المحتوى الرئيسى

مسؤولية الإعـلام | المصري اليوم

11/22 00:50

أعتقد أن مسؤولية وسائل الإعلام تجاه ذلك العبط الثقافى والهبل الفكرى، الذى يشهده المجتمع حالياً، يجب أن تكون على المستوى المأمول من حيث ترشيد الإسفاف والهزل الحاصل الآن فى استضافة هؤلاء الذين يزدرون الأديان، وبخاصة من حصلوا على أحكام قضائية نهائية بالإدانة، وأولئك الذين يدَّعون النبوة والألوهية، وغيرهم من الموتورين الذين أصبحوا يسيئون للدين والمجتمع فى آن واحد.

لا يمكن بأى حال الاستمرار فى صناعة نجوم فارغة الشكل والمضمون، بما يشير إلى أن المجتمع أصبح يعانى من حالة اهتراء على كل المستويات الثقافية والفكرية بصفة خاصة، امتداداً لتلك الحالة المضطربة سياسياً واقتصادياً، وكأن الفضائيات كما الصحف، أصبحت تعانى حالة إفلاس منقطعة النظير، تبحث فى طياتها عما يحقق الإثارة واللغط، حتى لو كان ذلك على حساب المضمون، بما يؤدى إلى تخريب العقل المصرى، الذى أصبح يعانى حالة اضطراب حقيقية، نتيجة ذلك الهوس متعدد الوجوه والأشكال.

وفى الوقت الذى كان يجب أن ننحاز فيه لحرية الرأى والتعبير، كان يجب أيضاً التمييز بين هؤلاء الذين اتخذوا من الإساءة للدين وسيلة للشهرة وتحقيق مآرب غامضة، وبين مفكرين حقيقيين كنا ننتظر برامجهم التليفزيونية ومقالاتهم أسابيع وشهورا، أمثال الدكتور مصطفى محمود، والشيخ محمد متولى الشعراوى، والأستاذ محمد حسنين هيكل- رحمهم الله- وهو ما يؤكد أن الأوضاع الثقافية لدينا قد انحدرت إلى الحد الذى ساهمت فيه وسائل الإعلام بالنصيب الأكبر، حينما أفردت للمدعين والسِفلة مساحات واسعة، كانت نتيجتها ذلك العبث الحاصل الآن.

الغريب أننا أصبحنا نطلق على مزدرى الأديان مفكرين، وأصبحنا نطلق على مدعى النبوة مثقفين، وأصبحنا نرى التطاول على العقائد بما لا يجوز حرية رأى، والخوض فى الصحابة والأحاديث النبوية بما لا يليق حرية تعبير، وهو الأمر الذى جعل من الساحة الدينية سداحاً مداحاً، انشغلت معه ساحات القضاء بالعديد من القضايا، لكنها فيما يبدو لم تحقق الردع لهؤلاء الذين اعتبروا أنفسهم أوصياء على المجتمع، يتوعدونه بمزيد من التهريج، فى الوقت الذى استكانت فيه الجهات الرسمية الدينية أمام ما يجرى، لأسباب سياسية فى معظم الأحوال.

هى أولاً وأخيراً مسؤولية وسائل الإعلام، التى يجب أن تبدأ صفحة جديدة، من خلال ميثاق شرف خاص بضمائرها، فى غياب الميثاق العام الذى انتظرناه طويلاً، ذلك أن معظم التوترات التى يعيشها المجتمع الآن إنما هى نتاج هؤلاء، الذين استغلوا تلك الحالة الملتبسة سياسياً واجتماعياً لإحداث مزيد من التوتر، فى الوقت الذى يطالب فيه البعض بالعفو عن هؤلاء أو الإفراج عن أولئك دون أدنى تفريق بين الغث والسمين، ذلك أنه لم يبق الآن سوى أن نجد من يخرج علينا معلناً: أنا ربكم الأعلى، وهو الأمر الذى يحتم علينا سد كل الثغرات التى تؤدى إلى صناعة مثل ذلك السفه، وأولاها ثغرة الإعلام من صحف وقنوات تليفزيونية على السواء.

بالمناسبة، كان من الطبيعى أن نتوقف أمام تلك السيدة مالكة إحدى القنوات الفضائية، التى دخلت على الهواء مباشرة لتطلب من المذيع إنهاء البرنامج الذى كان يستضيف خلاله أحد المتطرفين، قائلةً: لا أريد فى التليفزيون ملحدين ولا شيعة، ذلك أن الأمر حينذاك لم يكن يتعلق بفكر أو تعبير عن الرأى، وإنما كان يتعلق بإسفاف واستخفاف بعقول المشاهدين، وهذه ليست مهمة التليفزيون أبداً، كما ليست مهمة أى وسيلة إعلامية، بل على العكس تماماً، لذا فإنها هنا قد أكدت هذا المبدأ، الذى يجب أن يشكل ميثاقاً للجميع.

سوف أستشهد هنا أيها السادة بالآية القرآنية: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) صدق الله العظيم، (آية ٣٣، سورة المائدة)، هذه غاية من نحن بصددهم الآن، الفساد والإفساد فى الأرض، لا أكثر ولا أقل، وإلا لما أدانهم القضاء، وإلا لما نبذهم العامة، وإلا لما كنا أضحوكة المجتمعات من حولنا بسببهم، وكأننا أصبحنا مجتمعات بلا ضابط ولا رابط، بلا قواعد ولا أخلاقيات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل