المحتوى الرئيسى

الحساب على المشاريب - حكايات وطن (94)

11/24 22:11

تظل المعركة الكبرى التى لن تنتهى حتى تنتهى الدنيا منا هى جهاد النفس، وهى أكبر تحديات آدم منذ واقعة التفاحة والتى، بلغة شباب اليومين دول، «نفخت الجنس البشرى» ولا مؤاخذة.

وأصعب أوجه الجهاد عندما تكون قراراتك لا تتحكم فى مصيرك أنت وحدك ولكن فى مصير أسرتك الصغيرة.. أو ربما عمال ورشتك المتوسطة.. بل ربما موظفى شركتك الكبيرة.. فما بالك بمواطنى محافظتك.. أو منفذى تشريعاتك القضائية.. ويا ويلك من متحملى قراراتك الوزارية.. ويا لشقائك وأنت تقف مغامراً على شفا هاوية وأنت تحدد مصير رعايا دولتك.

يُدهشنى تكالب قصار النظر على تلك الأمانة الرهيبة التى أبتها الجبال رغم محاولات التاريخ الدائمة لمنحنا من العبر والحكايات ما هو كافٍ جداً لإدراك العاقل.. لكننا من المؤكد نعيش فى عالم من الجنون.. فما زال آدم يلتهم التفاحة بنهم فى رحلة الأطماع التى لا تنتهى، متجاهلاً بقايا القضمة الأولى وقد تركها خلفه فى الجنة بعد أن عصى الأمر الإلهى الصريح.

وما زال كبار عائلات الصعيد يسقطون فى اختبار جهاد النفس ويتمسكون بـ«افتكاسات» خرقاء ابتكروها لمنع توريث الإناث حتى لا تقع أرض العائلة فى يد غريب تزوج ابنتهم، ضاربين عرض الحائط بالأمر الإلهى الصريح، مختبئين خلف عباءة الأولين الذين وضعوا السنة السيئة ورحلوا محملين بأوزار التابعين، لينفجر بركان الغضب بين حين وآخر، وتهز إنسانيتنا جرائم قتل الأرحام من أجل استرداد حق ضائع.. فيموت الخال على يد ابن الأخت المسلوب حقها وحقه، وقد تولى الخال التعس «الحساب على المشاريب» نيابة عن باقى الأخوال، ربما لأنه الأكثر تعسفاً أو الأسهل منالاً.. ليصبح مجرد قربان على أعتاب إله الظلم وواحداً من ضحاياه بينما تظل الضحية الكبرى هى السلام والحب. وقد أصبح ذلك الهاجس المؤلم والبركان الخامد تحت ابتسامات الود الزائف بين الأهل والإخوان كامناً فى الوجدان بعد أن ضاع الأمان.

وما زال التوريث فى التعيين لمناصب القضاء ضارباً بعرض الحائط معايير العدل فى عقر داره، مجاهراً بعنصرية بغضاء وقد تباهت الواسطة وارتدت ثوب الشرعية وتبرجت بكل المساحيق القانونية وغير القانونية كعجوز متصابية تتدلل بشكل مقزز على يد من رحلوا غير مأسوف عليهم حاملين أوزار الرعية.. فأهدروا أحلام النبهاء وأضاعوا على منصة العدل الكفاءات بخسارة مضاعفة ليست فقط بوجود الشخص غير المناسب ولكن بفقد الشخص المناسب.. ليسقط الكبار فى اختبار جهاد النفس من أجل الصغار، وينفجر أحد براكين الظلم وأطعنها للوطن طافحاً قاضياً يتاجر بالمخدرات وآخر يتحرش «بالستات» فيضيعوا هيبة القضاء الذى يتحمل للأسف «الحساب على المشاريب».

وما زال مجلس إدارة «الشركة الفلانية» أو «المصنع العلانى» أو «البنك الترتانى»، تحت مظلة الهيئة التابعة أو قطاع أعمال الوزارات المعنية بمناصب تهدر أكثر مما تفيد، يجتمع بلا داع لحصد بدلات ومكافآت ورحلات هم وضعوها لأنفسهم بقرارات سيئة السمعة بمبررات ينعدم فيها المنطق وقد أحاطوها بقدر من السرية يتناسب وقبح الفعل والفاعلين وإثم حاق بالقلوب يخشون أن يراه الناس لتكتمل إحدى حلقات الفساد الإدارى، حيث صاحب القرار هو صاحب المصلحة.. فيكون بفجاجة دخل رأس المنظومة وبطانته فى خانات الأصفار الستة، بينما باقى العاملين لا يتعدى دخلهم خانة المئات والآلاف القليلة.. ونتيجة للحقد الاجتماعى يسقط بغدر سائق أو حارس أمن أو خادمة قتيلاً مضرجاً بغل التفاوت الطبقى الفج، حيث يتحمل أحدهم بعشوائية ظالمة نيابة عن القاطنين فى الضواحى والمنتجعات الفاخرة والسواحل الراقية «الحساب على المشاريب» ليكون ضحية النظام الفاسد الذى أورده مرمى الأحقاد وجعله هدفاً لتحقيق عدل ممسوخ مشوه قبل أن يكون ضحية أحد المجرمين التافهين لسرقة بعض الأموال.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل