المحتوى الرئيسى

الانقلاب العسكري.. إفلاس اقتصادي وأمني وسياسي

11/24 16:20

"الذين يتحدثون عن إفلاس مصر هم المفلسون".

(الرئيس محمد مرسي - يناير/كانون الأول 2013 بعد أن وصل الدولار إلى 636 قرشاً)

جملة من الأحداث السياسية والاقتصادية أكدت لي أن السيسي في طريقه للإفلاس أو يكاد، أهمها الأخبار الاقتصادية التي أتت بعد أسبوع واحد من تعويم الجنيه ورفع الدعم عن الوقود، واشتراط صندوق النقد دفع ديون شركات البترول للحصول على القرض، وحكم محكمة النقض بإسقاط الإعدام عن الرئيس مرسي، والاعتداء على المعتقلين في سجن برج العرب، في الوقت الذي يتم فيه إخلاء سبيل بعض نشطاء العلمانيين، وخروج البرادعي برأسه من جديد، وسنحاول في هذا المقال الربط بين هذه الأخبار جميعاً.

نظرة عابرة لمانشيتات الأخبار في مصر خلال الأسبوع الأخير توضح الحال الذي صار عليه الاقتصاد المصري بعد ثلاث سنوات على الانقلاب، وخاصة مع تراجع المساعدات الخليجية جراء انهيار سعر النفط، وكنتيجة طبيعية لمواقف مصر المعادية للمملكة السعودية في كافة المحافل والجبهات.

ونستعرض هنا بعض هذه الأخبار التي تمس الشريحة الأعرض من المصريين، مصحوبة بالمصادر:

- "نقابة الأطباء": المستشفيات أصدرت تعليمات باستخدام السرنجة أكثر من مرة (الوطن).

- السيسي يوافق على زيادة أسعار تذاكر المترو (وكالات).

- اختفاء دواء الفشل الكلوي في مصر (البديل).

- وزير الصحة يوافق على رفع أسعار جلسة الغسيل الكلوي من 140 جنيهاً لـ250 جنيهاً (وكالات).

- بيع أدوية الكلى في السوق السوداء بثلاثة أضعاف ثمنها (الموجز).

- نقص المستلزمات يُوقف جراحات القلب المفتوح للأطفال (البديل).

- رئيس مركز الحق في الدواء: 1500 دواء غير متوافر في الأسواق (وكالات).

- الكشري في مصر لم يعد طعام الغلابة (لوس أنجلوس تايم).

- كيلو العدس في مصر وصل 30 جنيهاً (وكالات).

والمهم في هذه الأخبار أنها انعكاس مباشر لتراجع الاحتياطي الدولاري بشدة، لدولة تستورد كل شيء تقريباً، وهو الأمر الذي لم يكن مرجحاً أن يتغير لولا الإعلان عن موافقة صندوق النقد على قرض لمصر، وهو الخبر الذي طار به إعلام الانقلاب فرحاً، وكأنه الحل لجميع المشكلات، فهل هذا حقيقي؟

2- قرض صندوق النقد.. وشروطه المجحفة

تساءلت ومعي الكثيرون عن سبب موافقة صندوق النقد على قرض لمصر، وعما يمكن أن يفعله قرض بقيمة 12 مليار دولار لنظام بدد ما يزيد عن 50 مليار دولار أموالاً سائلة و40 مليار دولار أخرى تقريباً مساعدات نفطية؟

كانت الإجابة الأكثر منطقية أن السيسي يسلم مصر لصندوق النقد كما فعلت دول كثيرة قبله دخلها الصندوق ليخربها، لكن الإجابة بدت أكثر قتامة حين أعلن الصندوق عن اشتراطه قيام مصر بسداد مستحقات شركات البترول العالمية البالغ 3.75 مليار دولار للحصول على الدفعة الأولى البالغة 2.75 مليار دولار، وهو ما أظهر جلياً حقيقة الوضع في مصر!

الوضع باختصار يا سادة أن السيسي لا يملك من الأموال السائلة ما يمكنه من سداد ديونه لهذه الشركات، بما فيها ديون نادي باريس، وهي ديون مستحقة عن قريب، فتدخل الصندوق لإقراض السيسي لسداد ديون هذه الشركات حتى لا تنكشف سوءة النظام، لحين البحث عن بديل.

في هذه الأثناء كان البديل يُجري عمليات الإحماء، تمهيداً للنزول في الربع ساعة الأخير من المباراة، لإحراز أي اختراق في دفاعات الشرعية المستمية.. إنه البرادعي!

لم يكن خروج البرادعي ببيان تبرئه من الانقلاب على الرئيس مرسي بريئاً على الإطلاق، وكما توقعنا فقد أعقبه ببيان ثان وثالث انتقل فيه من الدفاع إلى الهجوم، محاولاً بجهد العودة إلى مقعده في التنظير في جامعة "التعريض"، لكنه جهد لا يسمح به وضعه ولا لياقته السياسية والأخلاقية وميراثه الدموي الانقلابي خلال تجربته في حكم في مصر.

وإذا تم تهديد البرادعي فعلاً من جهة سيادية، كما ادَّعى، ألم يكن يعني ذلك أن الرئيس مرسي وأنصاره على حق في تسمية ما يجري بالانقلاب؟ ولِمَ لَم يعلن ذلك في وقتها؟ على العكس خرج البرادعي ليبرر اختطاف الرئيس بحجة الحفاظ عليه، وأنه يجب فض رابعة بالقوة! (تبرير البرادعي بأن استخدام القوة لا يعني استخدام السلاح ساذج وسطحي وفيه استخفاف بمن لا يزال يصدق، فإذا لم تكن القوة تعني السلاح، فماذا تكون؟ قوة الإيحاء النسبي أم التنويم المغناطيسي!).

الغريب ليس بيان البرادعي فقط، بل بيان الدكتور محمد محسوب -المحسوب على الشرعية- وهو بيان طويل يفهم منه أن الجيش المصري مظلوم ومخطوف منذ الثورة من قِبل المخابرات الحربية، ويبدو أنها ذات الجهة التي هددت البرادعي من قبل!

الآن صار البرادعي حمامة سلام، وصار الجيش مخطوفاً بعد أن كان خاطفاً، وصار العيب كل العيب على السيسي ومجموعته داخل الجيش، وهي محاولة مفضوحة للفصل بين السيسي وقيادات الجيش، رغم كل ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية!

وهنا نتساءل في براءة: هل تطوع البرادعي ومحسوب للدفاع عن الجيش؟ أم أن حديثهما الآن في هذا التوقيت تقديم لقطعة متأخرة على رقعة الشطرنج إلى الأمام لمحاصرة الشاه تمهيداً لعمل كش؟ وهي خطوة يراد منها التخلص من الشاه الجديد دون أن يؤدي ذلك لعودة الشاه القديم "مرسي"، وهنا تكمن أهمية الخطوة وتوقيتها، وأهمية الضغط على الشاه القديم حتى لا يعود.

4- نقض حكم الإعدام عن الرئيس مرسي:

لا يمكنني أن أتعامل مع أحكام محكمة النقض باعتبارها غير مسيَّسة، ولا يمكنني أن أنسى أن القضاء ضلع رئيسي في الانقلاب العسكري، وعليه فإن تبرئة الرئيس مرسي من أحكام الإعدام في هذا التوقيت، وفي جلسة استغرقت بضع دقائق فقط، وبعد زيارة وزير خارجية الإمارات لتركيا، واشتراط أردوغان إطلاق سراح الرئيس مرسي لعودة العلاقات، هي في رأيي مقدمة لتسوية يريد لها البعض أن تتم بأقصى سرعة وأي ثمن، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى عودة الشرعية!

فأزمة مصر -كما أكدنا مراراً وتكراراً- سياسية وليست اقتصادية، والأزمة الاقتصادية فيها انعكاس للأزمة السياسية، وقد حاول النظام حل الأزمة بالدبابة ففشل فشلاً ذريعاً؛ لأن الدبابة كما تقمع الخصوم فإنها تقتل الاقتصاد، ما دفع الكثيرين للبحث عن تسوية سياسية، بشكل مُلح هذه المرة، بعد مبادرات كثيرة رسمية وغير رسمية رفضت من الإخوان (وثيقة العشرة - وثيقة واشنطن - مبادرة سعد الدين إبراهيم - مبادرة العجاتي وزير الدولة للشؤون البرلمانية.. إلخ).

وفي سبيل دفع الإخوان للقبول بهذه المبادرات، وحلحلة مواقفهم يتم الضغط عليهم في هذا التوقيت على خاصرته الضعيفة، ومسكهم من يدهم التي تؤلمهم بشدة، وهي ملف المعتقلين، فيتم الضغط على معتقلي برج العرب والتصعيد ضدهم فجأة، في رسالة أفهم منها أن النظام جن جنونه من صمود هؤلاء المعتقلين الأبطال وذويهم، ويشن حرباً عليهم بمعنى الكلمة، وصلت إلى حد اقتحام السجون وضربهم بالعصي وقنابل الغاز، وترحيل عدد كبير منهم إلى سجون بعيدة، في محاولة بائسة يائسة لدفعهم للاستسلام بلا قيد أو شرط، طبعاً هذا في الوقت الذي يتم فيه إخلاء سبيل بعض نشطاء العلمانيين؛ ليعودوا للمشهد من جديد، وعودة الفريق أحمد شفيق.. باختصار كل بدائل السيسي والشرعية تأخذ مكانها على المائدة السياسية.

السيسي مفلس، أو في طريقه للإفلاس، وإذا استطاع الصندوق نجدته هذه المرة لسداد ديونه، فربما لا يستطيع إنقاذه المرة القادمة، يسعفه في استيراد حاجيات البلد الأساسية، ولا سيما الأدوية! وإذا كانت القرارات الاقتصادية التي أوردتها في الأعلى حصيلة أسبوع واحد من قرارات السيسي المجنونة، فما بالكم بشهر أو ستة أشهر أو سنة في ظل هذه الأوضاع؟

من يضمن ضخ كميات معتبرة من الدولارات لمصر لوقف انهيار العملة، أو وقف صعود الدولار، أو تلبية حاجيات البلد من احتياجاته الأساسية؟ وإذا قالوا عن مصر إنها ستفلس، وإن الدولار يسحق الجنيه؛ لأن الدولار وصل 636 قرشاً، و658 قرشاً في السوق السوداء في عهد الرئيس مرسي؛ فإن وصوله إلى 18 جنيهاً يعني أنها أفلست منذ زمن بعيد، وإن الدولار لم يسحق الجنيه فحسب، بل ارتكب معه فعلاً فاضحاً في الطريق العام!

إن الانقلاب العسكري في حالة إفلاس تام.. إفلاس أمني يجعله يخشى أي دعوات مجهولة للتظاهر، فيستنفر كل أجهزة الأمن وينشر كافة القوات، وكأنه مقدم على حرب، وإفلاس اقتصادي يجعله غير قادر على سداد ديونه، ويضطر للاقتراض بشروط مجحفة لسدادها، وإفلاس سياسي يجعل مَن دفع بالانقلاب أول مرة منذ ثلاث سنوات مضطراً إلى الاستعانة بوجوه كالحة مالحة مريضة مرفوضة ملطخة أيديها بالدماء مثل البرادعي للقيام بدور الحل الوسط بين الانقلاب والشرعية.. فهل يوجد إفلاس أكبر من هذا؟

بالمناسبة.. الحديث عن إفلاس مصر صراحة أشارت إليه وزيرة الاستثمار داليا خورشيد، مبشرة بأنها خطوة على طريق التقدم، قبل أن توضح أنها تقصد قانون الإفلاس وليس إفلاس مصر.

نصيحتي لك بعد أن تنتهي من قراءة هذا المقال: اسحب مدخراتك بسرعة من البنك، قبل أن يعلن السيسي إفلاسه، فلا يمكنك التصرف إلا في 25% فقط من أموالك.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل