المحتوى الرئيسى

"الأقليات" جرح في قلب الوطن.. صفقه السادات أشعلت فتيل فتنة الأقباط ..معاناة التهجير تفجر غضب النوبيين في وجه الدولة.. وقبضة الأمن تخنق بدو سيناء

11/24 10:57

في بقاع متفرقة من أرض الوطن، تتمايز جماعات بعينها ربما لأسباب عرقية أو نعرات طائفية، جعلت من قضاياهم محورًا يربط بعضهم البعض، بما يضعهم أمام صدام محتدم مع الدولة المصرية ربما تخفت حدته حينًا وتتصاعد حينًا آخر.

بين أقباط يعانون التهميش ونوبيون لايزالوا يطمحون في إنهاء أزمة التهجير، وبدو واقعون تحت مقصلة الأمن، باتت الطعنات تخترق طريقها نافذة إلي قلب الوطن، في أزمات متكررة وضعت الدولة في محطات صدام متعددة، نستعرض أبرزها في التقرير التالي.

في أقاصي الجنوب، حيث تقع قري تاريخية يربط أواصرها النيل الأزرق علي إمتداده، تزدان ضفتيه ببنايات بسيطة تمتاز بالروعة فى مظهرها، وتناسق عمارتها، بخلاف ألوانها الزاهية، بعد أن أختار سكانها ان ينأوا بأنفسهم عن صخب الحياة ، يمارسون طقوسهم الخاص وسط سحر الطبيعة الخلابة، غير أن الأزمات أبت إلا أن تجرهم نحو صدامات متتالية مع مسئولي الدولة.

صدام حاد نسجت خيوطه مؤخرًا، تعود تفاصيله إلي الثامنة من صباح الأحد الماضي عند مدخل إحدى القرى بمركز نصر النوبة بأسوان، حين تجمع العشرات من أهالي النوبة من مختلف القرى والمحافظات، قبل أن يستقلوا نحو 25 ميكروباص وحافلة، للتوجه إلى منطقة توشكى، تحت مسمى "قافلة العودة النوبية" بغرض زيارتها والتعبير عن اعتراضهم على قرارات الدولة بشأن مشروع المليون ونصف فدان التابع لشركة الريف المصري، والذي يتضمن بيع أراضي من بينها "توشكى" وقرية فور قند النوبية.

تمتد النوبة بطول 350 كليو مترآ من الشلال الأول وحتى الشلال الثاني جنوب أسوان بطول نهر النيل من قرية دابود في الشمال وحتى قرية أدندان في الشمال، وكانت بداية هجرة أول نوبى مع بناء خزان أسوان عام 1902 الذي ارتفع معه منسوب المياة خلف الخزان ليغرق عشر قرى نوبية .

وفى الخمسينات بدأت الدراسات لإقامة السد العالى وتم ترحيل أهالى النوبة خلف السد عام 1963 حيث تم تهجير النوبيين الذين يعيشون في هذه القرى ، وكان عددهم 18000 أسرة، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

ومنذ ذلك الحين نظم أهالي النوبة مئات التظاهرات والمؤتمرات، وأقاموا العديد من الدعوات القضائية دون كلل أو ملل.

ورغم اختلاف الأنظمة المتعاقبة، لم تلق القضية النوبية أي اهتمام يُذكر من السلطة، سوى تقديم بعض الحكومات حلولًا مبتسرة وغير ناجزة مثل “وادي كركر” في عهد مبارك، الذي حاولت به الحكومة، بالتعاون مع حلفائها من النوبيين، حل مشكلة إعادة توطين النازحين النوبيين.

وإزاء المطالب النوبية المتصاعدة اعتمد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك سياسة التجاهل، والوعود، وزار جمال مبارك النوبة عام 2009، وأطلق وعودا بأن قضايا النوبة تقع ضمن أولويات الحكومة والحزب الوطني المنحل لكن اتحاد شباب النوبة استنكر زيارته، وتساءل عن صفته.

وأعلنت القيادات النوبية حينها عن قائمة مطالب شملت تعمير قرى النوبة حول بحيرة ناصر وفق المواقع المتفق عليها بينهم، على أن تكون هناك خطة شاملة للاستثمارات السياحية والتعدينية والصناعية والزراعية يتم تنفيذها بالتزامن مع بناء مساكن النوبيين على ضفاف البحيرة.

ورغم أن الثورة حملت بشائر لحل الأزمة بين النوبيين والدولة، إلا أن هذه الآمال سرعان ما ذهبت سدى بسبب تعسف الدولة، فبعد ثورة 25 يناير وتحديدا في الرابع من سبتمبر من العام 2011، نظم نوبيون اعتصاما أمام مبنى محافظة أسوان، واقتحم بعضهم المبنى، وطالبوا بإقالة المحافظ من أجل الاستجابة لمطالبهم المتجددة في العودة والتوطين.

وبعدها تصدرت شخصيات نوبية بارزة الحراك السياسي، مثل الحقوقية النوبية منال الطيبي التي اختيرت كشخصية عامة في اللجنة الدستورية في عهد الإخوان، وتلاها الأديب النوبي حجاج أدول في لجنة الخمسين التي أعدت دستور 2014، الذي تضمن حقوقًا للنوبيين أُقرت للمرة الأولى، مثل حق العودة على ضفاف بحيرة "النوبة" المعروفة باسم "بحيرة ناصر"، واعترف بالتعددية الثقافية وجرّم التمييز على أساس اللون والعرق، وأقر حق النوبيين كسكان مناطق نائية في التنمية، على أن تجري استشارتهم في مشروعات التنمية التي تستهدف مناطقهم.

ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فقد صدر القرار الجمهوري 444 في 2014، ليحدِّد- في انتهاك سافر لحق العودة الدستوري- القرى من قرية العلاقي إلى قرية أدندان كمناطق حدودية، وتبعه قرار 355 المتعلق بتنمية مدينة توشكي، والذي استبعد النوبيين من أي مشاورات حول تنمية هذه المدينة، على عكس ما ورد في الدستور، إلى جانب عدم مناقشة قانون إعادة النوبة، رغم انتهاء أعمال اللجنة وإرسال مسودة القانون لمجلس الوزراء، إلا أن القانون لا يزال حبيس الأدراج.

في ديسمبر 2014، أثار مشروع قانون "إنشاء الهيئة العليا لتنمية وتعمير النوبة القديمة"، والمعد من قبل زارة العدالة الانتقالية بحضور ممثلين لوزارة الدفاع والنوبيين، حالة من الغضب بين أهالي النوبة وجدل واسع ومشادات خلال مناقشات إعداد هذا القانون، أدى إلى توقف المباحثات بشكل مؤقت لحين إيجاد سبل للتهدئة بعد الرفض القاطع لأهالي النوبة الموافقة على تمريره.

إزاء الوضع المعقد، لم يبق أمام النوبيين سوي السعي الحثيث للحفاظ على حقوقهم الشرعية، فسلكوا طريق التقاضي رفضًا للتعسف الحكومي وانتهاك حقوقهم التي أقرها الدستور، حيث رفعت قضيتان لإيقاف القرار 444 في القاهرة وأسوان.

ولكن المؤشرات لم تكن إيجابية، فقد خرج تقرير هيئة مفوضي الدولة، في قضية عن توطين النوبيين حول البحيرة، برفض توطينهم هناك، ولهذا ذهب قطاع من النوبيين لتدويل القضية، بعد انسداد الطرق المحلية أمامهم، وهو الإتجاه الذي بدأ منذ عام 2005، حين حضر الأديب النوبي حجاج أدول مؤتمر الأقليات في الولايات المتحدة وعرض هناك مجريات الوضع النوبي، وحين حضرت كذلك الحقوقية النوبية منال الطيبي الاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في عام 2010.

في قلب صعيد مصر، يتمركز الغالبية العظمي منهم بأعداد تقديرية فلا يوجد تعداد رسمي للأقباط حتي اليوم، لكنّ التصريحات الرسمية، تشير الى أنهم يشكلون 10 في المائة من سكان مصر أي سبعة ملايين، فيما تشير مصادر الأقباط الى أنّهم عشرة ملايين.

تتمحور أزمة الأقباط في مصر حول مشكلتين أساسيتين، تتمثل الأولى في عدم تولّيهم المواقع القيادية في المؤسسات السيادية أما المشكلة الثانية فهي العقبات القانونية والإدارية التي تعترض بناء الكنائس وترميمها.

وتعود المشكلة الى العام 1856 تاريخ إصدار "الخط الهمايوني" الذي ابتدعه الخديوي، عندما اشتدّ الصراع بين الدولة العثمانية وبعض الدّول الأوروبية التي كانت تتدخّل في الشؤون الداخلية، فكان هذا الخط نوعا من إعطاء حقوق المواطنة للأقباط.

ومن حينها لم يكن يُرخّص ببناء كنيسة إلا بقرار جمهوري خاص، وانسحب الأمر على الترميم حتى لو تعلّق الأمر بدورة المياة، وفي العام 1998 صدر قرار فوّض بموجبه الرئيس مبارك صلاحية الترميم الى المحافظين مما قلّل الفترة الزمنية المطلوبة للحصول على ترخيص.

في السبعينات أصبح التيار الإسلامي جزءا من تحالف دشنه الرئيس السادات ويجمع التحالف الجديد البورجوازية الناشئة والبيروقراطية والتيار الإسلامي، إلا أن الصلح المنفرد مع إسرائيل سرّع بتهاوي هذا التحالف واضعا الأقباط رهائن صراع طويل بين الدولة والتيار الإسلامي.

ويعود التوتر الأول الى مطلع السبعينات عندما وقع أول حادث طائفي بين الطرفين، اذ تعرضت كنيسة في منطقة الخانكة لحريق آنذاك، و اعتبرت القيادة السياسية بقيادة الرئيس أنور السادات أن "الحادث شأن سياسي يدار عبر مجلس الشعب".

هكذا تمّ تشكيل لجنة لتقصّي الحقائق برئاسة القانوني جمال العطيفي، أعدّت تقريرا شاملا عن المشكلات القبطية ولاسيما بناء الكنائس وترميمها، لكنّ التقرير لم يناقش، ولم يؤخذ بأي من التوصيات الواردة فيه، بل جرى تسليم الملف القبطي إلى وزارة الداخلية.

هذا التعاطي مثّل نقطة تحول في أسلوب إدارة هذا الملفّ من الدّولة المصرية الذي اعتبر شأنا أمنيا بعد انسحاب المؤسسات السياسية منه، وفي أفضل الأحوال تحوّل بعض مسؤوليها وسطاء بين أجهزة الأمن والمؤسسة الدينية.

كما شهدت مصر في الحقبة نفسها ظاهرة غريبة تتمثّل في اعتناق فتيات مسيحيات الإسلام، وهنّ غالبا دون السّن القانونية، إلا أن هذه الممارسات غالبا ما تصنّف تحت خانة "وقف التحقيق لعدم وجود أدلّة"، أو على أنها قصص حب كلاسيكية أو ممارسات فردية معزولة".

تكرار هذه الحوادث التي عادة ما تحدث في القرى القبطيّة تزيد من وطأة المشاكل الطائفية الصريحة بين المسلمين والأقباط في مصر.

ظل الصدام بين الدولة والأقباط خفيًا عن الأنظار عقود طويلة، غير أن تتابع الحوادث الطائفية عجل بخروجه إلي النور، في سبتمبر من العام 1981، حينما إعتكف بطريرك الأقباط الارثوذكس والكرازة المرقسيّة في مصر الأنبا شنودة الثالث، للمرة الأولي بعدما اتّهمه الرئيس المصري الراحل أنور السادات بالتورّط في إشعال فتنة طائفية، ولم يتراجع إلا بعد اغتيال السادات في الشهر التالي برصاص مسلمين متشددين.

وفي ديسمبر 2004، أعتكف للمرة الثانية في أحد الاديرة بسبب مشاكل الطائفة مع الدّولة، بلغت ذروتها مع موجة اعتناق فتيات وسيّدات قبطيات الإسلام في ظروف غامضة.

الإعتكاف الأخير جاء عقب عودة زوجة أحد القساوسة وفاء قسطنطين الى الكنيسة القبطية بعد اختفائها، الأمر الذي أدي إلي استنفار أمني تمثل في طوق فرضه مئات جنود الأمن المركزي المصري على الكاتدرائية القبطية في القاهرة، التي تظاهر حولها الآلاف من الأقباط .

وجاء اعتكاف الأنبا شنودة نتيجة تأخّر الجهات الأمنية في تسليم المرأة الى الكنيسة، وكان يجدر بمديرية الأمن تسليمها الى احد القساوسة الذي يقوم بإجراءات ما يعرف "بالنصح والإرشاد"، فإذاَ أصرّت السيدة على الإسلام يرفع الأمر الى الأزهر للموافقة أو عدمه، لكن الملف اشتعل قبل وصوله الى الأزهر إذ كان في مراحله الأولى".

لم تختلف المرحلة الإنتقالية التي تولي خلالها المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي عقب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، عما سبقها، والتي شهدت واحدة من أسوأ محطات الصدام بين الدولة والأقباط فيما عرف بأحداث ماسبيرو، في أكتوبر من العام 2011.

فبينما كان الجميع يمني نفسه بآمال تعانق السماء في أعقاب ثورة يناير وجد الأقباط أنفسهم أمام كابوسًا محقق علي خلفية إحتجاجات دامية تخللت فعاليات يوم الغضب القبطي، ردًا على قيام سكان من قرية المريناب بمحافظة أسوان بهدم كنيسة قالوا أنها غير مرخصة، وتصريحات لمحافظ أسوان اعتبرت مسيئة بحق الأقباط.

سرعان ما حولت التظاهرات أمام مبني اتحاد الإذاعة و التليفزيون "ماسبيرو" إلى مواجهات بين المتظاهرين وقوات من الشرطة العسكرية والأمن المركزي، وأفضت إلى مقتل بين 24 إلى 35 شخصًا أغلبهم من الأقباط.

وقبل أشهر قليلة كان صراعًا جديدًا بين النظام والأقباط يدق الأبواب، تزامنًا مع مناقشة مشروع قانون بناء الكنائس المعد سلفًا من قبل الحكومة قبل إقرار مجلس النواب له، إذ قالت الكنيسة إنها تفاجأت بوجود تعديلات خطيرة وغير مقبولة في القانون، وإن النظام هو من يعرقل إقرار هذا القانون في مجلس النواب، وعلى الجانب الآخر يرى النظام أن الكنيسة تريد أن تعود بالقانون إلي نقطة الصفر، قبل أن يتوصل الطرفان لمقترح يرضي الجميع تمهيدًا لإقراره من جانب مجلس النواب.

علي أطراف الحدود الشمالية تقبع عشرات القبائل البدوية وسط صحاري وسلاسل جبال شبة جزيرة سيناء الممتدة بطول الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل، وسط مناطق تفتقر إلي اية مظاهر للتنمية تحت تهديد جماعات متطرفة أتخذت من تلك البقاع الوعره والمنعزله وكرًا للإختباء وتنفيذ عملياتها ضد أهداف مختلفة من حين لآخر.

التوتر المستمر في علاقة بدو سيناء والسلطات المصرية، دفع الأخيرة إلي التعامل مع هذا الملف من منطلق أمني بحت، والنظر إليهم من آن لآخر بعين الشك والريبة، وربما يتهمهم مع زيادة حدة الهجمات الإرهابية بالتواطؤ مع تلك العناصر المتطرفة وإيوائهم لتسهيل مهتمهم.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل