المحتوى الرئيسى

أحمد سعيد ..رحلة طبيب "محمد محمود" من السجن للعفو الرئاسي

11/21 17:13

ترك العمل بالسعودية للمشاركة في ثورة يناير 

"الحرية للجدعان" لافتة قادته إلى السجن عامين وأخرجه العفو الرئاسي

سافر لألمانيا لاستكمال دراسته وكُرم بجامعة فرانكفورت

السجن معزول عن الحياة والضغط الإعلامي جنبه سوء المعاملة 

"العقرب" تربة خصبة للتفكير المتطرف

بعض الشباب يتعاطف مع داعش ويعلق عليهم الأمل

وقف أمام منزله بوجهه الساطع بأشعة الشمس يلقي ابتسامة شقت خديه يتنفس معها نسيم الحرية، بعد اثنى عشر شهرا قضاها في غياهب االسجون، لا لشيء سوى أنه رفع لافتة سطر عليها حلمه "الحرية للجدعان"، ليصبح بعدها واحدا ممن نادى يوما بخروجهم من المعتقلات.

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، أتى الطبيب "أحمد سعيد"، الشاب الثلاثيني، إلى مصر ليقضي إجازة لمدة أيام بين أهله قبل أن يعود ثانية إلى ألمانيا، التي سافر إليها منذ عامين لاستكمال دراسته، لكنه لم يكن يعلم أن تلك الوقفة الصامتة التي شارك فيها ستقوده خلف القضبان قيد الحبس عامين.

لبث الطبيب في السجن عام، حتى ورد اسمه في قائمة العفو الرئاسي، فخرج إلى الحياة من جديد، بعدما كان يظن أنه سيمكث في السجن ما تبقى من عمره، فظلمة الزنزانة أطفأت كل بصيص من الأمل بداخله، وما رآه من قصص لمساجين دخلوا معه وسبقوه ولحقوا به جعلته يدرك أنه لا للخروج من سبيل.

يوم 18 نوفمبر 2015  كتب سعيد على صفحته على الفيسبوك، "ذكرى محمد محمود..كل اللي حصل أننا زودنا على مطالب الثورة مطلب جديد الحرية للمعتقليين"، وفي اليوم التالي ذهب إلى كوبري أكتوبر ليشارك في وقفة صامتة لإحياء الذكرى، حمل بين يديه لافتة مكتوب عليها "الحرية للجدعان"، شرد فيها بخياله مسترجعا أحداث ذلك اليوم . 

قبل خمس سنوات ترك الطبيب عمله بوزارة الصحة في السعودية، وعاد إلى مصر ليشارك في ثورة 25 يناير، ولما دارت أحداث عنف بالبلاد، غلبت عليه مهنته فانضم لفريق أطباء المستشفى الميداني وكرس نفسه لإسعاف المصابين، وهكذا كان دوره في أحداث محمد محمود الأولى 19 نوفبمر 2011.

"شباب زي الورد عمال يقع قدامي بيضرب بالنار ملهمش أي ذنب غير أنهم طالبين يقصروا فترة حكم المجلس العسكري ورافضين الاعتداء على مصابين الثورة"، مشهد يتذكره "سعيد" يقصه على "مصر العربية" بعد خروجه من السجن، ليصف معه أحداث محمد محمود باللعنة التي لا يمكن نسيانها .

استعاد الطبيب حاضره وفاق مما جال في خاطره وانصرف من الوقفة الصامتة، وبينما كان يسير  مع أصدقائه في منطقة عابدين بوسط البلد، أوقفهم شرطيين طالبا منهما التوجه معهم إلى قسم الشرطة للتأكد من سلامة صحيفتهم الجنائية، وهناك واجه اتهامات بتكدير السلم العام، على إثرها حُكم عليه بالسجن عامين .

بعد رحلة من التنقل بين أقسام الشرطة والسجون استقر المطاف بـ الطبيب في سجن العقرب شديد الحراسة 2، فيه يُعزل المساجين عن كل شيء له صلة بالعالم الخارجي، تُمنع الجرائد والمجلات والكتب والتلفاز والراديو، غير أن "الطبيب"  لقى معاملة حسنة من إدارة السجن خلاف ما كان عليه رفقائه.

في بداية دخوله السجن حدثت مشكلة بينه وبين إدارة المباحث و المخبرين هناك، كادوا يتهجمون عليه، فاحتج بطريقته وأعلن دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام، فزادوا في عقابه ومنعوا عنه الزيارة تأديبيا له، قابلها ضجة إعلامية فكت القيود من عليه، ومن حينها يُعامل معاملة طيبة.

الضغوط للإفراج عن الطبيب، لم تكن فقط من المصريين، ولكن وصلت استغاثات من رئيس الجمعية الطبية العالمية، البريطاني السير بروفيسور "مايكل مارموت"، تندد بحبس الجراح المصري أحمد سعيد، وهو ما عجز عن التعبير عنه سوى بكلمات مقتضبة "مش عارف أقول إيه غير أن الغرب هما اللي بيطالبوا بالإفراج عني وأنا لما رجعت بلدي اتحبست ".

وهناك في ألمانيا خلال عمله بجامعة فرانكفورت، التي التحق بها قبل عامين من حبسه، حصل على تكريم لنبوغه ومهاراته في عمليات جراحة الأوعية الدموية رغم صعوبتها، فهو مجال دقيق ونادر وبالغ الأهمية .

الأيام في السجن قاسية تمر كالسنين، حُرموا من كل متاع يستعيون به على قضاء أوقاتهم، فراح يستعيد مهمته في أحداث الثورة، يتنقل بين المساجين يداوي المريض فيهم ويدلي بنصائحه الطبية لمن في حاجة إليها، يراها واجبا وفريضة أينما كان .

هناك في "العقرب2" يقبع فيه كثير  من ذوي التيار الإسلامي، ممن ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين أو يتعاطفون معهم وغيرهم ممن يحملون الفكر الجهادي،  فضل "سعيد" أن يكون في عزلة بعض الشيء عنهم حتى لا يختلط بأفكارهم.

هؤلاء أصحاب التيار الإسلامي يخفون أمام إدارة السجن ما تكن به عقولهم وقلوبهم من أفكار وأيديولجيات، فهو يخضع لإشراف جهاز  الأمن الوطني "أمن الدولة سابقا"، فأصحاب هذا السجن هم من أثبتت التحريات أنهم ينبذون العنف، أو كما قيل لهم "ضمن البرنامج التأهيلي للخروج". 

يستطرد سعيد، أن البرنامج التأهيلي مجرد شكل صوري لتجميل الصورة، فلم يكن هناك أي تعامل جدي يدل على وجود مراجعة فكرية مع هؤلاء، خاصة أنهم بالفعل يخفون انتمائاتهم، كما أن هناك أشخاص آخرين ليس لهم في السياسة نهائيا .

من بين المساجين رأى سعيد، شباب صغير  يتحول أمام عينيه، كان في البداية بلا فكر ولا أي أيديولجية ولما وقع عليه الظلم وذاق من العذاب، بات ناقما على النظام والبلاد، يحمل بداخله رغبة انتقامية تكبر حتى سنوات عمره، ينظر إلى نفسه يجدها لم ترتكب إثما لتُدمر حياته هكذا .

سكن قلوب هؤلاء الشباب الكره لكل شيء في البلد، ضاقت عليهم الزنازين وجدران السجن، فقدوا الأمل في الحياة نفسها ليس فقط في خروجهم إلى النور من جديد، فقط يتشبثون بأمنية واحدة يتناجون بها، ويعلقون عليها آخر ذرة أمل "أن تخلصهم داعش من الظلم"، بحسب سعيد.

شعور من تعرض للظم هنا بالانتقام ذهب به للتعاطف مع التفكير الداعشي، يتمنى له الانتصار وحكم البلاد، وهكذا باتت السجون تربة خصبة للتفكير المتطرف، حسبما يؤكد الطبيب من واقع معايشته للسجناء في "العقرب 2".

وبينما هم على هذا الحال تواردت أنباء عن عفو رئاسي، ورغم ما تسرب له أنهم واحدا ممن ستشملهم القائمة إلا أنه كان فاقدا الأمل في الخروج حتى إذا قضى عاميه، إلى أن جاءه النبأ اليقين بالعفو عنه.

ولكن سرعان ما ذهبت عنه فرحته بعودته لأهله مرة أخرى، حين علم بقلة عددهم، وخروج عدد كبير تبقى على انتهاء مدتهم القليل، في حين هناك من يستحق بالعفو أكثر أصحاب الـ 15 والـ 20 عام.

وفي نفس يوم حبسه بعد عام، يمكث الطبيب بين أهله، ولاتزال تحاصره ذكريات أحداث محمد محمود، غير قادر على التخلص منها، ربما لأنه لم يتغير في الأمور شيئا سوى أنها ازدادت سوءا، أو لحين يرى نتائج إيجابية لها، حسبما يروي لنا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل