المحتوى الرئيسى

إزي الصحة؟

11/22 18:10

طريق جدة – المدينة المنورة – تصوير: إبراهيم بهاء الدين

بعد انتقالي لمدينة جديدة صاخبة، وبقدر صخبها يكون بؤس قاطنيها، حاولت فهم مدى اختلافهم عن قريتي الصغيرة. شمل هذا الاختلاف جوانب كثيرة، منها اختلاف المبادئ صغيرها وكبيرها، واختلاف الأولويات، فمثلًا، أنا رجل بسيط، لم ألتفت للفت نظر الناس قط، لكنهم هنا، لا يلتفتون إلا لذاك، حذاء هذا وساعة هذه ووشاح تلك.

تعرفت على آدم، شاب طموح يعمل في أحدى الشركات الكبرى للإستثمارات، ذو منصب مرموق، يحترمه كل من عرفه. كان آدم من أصل قرويّ، لذلك أحببته، رأيت فيه بساطة أهل القرى، وشغف أهل المُعَمّرة. ساعدني على استئجار شقة صغيرة لي ولأسرتي، وعرفني كيف أجد ما أحتاجه وقتما أحتاجه.

توطدت علاقتي بآدم كثيرًا، وصار هو ملجأي الوحيد للتكلم التنفيث، كما صرت. إلا أنه انقطع فجأة عن التواصل، وغاب كثيرًا، مدة تزيد عن ٤ أشهر. ذهبت إلى شقته، وطرقت الباب، حتى فتح لي هو وقد شحب لونه، وضعف جسده. حاول أن يتهرب مني مبررًا أنه حاول الإتصال مرارًا لكن هاتفي لم يكن بالخدمة، لكني علمت أنه ما به شيء عظيم. سألته مكررًا “ماذا بك؟ لماذا ابتعدت فجأة عن جميع من حولك؟ من يحبونك؟”، قال لي “إني فيي علة، أخاف أن أحدّث بها فينفر مني الناس، أو ينعتوني بالمجنون أو المختل، أو أن يحاولوا مساعدتي بحيَّلٍ لا تنفع. أخاف من أن يخافني أولادي، أو أن يحرجوا من كوني أبيهم.”، فقلت له “هون على نفسك، قل لي ما بك؟”، قال “بعض الزكام.”. لم يكمل جملته حتى انفجرت ضاحكًا من دهشتي، وتعجبت منه قائلًا “زكام؟ هل أنت جاد؟ هل هذا السبب في كل ما أنت فيه؟ أنا حقًا غريب.”. ظللت أضحك حتى غضب مني وقال “أتضحك على مصيبتي! هذا السر لا يجب أن يعرف به أي مخلوق.”. فقلت له “أيًا كان، يجب أن تبدأ بأخذ دواء لهذا الزكام.” فكان رده “أأنت مجنون، ماذا إن فضح أمري أو رأني أحد وأنا ذاهب للصيدلية!”.

أرى تعابير وجهك المشوشة أيها القارىء، من المرجح أنك لا تدرك المغذى مما قرأته، أنا أفعل تمامًا ما تفعله، لا أدرك المغذى من رفض شخص ما العلاج، أيًا كان مرضه، وأيًا كان مدى تدهور حالته.

المريض النفسي هو تمامًا كأي مريض، لا عيب في المرض النفسي ولا عار، بل كل العيب والعار في رفض العلاج والتهرب، كل العيب والعار في معايرة المجتمع لصاحب المرض النفسي، والنفور منه، ومحاولة اقناعه بأساليب علاج غير مجدية.

مدوِّن مصري مهتم بالكتابة حول الشأن الاجتماعي والسياسي المصري.

شوراع مصر هي شبكة اخبارية اعلامية مصرية شابة و مستقلة تهدف اساسا الي امداد القاريء بتصورات بديلة و مختلفة للاحداث في مصر و الشرق الاوسط , و لخلق منصات للتواصل الاجتماعي بين القراء لاستكشاف و مناقشة القضايا المختلفة التي تؤثر علي المنطقة . و شوارع مصر باللغة العربية تاتي تحت مظلة شبكة اعلامية تضم باللغة الانجليزية كل من شوارع مصر و شوارع لبنان و اخيرا شوارع اللاجئين. و تعد تلك الشبكة مصدرا موثوقا لعدد كبير من وسائل الاعلام العالمية نظرا لما تتمتع به من مصداقية و استقلالية اضافة الي تميزها من جيث تواصلها الدائم و المباشر مع قرائها من مختلف الاتجاهات و الجنسيات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل