المحتوى الرئيسى

الانتقال الآني نحو انترنت كمومي

11/23 12:40

تُظهر هذه الصورة بلورات مستخدمة لتخزين الفوتونات المتشابكة، التي تتصرف كأنها جزء من الكل نفسه. استخدم العلماء بلورات كهذه في تجارب الانتقال الآني الكمي.

حقوق الصورة: Félix Bussières/University of Geneva

تبدو فيزياء الكم وكأنها المجال الذي يمنح العلماء قدرات خارقة، فالذين يفهمون عالم الجسيمات بالغة الصغر أو الباردة، يمكنهم أداء إنجازات مذهلة (بما فيها الانتقال الآني teleportation) الذي يبدو تحريفًا للواقع. 

العلم الكامن خلف هذه الإنجازات معقد، فهي حتى وقت قريب لم تكن موجودة خارج إعدادات المختبر. ولكنّ هذا يتغير: فقد بدأ باحثون بإجراء النقل الآني الكمي (quantum teleportation) في إطار العالم الواقعي. من الممكن أن تُحدث القدرة على ذلك ثورةً في الهواتف الحديثة والاتصالات عبر الإنترنت، مما سيؤدي إلى تراسل مشفّر عالي الأمان.

تُفصّل ورقة منشورة في Nature Photonics شارك في تأليفها مهندسون من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا في كاليفورنيا JPL، التجارب الأولى في النقل الآني الكمي في شبكة كبل ليفي مدني. للمرة الأولى، شُهدت الظاهرة عبر مسافات في البنية التحتية الفعلية للمدينة. في جامعة كالغاري في كندا، نقل باحثون الحالة الكمية لفوتون لأكثر من 3.7 ميل (6 كيلومترات) في الكابلات "المظلمة" (غير المستعملة) تحت مدينة كالغاري Calgary. وهذا رقم قياسي جديد لأطول مسافة انتقال كمي في شبكة حضرية فعلية.

قد سُجلت مسافاتٍ أطول في الماضي، إلا أنّها أجريت في إعدادات المختبر، إذ قُذفت الفوتونات عبر ملف من الكابلات لمحاكاة خسارة الإشارة الناجمة عن المسافات الطويلة. إن سلسلة التجارب الأخيرة في كالغاري اختبرت الانتقال الآني الكمي في بنية تحتية واقعية، ممثّلةً خطوة عظيمة إلى الأمام للتقنية.

ويذكر فرانشيسكو مارسيلي Francesco Marsili أحد باحثي JPL: "ينطوي إظهار التأثيرات الكمومية مثل الانتقال الآني خارج بيئة المختبر على مجموعة جديدة كلياً من التحديات. تُظهر هذه التجربة كيفية التغلب على كل هذه التحديات، وبالتالي فإنه يمثل خطوة هامة نحو الإنترنت الكمي في المستقبل". ويتابع: " تفتح الاتصالات الكمية الباب لبعض الخصائص الفريدة من نوعها لميكانيكا الكم، مثل تبادل المعلومات بأمان تام، أو ربط أجهزة الكمبيوتر الكمية ببعضها".

طوّرَ مستشعرات الفوتونات للتجربة كل من مارسيلي ومات شو Matt Shaw من مختبر الأجهزة المجهرية في JPL، مع زملاء من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا في بولدر في كولورادو. كانت خبرتهم أساسيةً في التجارب: يُطبق التشابك الكمي بالفوتونات، ويتطلّب بعضًا من المستشعرات الأكثر حساسية في العالم في سبيل معرفة ما الذي يحدث بالضبط للجسيم. 

يقول دانيال أوبلاك Daniel Oblak من معهد علم الكم والتكنولوجيا التابع لجامعة كالغاري: "إن منصة الكاشف فائق التوصيل التي قد ابتكرها باحثو JPL وNIST تجعل من الممكن كشف الفوتونات المنفردة في الأطوال الموجية للاتصالات عن بعد بفعاليةٍ قريبة من الكمال وتشويشٍ شبه معدوم. هذا ببساطة لم يكن ممكنًا بأنماط الكواشف السابقة، إذ سيكون القيام بالتجارب المشابهة لتجربتنا التي تستخدم أليافَ بنية تحتية قائمة مستحيلًا تقريبًا لولا كواشف JPL".

رسائل إلكترونية أكثر أمانًا باستخدام فيزياء الكم

تتقلص إلى مستوى الفوتون، وتبدأ الفيزياء باللعب مستخدمة قواعد شاذة. يمكن للعلماء الذين يفهمون هذه القواعد "شبك" جسيمين كي ترتبط خصائصهما. التشابك هو مفهوم محيّر للعقل، من الممكن فيه لجسيمين بسمات وحالات مختلفة أن يرتبطا ببعضهما عبر الفضاء. ذلك يعني أنّ أي شيء يؤثر في حالة أحد الجسيمين سيؤثر في الآخر، حتى لو كانا بعيدين عن بعضهما مسافة أميال. 

هنا يأتي الانتقال الآني. تصوّر أن لديك جسيمين متشابكين ولنطلق عليهما فوتون 1 وفوتون 2 وأُرسل فوتون 2 إلى مكان بعيد، وهناك يلتقي بفوتون 3 ويتفاعلان مع بعضهما. من الممكن أن تتحول حالة فوتون 3 إلى فوتون 2 وتلقائيًا "تنتقل آنياً" إلى التوأم المتشابك معه وهو فوتون 1. يحدث هذا الانتقال غير المادي رغم حقيقة أن فوتون 1 وفوتون 3 لا يتفاعلان بتاتاً. 

يمكن استخدام هذه الصفة لتبادل الرسائل السرية بأمان. إذا تشارك شخصان بزوج متشابك من الفوتونات، يمكن نقل المعلومات الكمية بأسلوب لا مادي، تاركين المتلصص بلا أي شيء ليعترضه وبالتالي غير قادر على قراءة الرسالة السرية.

الانتقال الآني يعني قطع المسافة 

يذكر مارسيلي بأنّه يجري اختبار هذا النظام من الاتصالات الآمنة للغاية في عدد من المجالات، بما في ذلك الصناعات والوكالات مثل وكالة ناسا التي ترغب في حماية إشارات البيانات الفضائية. تمثل كواشف الفوتون المنفرد فائقة التوصيل التي طورها مارسيلي وشو وزملائهم في NIST أداة رئيسية للقيام بذلك، بسبب أن إرسال الفوتونات عبر مسافات طويلة سيؤدي حتما إلى "خسارة" للإشارة. حتى عند استخدام الليزر في الفضاء، يتبعثر الضوء كلما زادت المسافة، مما يسبب إضعاف قوة الإشارة المراد نقلها.

والخطوة التالية هي بناء مكررات (repeaters) التي يمكن أن تنقل حالة الفوتون من موقع إلى آخر. كما تستخدم المكررات لتحمل إشارات الاتصالات الأخرى عبر مسافات طويلة، يمكن أن تستخدم للانتقال الآني للفوتونات المتشابكة (entangled photons) كذلك. إنّ أجهزة الكشف عن الفوتون فائقة الحساسية تسمح للمكررات بإرسال الفوتونات المتشابكة في جميع أنحاء البلاد. أما بالنسبة للاتصالات المتعلقة بالفضاء، فإن المكررات لن تكون ضرورية مطلقاً، إذ يمكن أن تطلق الفوتونات إلى الفضاء باستخدام أشعة الليزر، ثم تتنقل حالات الفوتون آنياً من الأرض. 

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل