"غول الدولار يهزم الدولة".. الحكومة تفشل في السيطرة على توحشه بالسوق السوداء.. "سحب العملة وتعويم الجنيه" آخر المحاولات المُضنية.. وخبراء يضعون روشتة لوقف النزيف
ما أن وقعت مصر خلال مطلع العام الحالي فريسة للسوق السوداء، والتجار المضاربين الذي يتحكمون في أسعار الصرف للعملة، اتخذت أكثر من إجراء سواء من قبل الحكومة أو البنك المركزي، في محاولة لإنقاذ قيمة الجنيه المصري، والسيطرة على توحش الدولار في الأسواق الموازية.
إلا أن تلك الاجراءات السابقة والحالية، لم تأت أكلها حتى الآن، ودفعت القرارات الاقتصادية الصعبة التي اتخذت مؤخرًا وضغطت على المواطن المصري بشكل خاص، سعر الصرف للتحسن بعض الشيء، ولكن سريعًا ما عادت الفجوة بين السوق السوداء والسوق الرسمية للاتساع.
بداية.. تُعرف السوق السوداء باسم الموازية أو الاقتصاد التحتي، وهو مصطلع يستخدم للتعبير عن تعاملات تجارية يتم فيها تجنب كل القوانين والتشريعات التجارية والضريبية المفروضة من قبل الدولة، ويختلف حجم هذه التعاملات من بلد لآخر بحسب تطور البلد والحرية الاقتصادية والفساد فيها.
يكون حجم السوق السوداء أصغر في الدول التي تملك حرية اقتصادية كبيرة، ويزداد حجمها في الدول التي يكون فيها حجم الفساد أكبر وحرية اقتصادية أقل، ويهدف المشاركون فيها إلى التهرب من دفع الضرائب بمختلف أشكالها وغالبًا ما تكون البضائع دخلت الأسواق الوطنية دون تسجيلها لدى المؤسسات الرسمية.
وفي حال عدم قدرة الإنتاج الوطني والاستيراد على تغطية الطلب الداخلي تنشأ حالة سوقية يزداد فيها الطلب بشكل كبير على العرض فيقوم العارضون ببيع البضائع بشكل خفي وبأسعار عالية للأشخاص والمؤسسات المستعدين لدفع أسعار مرتفعة على تلك البضائع.
إزاء التوحش المتواصل للدولار في السوق السوداء عمدت الحكومة لحزمة من الاجراءات، التي كان آخرها أمس الثلاثاء، حين بدأت البنوك المصرية في محاولة جديدة لترويض السوق السوداء للعملة، من خلال سحب الدولارات منها بأسعار أعلى من المعروض في معاملات البنوك.
ونقلت وكالة "رويتزر" عن أحد التجار، أن هناك حالة من انعدام الطلب تمامًا على الدولار في السوق السوداء حاليًا، قائلًا: "البنوك تعطي أسعارًا مميزة لنا ولذا نجمع الدولار لحسابها، قمنا ببيع الدولار وعملات عربية بما قيمته عشرات الملايين من الجنيهات للبنوك".
في مسيرة الاجراءات الحكومية للحد من توحش الدولار، اصطدم البنك المركزي بقرار خطير لازالت تبعاته موجودة حتى الآن، وهو تحرير سعر صرف الجنيه في 3 نوفمبر الماضي، لينهي ربطه عند نحو 8،8 جنيه للدولار ورفع أسعار الفائدة لتحقيق الاستقرار للجنيه.
وأخذ سعر الدولار يرتفع في البنوك المصرية خلال أول ستة أيام من تحرير سعر الصرف، ثم بدأ في التراجع في 9 نوفمبر عندما خفض بنكا مصر والأهلي المصري أسعار شراء الدولار من المواطنين وتبعهما في ذلك بقية القطاع المصرفي.
لكن الأسعار عاودت الارتفاع مرة أخرى بداية من 17 نوفمبر، وحتى استقرت اليوم إلى 17،40 و17،45 للشراء و17،60 إلى 17،75 جنيه للبيع في البنوك الكبيرة.
ودخلت وزارة المالية على خط الأزمة باجراءات أخرى، من خلال أصدرها سندات ببورصة أيرلندا بقيمة 4 مليارات دولار من خلال طرح خاص لصالح البنك المركزي، إلى جانب خطة أخرى لطرح 2.5 مليار دولار في الأسواق الدولية نهاية الشهر الجاري.
وفي وقت سابق، اتخذ البنك المركزي اجراء تصعيدي للسيطرة على الارتفاع الجنوني لسعر الدولار في السوق السوداء، وتقويض بعض شركات الصرافة، من خلال سحب تراخيص أكثر من 30 شركة صرافة، وكان وقتها تخطت العملة الخضراء 11 جنيه.
وأعلن وقتها المركزي، بشن حملات يومية تفتيشية على شركات الصرافة لضبط المخالفين، وتم غلق الكثير منها بسبب تلاعبها في سوق الصرف والمضاربة على العملات الأجنبية بالسوق السوداء، وهنا وجد تجار السوق السوداء ضالتهم بالتعامل مع الدولار بهدف اقتناصه من خارج البلاد.
وهزمت السوق السوداء أيضًا تشريعات الدولة القوية، التي عمدت إليها الحكومة مؤخرًا، بفرض عقوبات بالسجن على من يبيعون العملة الأجنبية خارج القنوات الرسمية، وشمل القانون الجديد عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين مليون وخمسة ملايين جنيه.
وتلاه قرارًا آخر بإجراء بعض التعديلات على مواد قانون العقوبات الخاصة بالبنوك، لمعاقبة كل من يهرب أو يتاجر بالعملة بالحبس 5 سنوات، ومصادرة الأموال، هذا إلى جانب غرامة كبيرة لا تزيد عن 20 ألف جنيه.
وعن تلك الاجراءات، يقول الدكتور وائل النحاس، خبير أسواق المال، أنها ليس بجديدة، فقط أن البنك المركزي هو من كان يقوم بالتعامل مع السوق السوداء والمضاربين، والآن البنوك هي من تقوم بذلك الدور وتسحب الدولار من السوق السوداء.
ويوضح أن تخبط الاجراءات الحكومية للبنك المركزي دفعت إلى وجود أكثر من سعر للدولار في السوق السوداء، بالرغم من وجود موارد اقتصادية هائلة للدولة تضع يدها على نحو 14% منها، والباقي يواجه غول السوق السوداء وحده، سواء الدولار أو السلع الغذائية.
ويوضح أن التخبط في قيمة الجنيه، وسعر الصرف للدولار لن ينتهي قبل منتصف عام 2017، لأن المقبل على السوق السوداء نوعان، أما مدخر أو مستثمر، والأول سيخرج من دائرة الأزمة قريبًا، ما يؤدي لحالة من الاستقرار، يستطيع فيها البنك المركزي تلبية احتياجات طلب الدولار للمستثمرين والمستوردين والأجانب.
Comments