المحتوى الرئيسى

هل انتهت صلاحية مشروعك الإصلاحي؟.. كيف يمكن تحديد العمر الافتراضي للحركات؟

11/22 16:23

لا تحتاج مسألة أهمية التراكم التاريخي في المسار الفكري الإصلاحي في حياة المجتمعات إلى كثير جدل، فالأفكار والمشاريع الفكرية لا تولد من العدم، بل تأتي في سياق تفاعل ما مع الأفكار والمشاريع المعايشة لها، سواء كان هذا التفاعل بالمتابعة والتطوير أو الاستدراك والتعديل أو حتى المخالفة والمواجهة، وهذا ما يمثل في حد ذاته إثراءً للذاكرة التاريخية والوعي الفكري لهذه المجتمعات.

ولكن ربما ما يحتاج إلى نقاش هو كيف ومتى يفقد المشروع الإصلاحي صلاحيته التاريخية، بحيث يصبح لازماً على الناشطين والمصلحين الفاعلين في الزمن الراهن أن يقوموا "بأرشفته" وتناوله كدراسة حالة، عوضاً عن تبنيه كبرنامج عمل؟!

وللإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى أن نتفق أولاً على فكرتين محوريتين:

أولاً: أن الأفكار والمشاريع الإصلاحية تنشأ على الأغلب استجابة لتحديات معاصرة، وأنها تعيد إنتاج المقولات الدينية والموروثات الفكرية بصيغ وأولويات تتلاءم مع هذه التحديات.

ثانياً: أن عدم إدراك أن فاعلية وملاءمة هذه المشاريع الإصلاحية يرتبط باستمرار الظروف والتحديات التي أفرزتها يجعل من هذه الأفكار والمشاريع عبئاً على المجتمعات (بدلاً من أن تكون إثراء لتجربتها الحضارية)، فتتحول كما ذكر مالك بن نبي إلى "أفكار ميتة" غير قادرة على الإحياء والإلهام.

وهنا تأتي إشكالية تناولنا للمشاريع والأفكار الإصلاحية، فهي عادة ما تُرى على أنها مشاريع "مجردة" لا سياق لها، وبالتالي يظن المتبنون والمناصرون لها أنها "صالحة لكل زمان ومكان"، في خلط صريح بين المرجعيات والقيم العليا والمجردة وبين المشاريع الفكرية والإصلاحية المستندة إليها.

وبدون هاتين الفكرتين سيصبح من العسير فهم التباين في منهجيات وأولويات المشاريع الإصلاحية المختلفة، فعلى سبيل المثال الحركة الإصلاحية السلفية في القرن الثامن عشر (الحركة الوهابية نموذجاً) كان من الطبيعي أن يكون اهتمامها بمسائل تنقية العقيدة والعبادات من الانحرافات والبدع، لأن هذا كان هو التحدي المحفز لها من البداية، وكان منطقياً وهي الدعوة التي بدأت في منطقة منعزلة إلى حد كبير في الجزيرة العربية ألا تولي اهتماماً لمسألة مثل التخلف الحضاري أو التحديث السياسي، وهي المسألة التي شغلت الجيل الثاني من الإصلاحيين مثل الطهطاوي، الذي احتك بالحضارة الأوروبية بشكل مكثف، وصارت مسألة التمدن واستعادة الفاعلية الحضارية هي المسألة الشاغلة له.

وكذلك يمكن أن نفهم لماذا لم يكن رفاعة الطهطاوي خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر محتقناً من الغرب كاحتقان جمال الدين الأفغاني في ستينيات وسبعينيات القرن ذاته، لأنه ببساطة لم يكن خطر المشروع الاستعماري قد تبلور بشكله الصارخ والمقلق في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بل حتى الحملتان الفرنسية ثم الإنكليزية على مصر عامي 1798 و1807م قد منيت كل منهما بالهزيمة، ثم نشأت في أعقابهما دولة محمد علي الفتية التي كانت تعكس إمكانية التجديد واستعادة الفاعلية السياسية والتوازن أمام القوة الأوروبية المتنامية.

لكن أيضا من دون هاتين الفكرتين لن ندرك جانباً من أسباب تعثُّر المشاريع الإصلاحية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فإذا كان هاجس الإصلاح العقدي السلفي هو المهيمن على الحركة الوهابية في نجد في القرن الثامن عشر، فإنه لم يعد هو التهديد، أو الأولوية الأهم لا في الجزيرة العربية ولا في الدول الإسلامية الأخرى، التي تعاني من أزمات أكثر إلحاحاً وخطورة، وإذا كان هدف إنقاذ الخلافة الإسلامية أو استعادتها بعد السقوط هو هاجس الإصلاحيين الإسلاميين مثل الأفغاني أو حسن البنا، في مقابل مشاريع التجزئة القومية والقُطْرية، فإن الوضع الآن ليس تخييراً بين الكيان الجامع للخلافة أو التجزئة القُطْرية والوطنية، بل بين استنقاذ هذه الأخيرة والإبقاء عليها، أو السقوط في دوامة التفتيت والفوضى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل