المحتوى الرئيسى

التقشف «الأونطة» لحكومة شريف إسماعيل

11/21 21:14

- من النسخة الورقية لجريدة اليوم الجديد الأسبوعية

33 وزارة ومستشارون يتقاضون 5 مليارات جنيه شهريا وسيارات فارهة.. «وبيقولك تقشف»!

تقشف العالم تقليل رواتب وتجميد مشاريع وفى مصر: مخاصمة الـ«VIP» والعودة لـ«بنزين 92»

دول أوروبية طبقت التقشف وغرقت فى الديون.. ماذا لو تقشفت الحكومة المصرية؟  

سياسة التقشف غير عادلة، وأكبر المتضررين منها الطبقة الوسطى وما دونها لأن الإنفاق التنموى والخدمات التى يستفيدون منها ستضعف

التقشف فى اليونان رفع البطالة بنسبة 21% وسقف المديونية إلى 130 مليار يورو 

مارك بليث: فرض الضرائب أفضل من التقشف  

منذ أيام خرجت علينا الحكومة وقالت إنها تستعد لإجراءات التقشف، تنفيذًا للتوصيات التى طالب بها الرئيس السيسى فى اجتماعه بالمهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، ولكن كيف تتقشف الحكومات؟

 ما بدر من حكومتنا الاكتفاء بالإعراب عن نيتها فى تقليل عدد المستشارين وتقليل البعثات للخارج، فى الوقت الذى يطالب فيه البرلمان مجلس الوزراء بمزيد من التقشف، من خلال تقليص عدده الذى بلغ 33 وزيرًا، والاستغناء عن سياراتهم الفارهة أو حتى تقليل عددها!

الحقيقة أن ما تفعله حكومة المهندس شريف إسماعيل هو «تقشف أونطة»، فالذى تنفذه الحكومات حول العالم يقتضى أيضا تقليل رواتب العاملين بالقطاع الحكومى بالإضافة إلى فرض مزيد من الضرائب، وإجراءات التقشف تتم لكى تنقذ الاقتصاد المتعثر ولسداد الدين أملا فى تحقيق الرخاء مستقبلا، وهى التجربة التى خاضتها كاملة 4 دول، أكد واقعها أن تنفيذ خطط تقشف «بجد» سيغرق مصر فى مزيد من الديون.

التقشف فى اللغة يعنى الزهد والانصراف عن الملذات والتنعم، ويقال تقشَّف الرجل أى قتر على نفسه واكتفى بما هو ضرورِى، وحينما يقال دخلت البلاد فى مرحلة التقشف أى إنها تركت الإسراف والاستهلاك الزائد واقتصرت على ماهو ضرورى فقط، وسياسة التقشف هى تخفيض النفقات وتقييد طريقة المعيشة.

التقشف الاقتصادى هو مجموعة من السياسات التى تستهدف تخفيض حجم الإنفاق الحكومى أو رفع الضرائب بهدف خفض عجز الميزانيات العامة للحكومات وتجنب تصاعد الديون الحكومية كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، ويتضمن خفض الإنفاق العام بأشكاله المختلفة مثل الإنفاق على البنى التحتية أو الإنفاق على المشروعات العامة، والميزانيات التى تخصصها الدولة لمدفوعات الدعم أو مساعدات الأسر منخفضة الدخول، أو أن تقوم الدولة بخفض أجور العاملين فى الخدمة المدنية أو غيرها من أشكال الإنفاق العالم المؤثر، وتهدف هذه الإجراءات إلى رفع درجة السيولة التى تتمتع بها الحكومة وتقليل درجة اعتمادها على الاقتراض بكل أشكاله، وتتم هذه العمليات من الخفض الاختيارى للإنفاق العام بهدف السيطرة على العجز فى الميزانية العامة للدولة، والسيطرة على نمو الدين العام ورفع تنافسية الاقتصاد المحلى ورفع مستويات نموه الاقتصادى.

ما تم تسريبه من خطة الحكومة لتطبيق هذه السياسة، يؤكد أن التقشف المصرى لا يمت لما يمارسه العالم بصلة، حيث إن الدولة المصرية تتحدى بعض شروط التقشف الأساسية منها تخفيض الإنفاق على المشاريع الحكومية، من خلال التوسع فى المشروعات القومية والبنى التحتية، كما أن من شروط التقشف تخفيض رواتب جميع العاملين فى الدولة وهو ما تخوفت منه الحكومة المصرية واكتفت بتطبيقه -حسبما أكدت التقارير الصحفية مؤخرًا- على الوزراء والمستشارين من خلال خفض رواتب الوزراء ومستشاريهم بنسب تصل إلى 75 بالمئة دون استثناء بعد أن بلغت مرتباتهم الـ5 مليارات جنيه شهريا، وأن كل وزير يكون له كحد أقصى اثنان من المستشارين فقط على الأكثر، وأن رواتبهم تكون حسب الخبرة والشهادات العلمية، وسيكون هناك سقف لرواتب مستشارى الوزراء وتقييمات لهم على مدار السنة، وسيتم الابتعاد تمامًا عن الرواتب الخيالية التى تصل لـ100 ألف جنيه شهريا، وأن الحاصل على الدكتوراه ويعمل كمستشار لأحد الوزراء لن يتخطى راتبه 25 ألف جنيه. 

 سيتم أيضا تقليل السيارات بمواكب الوزراء خلال الفترة القادمة، وستقتصر على سيارة الوزير ومعه سيارتان فقط للتأمين، سفريات الوزراء لن تكون على خطوط «vip»، كما ستستخدم سيارات الوزراء «بنزين 92» فقط، بالإضافة إلى تقليل النفقات الحكومية والهدايا الخارجية، دون المساس برواتب الموظفين والعاملين بقطاعات الدولة.

تجارب بعض الدول الأوروبية التى تقشفت تنذر بمؤشر خطير على مصر إذا طبقت حكومة إسماعيل التقشف، وهو ما كشفه الدكتور الأسكتلندى مارك بليث، أستاذ فى الاقتصاد فى جامعة براون بالولايات المتحدة الأميركية، فى كتابه «التقشف.. تاريخ فكرة خطرة»، وترجمه إلى العربية عبدالرحمن أياس. 

ويقول بليث فى كتابه إن التقشف فى الإنفاق الحكومى فكرة شديدة الخطر، لافتا إلى أنها لم تنجح يوما، مستشهدًا بتجارب أمريكية وأوروبية وآسيوية.

ويؤكد الكاتب أن التقشف يفشل دائما وإن نجح فى دولة ما لن ينجح فى دول العالم كلها، مشيرا إلى أن التقشف لا يعزز معدلات النمو والفرص، بل يؤدى إلى تركز الثروات وتفاقم حالات التوزيع غير العادل للدخل. 

يستعرض المؤلف تاريخ التقشف فى الدول الرأسمالية، موضحا أن ما يقال من حجج تدافع عن النتائج الإيجابية للتقشف هى مجرد هراء، لافتا إلى أن بطالة الشباب فى العالم المتقدّم بلغت فى حالات كثيرة مستويات قياسية، وضاعفت سياسات التقشف هذه المشكلات، فتقليص دولة الرفاهية باسم إنتاج مزيد من النمو والفرص خرافة مُهِينة.

د. مارك يرى أن خطر التقشف يكمن فى 3 أسباب: 

الأول: سياسة التقشف غيرعادلة، وأكبر المتضررين منها الطبقة الوسطى وما دونها؛ لأن الإنفاق التنموى والخدمات التى يستفيدون منها ستضعف.

الثانى: التقشف الحكومى يؤدى إلى تخوف عام من الإنفاق، وبهذا يلجأ الجميع للادخار؛ ويؤدى ذلك إلى انكماش اقتصادى، وانخفاض فى الناتج المحلى الإجمالى.

الثالث: ضعف ثقة المستهلك والمستثمر فى الوضع الاقتصادى وإعطاء إشارات سلبية تؤدى إلى إحجام الاستثمارات والرغبة فى بدء المشاريع، وبهذا تضعف المنافسة. 

ويقول د. مارك فى كتابه، إن أفراد المجتمع لم يكن لهم دور فى الأزمات المالية الكبرى التى تحيط بالدول، مؤكدا أنها ناتجة فى الأساس عن سوء إدارة مالية من قبل الدولة وأجهزتها المصرفية، ولكن سياسة التقشف تطالب الكل بترشيد إنفاقه.

وحسب تعبير المؤلف، فإن طريقة تعامل الدول مع الأزمات المالية، تشبه الحفل الذى يدعى إليه بعض الأفراد فحسب، فى حين أن جميعهم مطالب بدفع نفقاتها.

يرى مارك أن الحكومة عندما تقوم بفرض التقشف، فإن هناك قطاعا واسعا من الناس القابعين فى الطرف الأعلى لتوزيع المدخلات المالية، لن يتأثروا بشكل كبير ولن يكونوا مطالبين بشد أحزمتهم، بينما سيقوم بهذا حوالى 40% من القابعين فى الفئة الدنيا من توزيع الدخول، لأن هؤلاء هم الذين يعتمدون فعليا على الخدمات الحكومية التى ستطرأ على سياستها تغيرات جذرية عقب فرض الدولة للتقشف.

يتناول المؤلف الأزمات المالية فى دول البرتغال وأيرلندا وإيطاليا وإسبانيا واليونان، ويرى بليث أن المشكلة الأساسية التى تعرضت لها هذه الدول هى كونها لا تستطيع أن تحقق نموا يخرجها من الديون التى تراكمت عليها مع مرور السنين.

كانت المشكلة الحقيقية فى إيطاليا هى الزيادة السكانية الكبيرة التى شكّلت مسؤولية متزايدة على الحكومة، بينما فى البرتغال كانت المشكلة تتمثل فى إنخفاض الناتج القومى، فقد بلغ صافى الديون البرتغالية إلى الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2000 نحو 52% وفى عام 2007 66%.

ويتطرق بليث إلى الكيفية التى تحاول بها تلك الدول الخروج من الضائقة المالية التى تمر بها، ومن الطبيعى أن الاتحاد الأوروبى والمصرف المركزى الأوروبى يقومان بالتدخل على وجه السرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أولى الخطوات الإصلاحية تتمثل فى فرض الضرائب المتزايدة وتخفيض الإنفاق، فى مايو 2010م، تلقت اليونان قرضا أوروبيا فى حدود 110 مليارات يورو بشرط تقليل أجور القطاع العام بنسبة 20% وتخفيض المعاشات التقاعدية بنسبة 10% وزيادة الضرائب.

كان التوقع العام يرى أن تحسنا سوف يطرأ على الأوضاع الاقتصادية اليونانية، ولكن الذى حدث العكس تماماً، فالبطالة ارتفعت بنسبة 21% وواصل الاقتصاد الانكماش، وارتفع سقف المديونية ليصل إلى 130 مليار يورو. 

فى الفترة مابين 2009 حتى 2010 تضاعفت أسعار الفائدة على سندات العشر سنوات اليونانية ثلاث مرات تقريبا، مما جعل الحكومة اليونانية تقبل مرغمة خطة الإنقاذ الأولى (مايو 2010 - يونيو 2011) وبذلك ربحت البنوك صفقة الديون الأولى بـ110 مليارات يورو.

وتكرر نفس الأمر فى خطة الإنقاذ الثانية (فبراير 2012)، حيث اتبع المصرفيون نفس الطريقة فقاموا بتخفيض قيمة السندات اليونانية ورفع العائدات عليها؛ فاضطر البرلمان اليونانى أن يطلب مساعدات مالية ثانية أكثر من الأولى؛ وهكذا حصلت البنوك على صفقة الديون الثانية بـ130 مليار يورو.

وهكذا يتضح أن خطط الإنقاذ التى قدمت لليونان هى فى حقيقتها خطط تقشف وإغراق فى المزيد من الديون، فمع كل خطة إنقاذ مزعومة يتم تنفيذ إجراءات تقشفية أكثر من سابقتها، فمع خطة الإنقاذ الأولى وبدعوى وقف الزيادة فى عجز الموازنة، استهدفت الإجراءات الحكومية خفض إجمالى النفقات العامة على الأجور والرواتب من 1% إلى 5.5%، عبر تجميد رواتب الموظفين الحكوميين وتقليص مكافآت العمل الإضافى وبدلات السفر.

ومع خطة الإنقاذ الثانية وافق البرلمان اليونانى فى 5 مارس 2010 على مشروع قانونى يهدف إلى توفير 4.8 مليار يورو على أثر مخاوف من إفلاس الحكومة اليونانية وتخلفها عن السداد، تضمن هذا القانون رفع الضرائب على القيمة المضافة، وعلى السيارات المستوردة، والمحروقات، وخفض رواتب القطاع العام، وتقليص المكافآت والبدلات للموظفين الحكوميين.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل