المحتوى الرئيسى

«عشرة» معرض جماعي في «الآرت هاوس»:سيلفي بورتريه

11/24 01:13

كسر الهاتف المحمول وحدة «المكان» الأرسطية في السينما والدراما التلفزيونية، وها هو يتسرب أخيراً إلى اللوحة التشكيلية؛ فبعد ازدهار عصر الهواتف الذكية تأتي صور «السيلفي» كثيمة ترخي بظلالها على معظم الأعمال التي قدّمها عشرة فنانين/ فنانات في معرضهم الجماعي الذي جاء مؤخراً بعنوان: «10ـ 2016».الملتقى التشكيلي الذي استقبل نخبة من متخرجي قسم التصوير في كليّة الفنون الجميلة، اتسم بجرأة فنية سواء من حيث توظيف بنية لونية خاصة في اللوحة، أو حتى من خلال الموضوع الذي أبدى رساموه ميلاً نحو تقديمه من خلال أعمال «سيلفي بورتريه» منساقين في ذلك إلى ما درسوه في أعمال سلفادور دالي ودافنشي وفان غوغ ومانيه ورامبرانت ورينوار. المصوّرون الذين رسموا أنفسهم؛ يمكن تتبع تجارب مماثلة لهم في المحترف التشكيلي المعاصر للبلاد مثل لوحات لكل من رشاد قصيباتي وميشيل كرشة وطلال معلّا ومروان قصاب باشي وسارة شمّا وآخرين.

ربما لا يخفي هذا التوجه عند الرسّامين والرسّامات الجدد رغبة عميقة في إكمال مسيرة سلالة لا تنتهي من فنانين رسموا أنفسهم، لكن تركيز كل من مايا درويش وليا صنيج وشاهر الملقي ووفاء أوطه باشي على رسم الذات سواء في وضعيات قتل أو هجرة أو شرود أو انتظار؛ أو حتى رسمهم بعضهم لبعض أو رسم الجسد عبر صورته في مرآة الحمّام، توضح دون مواربة ما تركه شطب الموديل العاري في كلية الفنون الجميلة من آثار على طلابها، واستعانة الفنان الصاعد بنفسه أو بزملائه كموضوع لأعماله، فبدلاً من أن يكون هذا الفنان ذاتاً لا موضوعاً في اللوحة، ها هو يصبح في الألفية الثالثة الاثنين معاً. تماماً كما حدث مع لوحتي رنيم اللحام التي قدمت العري في عمليها الأنثويين الضخمين، مستعينةً بلونية بنيّة متدرجة وصادمة، متجاورة بذلك مع زملائها حول «بورتريه النفس». تمسي الذات موضوعاً إذاً في أعمال الفنانين الشباب، حيث يبدو ذلك مفهوماً أكثر فأكثر مع العزلة التي تضربها الحرب حول مراسم هؤلاء وحيّزهم المعيشي اليومي، إذ إن معظم من التقينا بهم من المشاركين في المعرض أكدوا أن حلمهم بالهجرة بات خيارهم شبه الوحيد في ظل انحسار كبير لسوق الفن، وإغلاق العديد من صالات العرض الرئيسة أبوابها حتى إشعارٍ آخر، ناهيك عن الفرص النادرة التي توفرها صالات تعتني بالأسماء المكرّسة من فناني الجيل الثاني والثالث رغم مضاربة أسواق الجوار.

هكذا تصبح «موضوعية النفس البشرية» مذهباً متجدداً لصراع درامي داخلي يعيشه الرسام مع خياره في البقاء أو الرحيل؛ الموت أو الانتحار حباً. أعمال المعرض الجماعي الذي قدم عشرين لوحةً (زيت وأكرليك ـ أحجام مختلفة) تديرها اليوم لورا خضير في أشهر صالات دمشق التي عادت إلى فتح أبوابها بعد توقف دام أربع سنوات، فالصالة التي تضم حجرات في الطبقة العليا منها باسم لؤي كيالي وفاتح المدرّس ونزار قباني، يزاول اليوم زوارها أنشطة متنوعة من معارض وملتقيات موسيقية، سعياً لترويج وإحياء سوق بديلة لأعمال المختبر الناشئ في ظل الحرب.

نلمح ذلك في لوحتي حسن الماغوط عبر تكوينات إنسانية اتكأت على تقنية التلاشي والتداخل بين عوالم صريحة تبنيها عناصر متضادة ومتنافرة، على خلاف منار الشوحة الذي قدّم بدوره لوحتين اعتمدتا على أجواء الرماديات، مجسّداً قسوة الاغتراب العميق عن المحيط والآخر، فيما ركزت لينا الكاتب على مشهديات متقاطعة من السوق والحارات الدمشقية القديمة، ناقلةً توشيحات غامضة لمدينة مغلّفة بالنايلون والمطر والدم. نورتا برشين نقلت هي الأخرى مناخات غامضة عن الجسد والمرآة، مزاوجة في تجلياتها الأولى بين أنثوية صارخة وذكورة مقموعة وخائفة، عكست هنا تأثيرات ما يحدث على أجساد رجال ونساء يقفون في عراءٍ تام. سليمان أبو سعدة ذهب بعيداً من كل ذلك، محاولاً تلخيص مساحات متباينة من الضوء والظل، من الساطع والداكن، مستنجداً بتغيير زاوية الرؤيا لهذه المساحات اللونية الزرقاء والخضراء والصفراء، التي جعل منها هنا متنزّهاً لمخيلة الشخصية، ممدداً طاقة إضافية لفرشاته، للوصول إلى ما يشبه ترميزاً خاصاً عبر تبقيع متشابك لأجواء رعوية محايدة اقترحها على عين المتلقي وعاطفته في آنٍ معاً.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل