المحتوى الرئيسى

لمحات من حياة الحصري.. شيخ المرتلين المعلم

11/24 11:16

عاش في قلب القرآن بروحه ووجدانه، فنقل إلينا صوته معاني آياته بسهولة ويسر، ليفهمه أغلبنا دون تفسير، إنه الشيخ الجليل الراحل محمود خليل الحصري، الرجل الذي امتلك عبقرية خالصة في علوم تجويد القرآن، وأول من سجله مرتلا بصوته، وصاحب المصحف المعلم الذي علق في آذان كل من سمعه صغيرا أو كبيرا.

قبل ميلاد الشيخ المعلم رأى والده في المنام أنه ينزل من ظهره عنقود من العنب يأكل منه الناس فيستمتعون ويوقولن "الله الله"، فذهب لشيخ المسجد سائلا إيه تفسير ذلك، ليبشره الرجل بطفل صالح ينتفع الناس بعلمه ويستمتعون بما يقدمه، ثم رزقه الله بعد ذلك بطفل نابغة، دخل الكتاب وهو في سن 4 سنوات، ثم انتهى من حفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره، قبل أن يذهب إلى المسجد الأحمدي بطنطا ليتزود بالعلوم الدينية والشرعية، ثم يلتحق بالأزهر ويتفرغ لدراسة علوم القرآن وحفظ القراءات العشر، ولأنه يمتلك صوتا ربانيا وقدرة خارقة على الغوص في قلب كتاب الله الكريم، احتل المرتبة الأولى بين المتقدمين للالتحاق بالإذاعة المصرية عام 1944، لينطلق صوته من ميكروفونها للعالم أجمع.

"إن الترتيل يجسد المفردات تجسيدا حيا.. وإننا عند الترتيل نكون في مواجهة النص القرآني، مواجهة عقلانية محضة تضع المستمع أمام شعور بالمسؤولية"، تلك هي كلمات الشيخ الحصري الذي ذاع صيته في العالم أجمع، كونه الأكثر خبرة بفنون القراءة، إضافة لتمتعه بالمتانة في الصوت وإجادة حسن المخارج ومقادير المدود والغُنات، ومراتب التفخيم والترقيق وتوفِية الحركات، كما اهتم بالوقف والابتداء حسبما رسمه علماء القراءات.

عشق الشيخ محمود خليل الحصري القرآن الكريم، ولذلك أكرم وأجلّ كل من يحفظه، لدرجه أنه رحمه الله خصص مكانا خاصا للجنة مراجعة المصاحف في منزله، وكان يجعل سائقه الخاص يوصلهم لبيوتهم بسيارته، لا لشيء سوى أنهم من حفاظ كتاب الله، كما أوصى بثلث ما ترك من ثروته للصرف على المساجد وتخصيص مكافآت لحفاظ القرآن الكريم، إضافة للإنفاق على الفقراء، وأوصى أيضا أن تقوم وزارة الأوقاف بتنفيذ تلك الوصية.

حرص الشيخ الراحل على حفظ أولاده لكتاب الله جعله يتبع معهم طريقة مميزة ليشجعهم على ذلك، فكان يعطيهم المصروف على حسب حفظ كل منهم، فيأخذ الواحد قرشا عن كل سطر يحفظه، وعشرة جنيهات عن كل جزء، وكانت الإجازة بالنسبة لهم عبارة عن أسبوعين فقط للفسحة، أما باقي الفترة فكانت لحفظ القرآن الكريم من الصباح وحتى بعد صلاة العصر، ورغم كثرة ترحال الشيخ، إلا أنه كان يحرص عند عودته على اختبار أولاده فيما حفظوه، ثم يعطيهم المكافآت السخية تشجيعا لهم.

عمل الشيخ الجليل شيخا لعموم المقارئ المصرية بناء على قرار جمهوري صدر عام 1960، ومستشارا فنيا لشؤون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف، ثم قضى بعد ذلك وقتا كبيرا من حياته في السفر والترحال بين بلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي، لينير قلوب الناس بكلام الله تعالى، فقد أسلم على يديه في فرنسا عشرة مواطنين بعد سماعهم القرآن منه، وفي أمريكا لقن الشهادة لثمانية عشر شخصا، ولا ننسى أنه أول من رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي والأمم المتحدة عام 1977.

كان الشيخ الحصري هو أول من سجل القرآن الكريم مرتلا عام 1961 برواية حفص، وذاع صيته في العالم أجمع حتى أن هناك عدة دول طلبت من مصر وقتها تسجيل القرآن الكريم بالقراءات التي تلون بها، فسجل الحصري القرآن للمغرب الشقيق برواية ورش، وللسودان وإفريقيا برواية الدوري عن أبي عمر، ثم لتونس وموريتانيا وليبيا برواية قالون عن نافع، قبل تطلب منه وزارة التربية والتعليم تسجيل المصحف المعلم الذي كان هو أيضا أول من سجله، وهو الذي تربى معظمنا عليه، ثم سجل المصحف بطريقة التجويد، وكان آخر ما سجله هو المصحف المفسر أو "مصحف الوعظ".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل