المحتوى الرئيسى

مجدي منصور يكتب: الإسرائيليون والفلسطينيون.. الوصول للحائط المسدود! نظرة بالعمق في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي (9) | ساسة بوست

11/21 17:07

منذ 2 دقيقتين، 21 نوفمبر,2016

حيثيات إسرائيل للذهاب إلى أوسلو

«إنني كنتُ أريد للمفاوضات في واشنطن أن تمتد عشر سنوات إذا اقتضى الأمر، لأن ذلك يعطيني الفرصة لاستكمال سياسة الاستيطان الإسرائيلي».

لم تكن الحوادث جامدة في الشرق الأوسط كما كانت المفاوضات جامدة في واشنطن برجاء مراجعة هذا المقال وعلى العكس فإنها في الشرق الأوسط كانت في حالة سيولة سريعة، وكان هناك حدثان أثرا بالتحديد في حركة السيولة التي اجتاحت المنطقة:

من ناحية فإن الانقلاب الفاشل الذى جرى ضد «جورباتشوف» في أغسطس (آب) 1991 أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي رسميًا . وكانت لذلك انعكاسات على المنطقة.

ومن ناحية ثانية فإن الائتلاف الوزاري المعقد في إسرائيل ومزاجية الأحزاب الدينية الصغيرة في هذا الائتلاف الوزاري أديا إلى انفراطه عندما قرر حزب «تهيا» وحزب «مولدت» أن يخرجا من حكومة «إسحاق شامير». وأدى ذلك بـ«شامير» إلى الدعوة لانتخابات مبكرة تصور أن موقفه المتشدد في عملية السلام يمكن أن تؤدي إلى تفوق حزبه فيها بأغلبية مريحة.

وفى أجواء المعركة الانتخابية، وفى رغبة حزب العمل أن يواجه «شامير» برجُل لا يقل حرصًا عنه في دعاوى الأمن الإسرائيلي، فأن «إسحاق رابين» استطاع انتزاع رئاسة حزب العمل من منافسه «شيمون بيريز» .

وكانت الولايات المتحدة تؤيد «رابين» فواشنطن تثق فيه أكثر من ثقتها في منافسه «بيريز»، كما أن «رابين» معروف لدى عدد كبير من الساسة الأمريكيين عن قرب حينما كان لسنوات طويلة سفيرًا لإسرائيل في الولايات المتحدة.

رابين حينما كان سفيرًا في الولايات المتحدة وسط أساطين السياسة الأمريكية

وإلى جانب التأييد الأمريكي فإن الاتجاه العام في حزب العمل كان مواتيًا لـ«رابين»، فهو قادر بالفكرة الشائعة عن حزب العمل أن يرفع شعار «السلام» أو «الادعاء به»!

ثم إنه وبصورته الشخصية كجنرال سابق في الجيش الإسرائيلي ورئيس لأركان حربه وقت عدوان 1967 يستطيع أمام الجمهور الإسرائيلي أن يؤدي دور «الحارس» للأمن الإسرائيلي، وهكذا يستطيع الحزب أن يوفق بشخصية «رابين» بين الهاجسين المسيطرين على وساوس الشارع الإسرائيلي: الأمن – والسلام (من المنظور الإسرائيلي).

رابين في المنتصف لحظة دخوله القدس في 1967

وكانت مصر تؤيد حزب العمل، وكان هواها ما زال أقرب إلى «بيريز» منه إلى «رابين». وقد حاولت مساعدة «بيريز»، لكن «بيريز» خسر معركة رئاسة الحزب وقدر أن اللياقة – أو ربما دواعي المرونة – تفتضيه أن ينقل تأييد مصر إلى «رابين».

وهكذا فإن «بيريز» رتب للدكتور «مصطفى خليل» مستشار الرئيس «مبارك» للشؤون الإسرائيلية في ذلك الوقت موعدًا للقاء طويل مع الرئيس الجديد لحزب العمل الجنرال «رابين».

إن المساعدات العربية لحزب العمل لم تقتصر على المساعدات المادية وحدها، ولا على محاولة تكتيل الأصوات العربية وراء هذا الحزب فقط – وإنما وصل الأمر إلى مساعدات سياسية ذات طابع غير مألوف.

فإن حزب العمل مثلًا طلب عن طريق مصر تعطيل أعمال الجولة السادسة من محادثات واشنطن بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحيث لا يستطيع «شامير» أن يستغل أي تقدم فيها لصالحه في المعركة الانتخابية، وتحقق ذلك بالفعل.

ومرة ثانية كان الأمريكيون والعرب يؤيدون حزب العمل، كل لأسبابه وفى حين أن الأمريكيين كانوا يعرفون بالضبط ماذا ينتظرون من «رابين»، فإن العرب كانوا يظنون أنهم يعرفون.

وكان أن فاز حزب العمل في الانتخابات، وتقدم «رابين» بائتلاف جديد ضم مجموعة حزب «ميرتز» الذى تقوده السيدة «شولاميت ألونى»، وقد حصلت على اثنى عشر مقعدًا من مقاعد الكنيست الجديدة.

رابين وبيريز وشامير في الكنيست

وكانت أطراف الائتلاف الوزاري الجديد لا تمانع في التفاوض مباشرة مع منظمة التحرير بدلًا من تضييع الوقت مع الوفد الفلسطيني في واشنطن، وقد استنفدت المفاوضات معه تسع جولات بلا نتيجة.

وفى الحقيقة فإن «إسحاق شامير» طوال قيادته للسياسة الإسرائيلية، بما في ذلك مرحلة التفاوض في مدريد وواشنطن، لم يكن يريد أي اتفاق مع الفلسطينيين بل قال في تصريح علني: «إنه كان يريد للمفاوضات في واشنطن أن تمتد عشر سنوات إذا اقتضى الأمر، لأن ذلك يعطيه الفرصة لاستكمال سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الأرض المحتلة، وبما لا يترك بعد ذلك أرضًا فلسطينية يمكن التفاوض عليها».

وكان الأمر مختلفًا بعض الشيء بالنسبة للائتلاف الوزاري الجديد في إسرائيل.

فـ«شيمون بيريز» الذى تولى وزارة الخارجية مع «رابين» كانت له اتصالات عديدة سابقة مع ممثلين رسميين لمنظمة التحرير، وقد لمح من زمن أن التعامل مع المنظمة يختصر الطريق، وأن الظروف مهيأة الآن وأكثر من أي وقت مضى لهذه المحاولة.

«إن حاييم وايزمان كان لديه حلم دولة إسرائيل، ثم إن بن جوريون وقعت عليه مهمة تأسيس الدولة، ومهمتي الآن أن أجعلها دولة مقبولة في المنطقة سياسيًا واقتصاديًا، والحقائق الموضوعية في هذه اللحظة كفيلة بأن تجعلها القوة المسيطرة في المنطقة» رابين

لكن الموانع كانت لا تزال عند رئيس الوزراء «إسحاق رابين» وبعد توليه لرئاسة الوزارة في ظروف ما بعد حرب الخليج وما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، كان «رابين» على استعداد لمراجعة أفكاره إلى جانب إلحاح عليه من شخصيات أمريكية ومصرية تحاول إقناعه بأسباب كان بعضها يتسلل كالأشباح إلى فكره:

إن إسرائيل فشلت في خلق قيادات بديلة في الأرض المحتلة.

إن «عرفات» نجح في وضع الوفد الفلسطيني الذي برز من الداخل للتفاوض في مدريد وفي واشنطن تحت جناحه. ومرجع ذلك إلى ضرورات التغطية السياسية المطلوبة لحماية هذا الوفد أثبت عجزه عن تجاوز الحدود التي وضعته داخلها قيادة المنظمة.

إن هذا الوفد المفاوض في مدريد وواشنطن قد غرق في القضايا المبدئية المعقدة ولم يكن في سلطته أن يتفق عليها، ثم إن هذا الوفد أضاع جزءًا كبيرًا من أرصدته بين جماهير الأرض المحتلة التي أصابها الإحباط من قصور الإنجازات بعد آمال واسعة راودت الناس أثناء مؤتمر مدريد وبعده.

وقد قال «رابين» بنفسه في وصف هذه الحالة:

«يبدو أن حيدر وحنان وفيصل مجرد سحب من الدخان، وربما كانوا نجومًا، لكنها نجوم لا تستطيع أن تخرج من سماء منظمة التحرير».

أضيف إلى ذلك من منظور «رابين» أن كل أجهزة المخابرات ومراكز الدراسات في واشنطن وإسرائيل راحت تنادى في ذلك الوقت بأن العالم العربي تكتسحه موجة إسلامية عارمة.

ثم أن هذه الموجة الإسلامية تستغل كل التناقضات الكامنة في الأوضاع العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية – وليست صدفة أن المقاومة الميدانية لإسرائيل تركزت في حزب الله في جنوب لبنان، وفي حماس في قطاع غزة، ثم إن الجمهورية الإسلامية في إيران أصبحت السند الأكبر للقضية الفلسطينية.

وارتبط بذلك أن التيار الإسلامي في مصر أخذ يبرُز وتكررت عمليات العنف ضد إسرائيل في مصر وهذا يهدد اتفاقية السلام مع مصر، وإذا كان لابد من تثبيت المعاهدة مع مصر فإن الورقة الفلسطينية لابد وأن تنتزع من يد التيار الإسلامي في الدولة العربية التي عقدت أول معاهدة سلام مع إسرائيل.

وكان رابين يتابع باهتمام ويفكر بدقة ويستنتج ويقول:

إن منظمة التحرير أصبحت جاهزة نفسيًا وعمليًا لإعطاء كل شيء في مقابل الاعتراف بها.

ان الظن الذي جال بفكره أنه لو مد إصبعًا واحدًا وليس يدا كاملة إلى منظمة التحرير وعرفات «لأخذ الورقة الفلسطينية ليس من التيار الإسلامي فقط ولكن أيضًا من سوريا ومن الرئيس «حافظ الأسد».

وأنه إذا تحقق ذلك فإن «حافظ الأسد» لن يتبقى له إلا بضعة كيلومترات من الأرض على هضبة الجولان.

إن رابين في هذا الوقت يشعر أنه آخر سياسي كبير باق من جيل الشباب الذين أحاطوا بالمؤسسين الأول للدولة وهو جيل («بيريز» و«وايزمان» و«ورابين» و«شارون»).

وهو أي «رابين» الآن أقواهم جميعًا بحكم رئاسته لحزب العمل وللوزارة. وهو لا يريد «أن يقضى ما تبقى له من عمر في مقاومة تظاهرات الانتفاضة أو مطاردة مقاتلي حماس، وإنما يريد أن يختتم دوره السياسي بعمل كبير».

من اليمين عزرا وايزمان وإسحاق رابين وحاييم بارليف

وفى جلسة للمجموعة البرلمانية لحزب العمل قال «رابين»:

«علينا أن نتذكر باستمرار ما هو هدفنا … لم يكن هدفنا أن نهزم مصر أو نحتل الجولان، كل هذه أشياء جاءت في طريقنا أثناء سعينا لبناء الدولة، ولكي تصبح إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا جزءًا من المنطقة والقوة القائدة فيها. وهذا تحقق لنا وأصبحت الأمور ناضجة من حولنا لتأكيده وترسيخه».

وفى اجتماع آخر له بعدد من الوزراء قال «رابين»: «إنه إذا استطاع إنهاء الموضوع الفلسطيني فسوف يكون ذلك أعظم إنجاز في تاريخ إسرائيل».

«إن حاييم وايزمان كان لديه حلم دولة إسرائيل، ثم إن بن جوريون وقعت عليه مهمة تأسيس الدولة، ومهمتي الآن أن أجعلها دولة مقبولة في المنطقة سياسيًا واقتصاديًا، والحقائق الموضوعية في هذه اللحظة كفيلة بأن تجعلها القوة المسيطرة في المنطقة.

وأظن أنه ليس صعبًا لنا أن نسوي ما تبقى من القضية الفلسطينية، ونحن لا نستطيع أن نجعل مليون عربي تحت الحكم الإسرائيلي يعيشون بيننا في حالة مقاومة هادئة أو هائجة.

ففي حالة الهدوء سوف تكون مقاومتهم عبئًا على ضميرنا.

وفي حالة الهياج سوف يضطر جيش الدفاع أن يتحول ليصبح ميلشيا بوليس».

وهكذا كان «رابين» ربما بغير قصد يقترب من إمكانية الاعتراف بمنظمة التحرير وقبول التعامل معها لأنه:

«إذا وضعت منظمة التحرير توقيعها على ورقة فسوف يكون من الصعب على أي طرف آخر في العالم العربي أن يزايد عليها، وذلك يمكن أن يكون اختراقًا إسرائيليا بعيد المدى في قلب العالم العربي».

وهكذا كان «إسحاق رابين يسمع بدقة ويتأمل في صمت ويفكر بحذر، وكان «شيمون بيريز» قد قرر أن يغامر ويجرب.

شيمون بيريز وساوس كامنة لشخصية مترقبة

«من المستحيل الثقة في أفعال شيمون بيريز!» شارون

إن «شيمون بيريز» شخصية شديدة التعقيد، ولعلها تصلح لأن تكون التعبير الأشد قربًا من تصوير دولة إسرائيل ذاتها.

فـ«شيمون بيريز» من مواليد بولندا، لكنه يُعد الشرق أوسطي الأول – وهو أكثر المستشهدين بالتوراة لإثبات الحق المقدس للشعب اليهودي في فلسطين.

لكنه كان أول من يعترف بأنه «ملحد» ترك العقائد الدينية منذ زمن طويل للحاخامات وأشياعهم.

وهو باني الصناعة النووية في إسرائيل، لكنه مع ذلك كان قبليًا حتى العظام في سياساته، والواقع أن علاقة الكراهية المتبادلة بينه وبين «رابين» لا يمكن تفسيرها إلا بمنطق العداء القبلي.

وكان «بيريز» طوال عمره رجلًا يجتذب إليه شكوك الآخرين وريبتهم فيه، فهم يسمعون ما يقوله ولا يصدقونه، يرون تصرفاته ويتساءلون عما وراء ظاهرها، ولم يعطه أحد في أي وقت من الأوقات فرضية «حسن النية».

واعتبر كل ساسة إسرائيل وبغير استثناء أن:

«افتراض حسن النية يصعب أن يرد بشأن شيمون بيريز» كما قال شارون.

من اليمين بيريز ورابين وشارون

وبعض ذلك يعود إلى ظروف «بيريز» وبعضها الآخر يعود إلى شخصيته.

إن ظروف بيريز خصوصًا في فترة إقامة الدولة، جعلته قريبًا من «دافيد بن جوريون»، ولسنوات طويلة كان مديرًا لمكتبه، وهذا جعله في وضع من يعرف الأسرار قبل نظرائه، ومن ينقل المعلومات إلى رؤسائه، وكان هذا يثير حفيظتهم.

ثم إن تكليفه بالمهام السرية الخاصة التي يطلبها منه «بن جوريون» كان يعطيه وضعًا ممتازًا يتفوق به على الآخرين، ثم أصبح لهذا الوضع شأن أخطر حينما قام «بن جوريون» بتكليف «بيريز» بأن يشرف سياسيًا على مشروع إسرائيل النووي.

إن «بيريز» كان يشعر بحساسية الآخرين، وبدوره، وبادعاء الحرص على الأسرار فإنه حرص على أن يخلق لنفسه مكانة عصية على غيره، ولأن حرصه على ماه وفي إطار مسؤوليته كان شديدًا، فقد تعلم أن يخفي تحركاته، وأن يُحيطها بغموض يفوق الحاجة الموضوعية للسرية والإنكار.

بيريز وبن جوريون التلميذ والأستاذ!

وعندما دخل «بيريز» إلى الحلبة السياسية كانت أدواره وتصرفاته وأقواله غير قابلة للتصديق على ظاهرها. وتشكل سلوكه يوما بعد يوم بما جعل دوائر واسعة من الساسة وكتلًا واسعة من الرأي العام غير قادرة على أن توليه ثقتها، وأن تبدأ علاقاتها معه بالحذر منه مهما فعل معها أو قال لها!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل