهم قانون جاستا وورطتهم  في حروب داخلية عبثية تأكل ما تبقي من قوة , وتستنفد ما تبقى من جهد, وتقطع بين الأخوة ما تبقي من أرحام ووشائج,  والغريب العجيب أن المسلمين _سنة وشيعة_ هم الفاعل لهذه الخطيئة حيث يقضى فيها بعضهم على بعض, وهم المفعول الذى يقع الحريق في بيته ويأكل كل أفراده,  ومن نجي من الحريق وبقى على قيد الحياة فأسلحة الكبار كفيلة بالقضاء عليه,  ليتخلص العالم من هؤلاء المسلمين ( سنة وشيعة) الذين يعتقدون في إله الخراب والحرب الذي يعبدونه, كما تصفه أجهزة الدعاية عند الكبار. 

ثم جاءنا "ترامب" ليكلفنا أن ندفع من جديد , رغم أننا لم نتوقف عن الدفع , وفي  تصريح  له نقله الكاتب والإعلامي السعودي عبدالعزيز قاسم ضمن مقال له في جريدة الشرق القطرية . ونشرته أيضا جريدة المصريون بتاريخ الإثنين, 14 نوفمبر 2016 قال ترامب : "نريد إقامة منطقة آمنة في سوريا. سأذهب إلى دول الخليج التي لا تقوم بالكثير، صدقوني. دول الخليج لا تملك شيئًا غير الأموال. سأجعلهم يدفعون. لدينا دين عام يقدّر بـ 19 تريليونًا، ولن ندفع هذه الأموال. لن ندفع…هم من سيدفعون! وهم سيدفعون!"،

لن تكون مخطئا أو تذهب بعيدا  إن قلت: إنها مرحلة جديدة للعب فينا تنتهي دائما  كالعادة  بهزيمة شعوبنا وليس بهزيمة الأنظمة، فالأنظمة تعرف كيف تسوى قضاياها مع الكبار، وتعرف كيف ترضيهم وتستجلب ودهم وعطفهم وتحرص علي تلبية طلباتهم مهما كانت، ، والسيد "ترامب " يعرف ذلك عنا, وابن العم سام يعرف أيضا أن الكرسي - في بلادنا  خاصة يستحق التضحية, وأنظمتنا الحاكمة الرشيدة تعرف أيضا كيف تقنعنا بأن نضحي  من أجل _الاستقرار_ ومستقبل واعد بعد خمسين  أو مائة سنة تأتلف الجنة فيه أنهاراً وظلاّ,  ويغاث الناس فيه ويعصرون ليمونا وزيتونا وعنبا , وتمطر الغيوم العربية على شعوبها بدل قطرات المطر عصير اليورو والدولار والشيكل ليكون متاحا للمواطن الحر بلا عد ولا حصر ولا أزمة , وحتى يصل الدعم إلى مستحقيه وتستفيد منه الطبقات الكادحة ونرفع الثقل عن كواهلها !!.

فهل تصحو الشعوب من أحلامها وأوهامها؟ 

وهل يدرك العقلاء في أمتنا _سنة وشيعة_ حجم الكوارث الكامنة والقادمة مع ولاية بلطجي السياسة, وفتوة  الكاوبوي القادم إلى البيت الأبيض.....؟

بعض أبناء الشعب الأمريكي في أكثر من ولاية أدرك حجم المخاطر فخرج منتفضا رافضا اختيار ترامب كرئيس  , لكن يبدو أن بقية الأمريكان المساكين قد أصابتهم _كحالنا _فتاوى مشايخنا وصراعهم عبر الفضائيات مع  الملالي  في  الحديث عن النواصب والروافض وتحريم التظاهر, أو تحريم الخروج على ولى الأمر مولانا الحاج "ترامب" حفظه الله ,  مهما بلغ _البؤس معه ولو أخذ الأموال وجلد الظهور,  وحتى لو اضطروا أن يأكلوا _من أجل عيونه  الجاحظة _أوراق الشجر. !! 

دمتم بخير ...وعليكم السلام…. أيها العرب الأجاويد 

Comments

عاجل