المحتوى الرئيسى

الإمام محمد عبده.. لا كرامة لـ«رائد التنوير» في أرضه!!

11/22 23:28

بكى الشرق فارتجت له الأرض رجة.. وضاقت عيون الكون بالعبرات  ففي الهند محزون وفي اليمن جازع.. وفي مصر باكٍ دائم الحسرات

وفي الشام مفجوع وفي الفرس نادب .. وفي تونس ما شئت من زفرات

بكى عالم الإسلام عالم عصره.. سراج الدياجي هادم الشبهات

لم يكن الإمام الجليل محمد عبده الذي رثاه تلميذه  شاعر النيل العظيم حافظ إبراهيم هذا الرثاء المبكي.. ان القبر الذي سيحتضن رفاته سيتحول بمرور السنين الى «مقلب قمامة» فالإمام الملقب برائد التنوير والاصلاح. بل ومارتن لوثر الشرق. منح خلاصة علمه وفلسفته المضيئة لهذا الوطن وأبنائه ، بل امتدت أنوار علومه الى البلدان العربية والاسلامية جميعا.. صحيح ان القبور لا تميز بين أعلم العلماء وأجهل الجهلاء فالكل يواريه الثرى. لكن ليس من المقبول ان نترك قبر الرجل للعابثين  يبولون على جدرانه ففي هذا انتهاك  لحرمة الموتي أيا كانت مكانتهم.. زرنا قبر العالم رحمه الله والكائن بمنطقة مقابر صلاح سالم وعلى بعد مسافة قليلة من الأزهر الشريف الذي انشغل الرجل سنوات طويلة من عمره لاصلاح ما شاب طرق التدريس فيه معليا مبدأ ان الاسلام يصلح لكل زمان ومكان لكنه في نفس الوقت اكد في غير صدام للثوابت فصل الدين عن الدولة.

حال القبر «لا يسر؛ لما وجدناه عليه من اهمال ، فأكوام القمامة بجواره جعلته مرتعا للحشرات والحيوانات.. بالمصادفة قابلنا عثمان صابر وهو طالب بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الذي أبدى استياءً شديدا من الوضع المحيط  بقبر رائد التنوير الامام محمد عبده قائلا: «لقد صدق قول الرجل عندما سافر فرنسا فقال مقولته الأشهر «رأيت إسلاما بلا مسلمين ومسلمين بلا إسلام» وتساءل الشاب هل هذا جزاء الرجل  الذي أعطى عمره كله من اجل انارة الطريق لتبديد ظلام الجهل.. وأضاف: سمعت ان الحكومة كانت مهتمة بالقبر وتحرص على ابقاء المنطقة نظيفة أيام كان  الشيخ علي جمعة وبعض الشخصيات الاسلامية من جميع انحاء العالم يزورنه بشكل منتظم. اما ما دون ذلك فالقبر مهمل رغم انه يعد اثرا ورغم انفاق 100 ألف جنيه على تطوير المقبرة، هذا ما فعلته الحكومة  ايام الدكتور نظيف مع مدفن الإمام محمد عبده الواقع في منطقة المدافن بشارع صلاح سالم وأمام دار الافتاء وتحديدا في شارع محمد عبده ، فهل يعقل  ان يوجد الإمام وزوجته وأهل بيته في مدفن تحيط به «الزبالة» ومعه  في نفس القبر الشيخ محمد رشيد رضا علامة الإسلام ومؤسس جريدة «المنار» الشهيرة.. والشيخ عبدالرؤوف اسماعيل من كبار العلماء. وعلى الجانب المقابل تجد مدافن وزير داخلية الملك فاروق أحمد باشا خيري وزوجاته الأربع، لكن لا تجد أمام مدفنه «ورقة واحدة» لأن أحفاده على قيد الحياة.. وتوالت الحكومات والانظمة وقبر محمد عبده من سيئ الى أسوأ.

سرنا في الشارع نحاول استحضار هيبة ومكانة العلماء الاجلاء في نهاية هذا الشارع  الموجود به القبر يقع مسجد القائد قايتباي، أعدل سلاطين المماليك، ويأتي إليه السياح، وللأسف الشديد يتوقف السياح عند مدفن الإمام ويقومون بتصويره وهو محاط بالقمامة مما ينقل صورة سيئة عن عدم تقدير مصر لعلمائها.

والحقيقة أن الإمام محمد عبده لم يدخر وسعا في خدمة دينه ووطنه وهذه شهادة التاريخ وتلامذته ، فالرجل الذي قاد حركة التنوير وأنشأ مع جمال الدين الافغاني جريدة العروة الوثقى. صاحب «رسالة التوحيد» ومؤلفات اخرى عديدة أثرت المكتبة العربية بكنوز ولآلئ مثل تحقيق وشرح البصائر للطوسي. وأسرار البلاغة للجرجاني كان انشغل كثيرا بالرد على المستشرقين في مؤلفات  مثل الاسلام والنصرانية بين العلم والمدنية واهتم باللغة والترجمة واصلاح المحاكم الشرعية وشرح مقامات بديع الزمان الهمذاني. ومن تلامذته شاعر النيل حافظ ابراهيم الذي قال مرثيته راسمًا فيها صورة صادقة جياشة لشخصية العالم المخلص، وقد أدار حافظ قصيدته على محاور تقوى الإمام وصبره على ما ابتلي به من أذى الحاقدين وموقفه التاريخي في دحض أباطيل المستشرقين وتفسيره للقرآن الكريم والشيخ الشهيد عز الدين القسام والذي كان أول من نادى بالثورة على الإنجليز والصهاينة وتحرير فلسطين من بين أيديهم. وكذلك شيخ الأزهر مصطفى المراغي وشيخ العروبة محمد محيي عبدالحميد، والزعيم سعد زغلول، ومحرر المرأة قاسم أمين، بل انه صاحب صياغة كتابه الأشهر ومن تلامذة الإمام أيضا عميد الأدب العربي طه حسين، كما أسس محمد عبده جمعية إحياء العلوم العربية التي نشرت العديد من المؤلفات وحققت الكثير من أمهات الكتب.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل