المحتوى الرئيسى

قرارات النقابة لا ترقى إلى مستوى الأزمة

11/25 01:17

السياقُ الدرامي لأزمة نقابة الصحافيين أكثرُ ما يلفتُ الانتباه طوال الأزمة. فاقتحام نقابة الصحافيين من قبل قوةٍ أمنية والقبض على صحافيين فيها، لم يحدث على خلفية صدام بين النقابة والنظام يُبرّر ذلك الإجراء المُتطرّف. بل على العكس تماماً، فقبل الواقعة مُباشرةً كان مجلس نقابة الصحافيين يُعلن الاحتفال باليوبيل الماسي للنقابة تحت رعاية رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، ما يعني أن هناك درجة عالية من التفاهم بين السلطة الحاكمة والنقابة المهنية التي اعتُبرت دائماً مركزاً للدفاع عن حرية الرأي والتعبير.

الإعلان تعرّض لنقدٍ من جانب مُعارضة نقابية، اعتبرت أنه لا ينبغي دعوة رئيس السلطة لرعاية اليوبيل الماسي للنقابة، بينما تشهد الصحافة والإعلام تضييقاً من قبل الدولة ويُعاني صحافيون من الملاحقة والحبس والمنع. هذا الصوت لم يكن مؤثراً في مواجهة الرأي الذي اعتبر أن دعوة رئيس الجمهورية لرعاية اليوبيل الماسي للنقابة إجراءٌ عادي، لأن النقابة واحدة من مؤسسات الدولة، ورعاية الرئيس لاحتفالها هو اعتراف بدورها وقيمتها، وقبل أي شيء، فرصة لفتح ملفّات هامّة، مثل الإفراج عن الصحافيين المحبوسين ودعم المؤسسات الصحافية القومية، والتي تضمّ غالبية العاملين في الصحافة، وكذلك التشاور في إصدار القوانين المُنظّمة للصحافة والإعلام، بما يضمن حرية الرأي والتعبير واستقرار أوضاع الصحافيين.

التصعيد غير المسبوق من قبل الدولة ضدّ النقابة والمُتمثّل باقتحام النقابة، والقبض على صحافيين من داخلها، ثم احتجاز نقيب الصحافيين ووكيل النقابة وسكرتيرها العام، وتوجيه تهمة إيواء مطلوبين لهم، ثمّ الحكم عليهم بالحبس والغرامة المالية، يعني في واقع الأمر أن السلطة قرأت دعوة الرئيس لرعاية احتفال النقابة بيوبيلها الماسي على نحو مختلف عما فسّره داعمو تلك الدعوة.

فمن ناحية، قرأت السلطة دعوة الرئيس لرعاية اليوبيل الماسي للنقابي، كما لو كان قبولاً ضمنياً من النقابة لما تُمارسه السلطة من تضييق على الصحافة وملاحقة للصحافيين ومنع لآخرين، لا محاولة لفتح الملفات والوصول لتفاهم على أوضاع الصحافة والصحافيين.

ومن ناحية أخرى، اعتبرت السلطة دعوة الرئيس لرعاية الاحتفال غير كافية، فسعت لإذعان كامل، طالما ظلّت بعض الأنشطة في النقابة تُطالب بالحريات وتسعى لتحسين مناخ التعبير، فسعت عبر إجراءاتها المُتطرّفة لإخضاع النقابة بالكامل.

ربما كانت هذه هي الرسالة الأكثر وضوحاً من قبل الدولة، وتعاملت على أساسها النقابة بالفعل، فالمؤتمر الذي عُقد للجمعية العمومية في النقابة أمس الأول الأربعاء، هدف بالأساس لوضع الجماعة الصحافية في مركز القضية لا في مقاعد المُتفرّجين، معتبراً أن المعركة ليست ضدّ النقيب أو مجلس النقابة. وهذا ما عبّر عنه نقيب الصحافيين نفسه يحيى قلاش عندما أكد في كلمته في المؤتمر أن التهديد ليس بحبس نقيب الصحافيين والسكرتير العام والوكيل، ولكنه تهديدٌ للكيان النقابي نفسه، مشيراً إلى أنه إذا وضع في الاختيار بين الكيان النقابي والحبس فسيختار الحبس.

حضور ما يقرب من ألف من أعضاء الجمعية العمومية للمؤتمر في يوم عمل، ومن دون فترة تحضير طويلة أيضاً مؤشر هام على الاستنفار الذي أحدثه الحكم بين الصحافيين والاستعداد لمُواجهته.

ولكن الأهم أن جدول أعمال المؤتمر لم يقتصر على نقطة الحكم بحبس نقيب الصحافيين والوكيل والسكرتير، ولكن اعتُبرت تلك النقطة فقط سبباً للاجتماع لا محوره، فالنقطتان الأبرز في المؤتمر كانتا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للصحافيين، وأوضاع المؤسسات الصحافية، ومُستقبل صناعة الصحافة بعد الإجراءات الاقتصادية التي تتّخذها الدولة، وتؤدي لارتفاع تكلفة إنتاج الصحف، إلى جانب تراجع مستويات معيشة الصحافيين، والتشريعات المُنظّمة للإعلام والصحافة، ومدى مراعاتها لحرية الرأي والتعبير، وحقّ تداول المعلومات، وحماية الصحافيين أثناء قيامهم بعملهم، وحمايتهم من الحبس، والعقوبات المُقيّدة للحرية.

هناك إدراك واضح سواء من مجلس النقابة، أو من قبل جمعيتها العمومية، أن أزمتها لا تقتصر على الحكم الصادر، ولكنها ترتبط بالوضع العام الاقتصادي والاجتماعي. وهناك نتائج واضحة أيضاً للمسار الذي اتخذته الأزمة منذ أشهر، والنتائج التي ترتّبت على محاولة خلق قناة للتفاهم بين السلطة والنقابة. فقد اعتبرت السلطة كل محاولة من قبل النقابة لخلق تفاهم تنازلاً يجب أن تتبعه تنازلات أخرى.

وعلى الرغم من هذا الإدراك، لم تتمكن النقابة بعد من صياغة مسار بديل تستطيع به تحسين وضعها التفاوضي مع السلطة عبر الضغط بالجمعية العمومية، وتطوير أدوات للحفاظ على آليات مُتنوّعة لإدارة الأزمة لا تخلو من المُفاوضات، والتفاهم مع السلطة، ولا تُهمل أدوات الضغط النقابي.

فكل ما أسفر عنه مؤتمر الأربعاء، هو تشكيل لجان ثلاث للعمل على النقاط الثلاث التي ناقشها المؤتمر، وهي الحكم الصادر بالحبس، وأثر الاجراءات الاقتصادية على الصحافة والصحافيين والتشريعات الإعلامية، مع التحضير لمؤتمر جديد خلال شهر، وبحث انعقاد جمعية عمومية غير عادية.

القرارات لا ترقى لا لمستوى الحدث الذي يُهدّد بحبس نقيب الصحافيين، ولا لمستوى الحشد الذي توقّع جانب منه خطوات مختلفة.

الحقيقة أن تعقيدات كثيرة تتحكّم في ردّ فعل نقابة الصحافيين وآليات عملها، ليست فقط طبيعة مجلس نقابة الصحافيين والتناقضات بداخله، التي هدّدت بانشقاق داخلي في الأزمة السابقة، ولكن أيضاً طبيعة الجمعية العمومية وتنوّعها، الذي يُعوّق اتخاذ مواقف مُوحّدة، كذلك آليات عمل مجلس النقابة والقواعد التي تحكم حركته.

ولكن مع تلك الظروف، يبقى هناك دائماً ما يُمكن القيام به أكثر من تشكيل لجان ربما تُنسى مع الوقت. فالهجمة على نقابة الصحافيين، جاءت بعد سيطرة السلطة على الأحزاب والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني، ولم تبقَ مساحة للعمل العامّ المُنظّم، إلا عبر بعض النقابات المهنية، مثل نقابات الأطباء والصحافيين والمهندسين والمحامين وغيرها. ما جعل النقابات المهنية هي الهدف الحالي للسلطة للسيطرة الكاملة على أي مساحة مُعارضة محتملة، خاصّة مع مضيّ الدولة قدماً في إجراءات ستؤثر حتماً على الأوضاع المعيشية لأصحاب تلك المهن. لذا فما تُواجهه نقابة الصحافيين اليوم هو بالتأكيد ما ستُواجهه باقي النقابات غداً، وربما كانت الحملة التي تُواجهها وكيلة نقابة الأطباء منى مينا نموذجاً على ما سيجري مستقبلاً، وخوض كل نقابة لمعركتها منفردة، هو الطريق الأمثل لخسارة كل المعارك، ومدّ الجسور بين تلك النقابات هو الخطوة الأولى لمواجهة تلك الأزمة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل