المحتوى الرئيسى

غياب الأيديولوجيات الكبرى وتكريس الفكر البراجماتي النفعي

11/23 09:56

ترامب رجل بلا أيديولوجيا.. تبدو هذه العبارة وصفا يدين أي سياسى، لكن صحيفة الفينانشيال تايمز، رأت أن هذا أهم ما يميز الرئيس الأمريكى المنتخب. وأشارت إلى أن الرئيس الجديد يجب النظر إليه على أنه مستثمر براجماتى يفهم الحوافز الاقتصادية أفضل من أى رئيس دولة فى التاريخ الحديث.

بحسب الصحيفة البريطانية المهمة، فترامب نوع مختلف من القادة لا تتحكم فيه الأيديولوجيات، ولا يفكر كالسياسيين، ولا يتحدث أو ينافق فى الأخلاق مثل الجميع، الأمر الذى جعله هدفا سهلا للشيطنة، لكنه شخص عطوف يعرف جيدا آلام الطبقة الوسطى فى أمريكا، والأكثر أهمية أنه ليس بمتعصب لمواقف سياسية محددة.

تقول الصحيفة إن ترامب بهذه الكيفية سيعالج المشاكل الرئيسية التى تواجه الاقتصاد الأمريكى وهى الضرائب الضارة، والصفقات التجارية غير العادلة، والضوابط المبالغ فيها. وأوضحت أن الاقتصاد الأمريكى عانى بشدة وتضخمت المديونية العامة، خلال الأعوام الـ16 الماضية بسبب فشل الأيديولوجيين فى الحزبين الرئيسيين بأمريكا الذين يفكرون وفقا للواقع الموجود، أما رجال الأعمال مثل ترامب، فيفكرون وفق ما سيكون وسينجح فى الخروج من أزمة الديون الخانقة وتحقيق ازدهار اقتصادى بنسب عالية.

لكن بعيدا عن هذا الإطراء من جانب الصحيفة الاقتصادية الأبرز فى بريطانيا، إلا أن ترامب يعكس إفرازا طبيعيا لفكرة نهاية التاريخ التى تحدث عنها فوكوياما.

الفكرة تتحدث عن دولة رفاه يتوقف عندها الجدل بين اليمين واليسار، وينتهى عصر الأيديولوجيا فى السياسة، لندخل عصر دولة المديرين، حيث الدولة شركة كبيرة، والسياسيون هم موظفوها ومديروها، والسياسة هى عملية حسابية لضبط مجموعة من المعادلات الرياضية الصارمة. وبدلا من البحث عن الإشباع فى الحماسة الأيديولوجية والشعور بالانتماء والدفاع عن القيم، صار الإشباع الافتراضى لكل ذلك منافسًا لتلك الممارسات المادية.

وأدى التحول الافتراضى إلى نشأة قطاعات خدمية جديدة كشركات البرمجة والإنترنت والإنتاج الفنى والإعلامى، وكلها قطاعات اقتصادية غير إنتاجية بالمعنى المادى الكلاسيكى لكلمة الإنتاج المرتبط بعالم الصناعة والسلع المادية. كما أدى إلى التوسع فى الاقتصاد القائم على توليد الربح عبر التجارة بالمال دون الدخول فى عملية إنتاجية حقيقية، كما فى أسواق المال والبورصات.

وانعكست أيضا تلك التحولات الاقتصادية لترسخ حالة الإفلاس الأيديولوجى فى عالم السياسة.

فى هذه الأجواء، ذهب الناخب الأمريكى إلى صندوق الاقتراع ليختار واحدا من المرشحين الأبغض له منذ عقود طويلة. يفهم الناخب الأمريكى أن كلا من ترامب وكلينتون، المرشحين للرئاسة الأبغض له مقارنة بسابقيهم، ليس إلا ترسا جديدا يضاف إلى منظومة آلية عمياء تحكم السياسة فى عصر الديمقراطية الليبرالية. وبهذا ذهبت الأيديولوجيا وذهب معها معنى السياسة، الرؤى الكبرى، والقيم والغايات النبيلة، والنضال والجدوى، والتناقضات التى تعطى الديمقراطية الحياة والمعنى، ونشأ عالم مفلس لا ينتج إلا أمثال ترامب وكلينتون.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل