المحتوى الرئيسى

هل يحقق فيلم "وحوش مذهلة" نجاحا لكاتبته صاحبة هاري بوتر؟

11/23 04:24

هل يحقق فيلم "وحوش مذهلة" نجاحا لكاتبته صاحبة هاري بوتر؟

23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016

Image copyright Warner Bros Image caption هل تنجح رولينغ في فيلم "وحوش مذهلة وأين تجدها" الذي كتبت له السيناريو؟

تستهل المؤلفة جيه كيه رولينغ مسيرتها ككاتبة سيناريو بالعودة إلى عالم السحرة والعرافين، من خلال قصة تدور أحداثها في عشرينيات القرن الماضي، وتشكل تمهيداً لأحداث سلسلة "هاري بوتر" التي عُرفت بها رولينغ. لكن هل يكتسي العمل بطابع ساحر بالفعل؟ الناقد السينمائي نيكولاس باربر يعرض لنا رؤيته.

فأحداث أول عمل لـ"رولينغ" ككاتبة سيناريو تدور في عالم الخزعبلات والخدع نفسه، الذي يشهد مغامرات هاري بوتر، ولكن مسرحها هو مدينة نيويورك عام 1926، أي على بعد آلاف الكيلومترات وقبل عشرات السنوات من الحقبة التي يُفترض أن بوتر التحق فيها بمدرسة "هوغوورتس" للسحر والشعوذة.

وبفرحة وبهجة طلاب مدرسةٍ مُنحوا للتو فرصة بدء عطلتهم الصيفية، يرتع صناع الفيلم - وخاصة رولينغ والمخرج دافيد ييتس ومصمم المشاهد والمسؤول عنها ستيورات كرَيغ - في أنحاء مسرح الأحداث غير المألوف هذا.

فبعد تحررهم من الأردية السوداء والبقاء في الردهات المُشيّدة على الطراز القوطي والتي تغشاها الظلال، يبهرنا هؤلاء بناطحات السحاب البراقة وصرعات أزياء النساء المتلألئة، والوحوش الأسطورية، والأبعاد الأخرى المغايرة لبعدنا الذي نعيش فيه.

ويمكن هنا الاستعانة بأغنية للمغني والممثل وكاتب الأغنيات الأمريكي أليس كوبر (الذي اعتاد الزعم بأنه أخذ اسمه من اسم أحد السحرة)، يقول فيها إن عهد المدرسة قد ولى للأبد.

ورغم أن مسرح الأحداث الجديد يصطبغ بطابع مبهج كذاك الذي يكسو أي صور أو أصوات جديدة، فسرعان ما يبدو أن رولينغ وزملاءها لا يستمتعون تقريباً بانتقالهم بعيداً عن البيئة المألوفة لقصص هاري بوتر.

فمن بين أوجه القصور البارزة في الأجزاء اللاحقة من سلسلة أفلام "هاري بوتر"، كونها مكتظة بالعديد من الشخصيات والأحداث الواردة في القصص المستوحاة منها، والتي تزداد صفحاتها جزءاً تلو الآخر.

ويشكل ذلك كله إرباكاً لأي مشاهد لا يحفظ أحداث قصص "بوتر" عن ظهر قلب. ومن المحبط قليلاً في فيلمنا الجديد أنه يعاني من المشكلة نفسها رغم أنه غير مستوحى من عمل روائي. فالخيال الخصب لـ"رولينغ" لا يسمح للقصة بأن تكتسب زخمها، إذ أن المؤلفة تدأب على الزج بشخصيات ثانوية وتفاصيل لا علاقة لها بالسياق الدرامي في مسار الأحداث.

على أي حال، تشكل شخصية نيوت سكاماندر الشخصية الرئيسية في الفيلم ولو من الناحية النظرية، ويجسدها الممثل آدي ريدماين. وسكاماندر، بحسب الأحداث، هو ساحر بريطاني يعاني من الارتباك والتلعثم، ويبدو كما لو كان يَمُتُ بصلة قرابة بعيدة إلى الشخصية الرئيسية في مسلسل الخيال العلمي "دكتور هو".

Image copyright Getty Images Image caption الممثل آدي ريدماين يجسد شخصية نيوت سكاماندر

فبمعطفه ورابطة عنقه التي تتخذ شكل فراشة، يزور هذا الرجل نيويورك حاملاً حقيبة تبدو أشبه بالمركبة السحرية "تارديس"، التي كان يستقلها بطل مسلسل "دكتور هو".

وتحتوي الحقيبة على سائر المخلوقات الغريبة والرائعة التي جمعها سكاماندر خلال أسفاره بدءاً بالثعابين الطائرة وصولاً إلى النسور ذات الأجنحة الأربعة، مروراً بعدد من كائنات "خلد الماء" صيادة الكنوز والثروات، وحيوانات وحيد القرن العملاقة التي تتوهج وتخفق وترتجف بشكل مثيرٍ للقلق عندما تشم رائحة شريك تزاوج محتمل.

وفي أدائه لدور هذا الساحر الخجول، يحاول ريدماين تجسيده على أنه يسعى دائماً إلى التواري خلف مظهره الخارجي الثري والمترف، إذ يحاول - وفقاً للأحداث - أن ينطوي على نفسه. ولكن لا يتسنى له أن ينعم بذلك سوى لبضع ساعات عقب وصوله إلى مانهاتن؛ فحقائبه تتبدل بشكل غير مقصود مع حقائب إنسان عادي يفتقر لأي قدرات سحرية ولم يُولد لعائلة من السحرة، كما باقي أبطال أعمال رولينغ.

ويُدعى هذا الرجل جيكوب كفالسكي (ويجسد شخصيته الممثل المحبوب اللطيف دان فوغلر). وعندما يفتح كفالسكي الحقيبة، ينفلت منها العديد من الحيوانات المسحورة، في دغل يقع بمنطقة حضرية.

لكن فرار هذه المخلوقات يأتي في توقيتٍ غير ملائم بشكل خاص، إذ يتزامن مع ما يبدو وأنه شقاقٌ محتدمٌ للغاية بالفعل بين السحرة والعرافين من جهة والبشر الفانين من جهة أخرى، إلى حدٍ ينذر باندلاع الحرب بينهما في أي وقت. المشكلة أن مثل هذه الفرضية لا تصمد أمام من يمعن النظر فيها.

فكيف يمكن أن يحدث خلاف مثل هذا، إذا ما كان البشر العاديون لا يعلمون من الأصل بوجود فئة أخرى تتمتع بقدرات سحرية وتنحدر من أسلاف سحرة، كتلك الفئة التي تتصور رولينغ وجودها في أعمالها؟

فضلاً عن ذلك، لِمَ يكترث هؤلاء السحرة والمشعوذون من الأصل بالفئة المناوئة لهم من البشر الفانين، بالنظر إلى أنهم موجودون بالآلاف في مختلف أنحاء العالم ويشكلون تجمعاً موفور الموارد وشديد التنظيم؟

فالأمر هنا يختلف عن سلسلة أفلام "إكس مِن" (الرجال إكس) التي لا تشكل فيه الكائنات المتحورة سوى حفنة من الدخلاء الغرباء مرهوبي الجانب. كما انه يختلف حتى عن سلسلة "مِن إن بلاك" (الرجال ذوو السترات السوداء)، والتي يراقب خلالها البشر كائنات فضائية هاجرت إلى الأرض.

وهنا يمكن القول إن الحديث عن صراعٍ مفترض بين السحرة والعرافين من جهة ومن لا يتمتعون بقدرات سحرية من جهة أخرى، لا يصلح لأن يشكل أسلوباً مجازياً لتناول مسألة انقسام المجتمع بفعل الإجحاف والتحيز.

لكن الفيلم لا يفسح لك المجال لأن تفكر طويلاً في أيٍ من هذه الأشياء. فمن أجل الإمساك بهذه الحيوانات الرائعة قبل أن تسبب أي متاعب، يشكل سكاماندر فريقا مع "تينا" الشرطية الجادة التي تتمتع بقدرات سحرية (تجسد شخصيتها الممثلة كاثرين ووترستون) وشقيقتها كويني، وهي شقراء شديدة الجاذبية لا تكف عن التنفس بصوت لاهث وتستطيع كذلك قراءة الأفكار (تؤدي دورها المغنية وكاتبة الأغنيات أليسون سودل).

كما تضفي كويني تألقا وبريقاً غير معتادين على حياة جيكوب البدين. ومنذ علاقة الحب التي نشأت في إطار روايات رولينغ بين شخصيتيّ رون ويسلي وهرماياني غرانجير، لم يتعلق رجل بساحرة تختلف عنه اختلافاً بيناً، كما فعل جيكوب مع كويني.

Image copyright Getty Images Image caption تمكنت جيه كيه رولينغ من تحقيق نجاح كبير من خلال سلسلة روايات "هاري بوتر" الشهيرة

وعندما يجوب الاثنان متعجلين أنحاء نيويورك، من حديقة الحيوانات الصغيرة الموجودة في متنزه "سنترال بارك" إلى حانةٍ للغيلان بالمدينة، يغدو الفيلم أشبه برقصة محمومة بشدة، ومخيفة في بعض الأحيان، وتتوهج في الوقت نفسه بالرومانسية والروعة والفكاهة الرائقة البارعة.

غير أن رحلة مطاردة سكاماندر لوحوشه الهاربة ليست سوى خيطٍ واحد من الخيوط المتعددة لحبكة الفيلم، الذي يحتشد بالكثير والكثير من الأحداث الأخرى، إلى حدٍ ينسيك في أغلب الأحيان كل ما يتعلق بـ"الوحوش المذهلة" التي أخذ العمل اسمه منها.

فهناك اجتماعاتٌ تُعقد في مقرٍ لما يبدو نظيراً أمريكياً لوزارة السحر التي يرد ذكرها في أجزاء "هاري بوتر"، وهو مقر يحفل بتجهيزات بدائية وآلاتٍ تعمل بالبخار. ونجد هناك آلاتٍ كاتبةً تطقطق مفاتيحها من تلقاء نفسها، ومصاعد يشغلها عفاريت صغيرة الحجم عابسة على الدوام (وهي الأقلية المضطهدة بحق في هذا الفيلم).

ويتضمن العمل أيضاً شخصية مبشرة إنجيلية متزمتة مناهضة للسحر والسحرة (تجسد دورها سامنثا مورتِن) ومعها ابن بالتبني يلقى معاملة سيئة (يؤدي شخصيته إزرا ميللر).

ومن بين الشخصيات أيضاً، وريثٌ لأحد المليونيرات ذو طموحاتٍ رئاسية (يقوم بدوره جوش كاودري)، وهي شخصية لا غرض منها سوى إغراء المشاهدين بعقد مقارنات بينها وبين الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.

وإلى جانب كل هؤلاء، نجد برسيفال غرايفز (يجسد شخصيته كولين فارِل)، وهو قائد شرطة ذو قدرات سحرية، يبدو مختالاً وبارداً بشدة بما لا يتسق مع شخصية تحمل اسم برسيفال، الذي يُعرف في الأساطير الإنجليزية بأنه كان أحد فرسان المائدة المستديرة للملك آرثر.

ولكن ذلك لا يعني البتة إنكار أننا نشاهد فيلماً بديعاً من حيث الصنعة الفنية. ففي كل مشهد من مشاهده تقريباً؛ ملمح مصمم على نحو بديع وحاذق ومبتكر، لحملك على أن تشهق إزاءه من فرط الإعجاب.

كما أن كل الصخب الذي يتضمنه العمل بشأن القدرات الخارقة التي يتمتع بها الكثير من أبطاله، يُعزز وتترسخ أركانه، بفعل الرسالة الداعية للتسامح التي تبثها رولينغ بصدق من خلاله.

ولكن ذلك كله يأتي على حساب الأبطال المفترضين: سكاماندر غريب الأطوار، وجيكوب صاحب الشخصية الدافئة والمُحببة، وتينا الجسورة، وكويني البريئة ذات العينين الواسعتين.

فمن المحبط، أن نجد مسار الأحداث يبتعد عن هؤلاء الأبطال كل دقيقتين تقريباً بهدف تتبع ما يجري لشخصيات أخرى.

كما يبدو من المزعج أن العمل لا يستفيد من الكثير من شخصياته على النحو الأمثل. وبحلول الوقت الذي يبلغ الفيلم ذروته، تلك التي يتجاوز فيها تلك الذرى التي تصل إليها أفلام "مارفل"، وتظهر فيها المدينة وقد دُمرت بفعل تأثيرات بصرية، يبدو واضحاً أنه كان من الممكن حذف شخصيتيّ جيكوب وكويني دون أن يؤثر ذلك على المحور الرئيسي للأحداث.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل