المحتوى الرئيسى

هل ضاعت الفرصة؟ (٢)

11/21 22:10

رغم الانفلات الأمنى والتدهور الاقتصادى الذى ورثه نظام ما بعد ٣٠ يونيو، فإن هذا النظام استند إلى مجموعة عناصر كانت كفيلة ببناء نظام سياسى قوى قادر على وضع أساس حقيقى لنهضة شاملة فى البلاد، فقد ورث النظام حالة تأييد ودعم شعبى غير مسبوقة فى تاريخ البلاد، فبعد تجربة سنة من حكم المرشد والجماعة، شعرت الغالبية الساحقة من المصريين بحالة فقدان الأمن والاختناق الشديد وانتشار الجماعات المتشدّدة بطول البلاد وعرضها، التى أخذت فى ضرب مرتكزات الهوية المصرية، فما بين تضييق على النساء وتدمير الأضرحة واستهداف الصوفية، والتضييق الشديد على الأقباط، حاولت هذه الجماعات ضرب الهوية المصرية وتشويهها. أيضاً فإن تدهور الأوضاع فى دول الجوار ودخولها فى حرب أهلية أثار مخاوف المصريين بشدة، ومن ثم ثمّنوا كثيراً فكرة الأمن والحياة الآمنة. وفى الوقت نفسه قدّر الشعب المصرى دور قواته المسلحة فى توفير الأمن والحماية ومجابهة الجماعة المتطرّفة وأنصارها على اختلاف مسمياتها، ومن ثم كان الخروج الكبير فى الثلاثين من يونيو بهدف مناشدة الجيش التدخّل ووضع حد لحكم المرشد والجماعة، وكان الخروج الثانى فى الثالث من يوليو والخروج الثالث فى السادس والعشرين من يوليو 2013. ومن بعد ذلك كان الضغط الشديد من الغالبية الساحقة من المصريين على المشير عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، كى يُرشح نفسه لرئاسة الجمهورية.

كان الأمل يحدو المصريين والقوى السياسية والفئات الاجتماعية المختلفة فى بناء شراكة حقيقية بين جميع القوى التى شكلت تحالف ٣٠ يونيو، كان الأمل يحدو الجميع فى تبنى الرئيس عبدالفتاح السيسى لنهج المشاركة، وأن يبادر أولاً بتشكيل فريق رئاسى من أهل الخبرة فى مختلف المجالات، فريق رئاسى من خبرات وعقول مصرية تدرس كل خطوة سياسية كانت أو اقتصادية وفق أسس جدواها الموضوعية، فريق سياسى متنوع الخلفيات والمؤهلات والقدرات حتى يعمل وفق منهج تكاملى، وهو ما لم يحدث.

كان الأمل يحدو الجميع فى تشكيل حكومة من الخبرات والكفاءات السياسية، فمناصب رئيس الحكومة والوزراء هى مناصب سياسية، أما التكنوقراط فهم ما دون الوزير، من وكلاء الوزارة إلى كبار الموظفين، ولم يكن منصب الوزير فى يوم من الأيام منصباً بيروقراطياً، إلا فى ظل النظم غير الديمقراطية التى يسود فيها شخص الرئيس على ما عداه، ويتعامل مع الوزراء كموظفين وأدوات تؤدى ما يُطلب منها من مهام، وحتى نُوضّح الفكرة نشير إلى أن آخر رئيس وزراء سياسى فى مصر كان الراحل فؤاد محيى الدين فى ثمانينات القرن الماضى. وهو ما لم يحدث أيضاً.

كان الأمل يحدو الجميع بفتح المجال أمام الأحزاب والقوى السياسية كى تمارس عملها وتقوى من خطوات السير باتجاه بناء نظام سياسى ديمقراطى حقيقى، فلا ديمقراطية دون تعدّدية حزبية، ولا ديمقراطية دون تنوع وتعدّد الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية للأحزاب السياسية، ولا مكان فى الديمقراطية للصوت الواحد والحزب الواحد أو التنظيم الواحد المسيطر والمهيمن، فما كان قائماً فى أواخر عهد «السادات» وأوائل عهد «مبارك» كان بمثابة مسرحية هزلية تمثل فيها الأحزاب أدوار «كومبارس» لأدوار البطولة التى يحتكرها الحزب الوطنى. ما حدث هو محاولة تشكيل تنظيم سياسى مسيطر، يُهيمن على البرلمان ويديره وفق الطريقة القديمة، مع محاولات لتأميم الأحزاب السياسية القائمة، استيعابها وتطويعها أو العمل على تفتيتها حتى تعود أحزاباً سياسية قزمية تمثل دورها المرسوم لها فى لوحة التعدّدية الشكلية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل