المحتوى الرئيسى

مصر: هجوم جديد على نقابة الصحافيين الكلام ممنوع والاحتجاج مقموع؟

11/21 02:40

للمرة الأولى في تاريخ نقابة الصحافيين المصرية، الذي يمتد لـ75 عاماً، يصدر حكم بالحبس سنتين وكفالة مالية بعشرة آلاف جنيه، بحق كل من نقيب الصحافيين يحيى قلاش ووكيل النقابة خالد البلشي وسكرتيرها العام جمال عبد الرحيم بتهمة إيواء مطلوبين اثنين والتستر عليهما في مقر النقابة.

الحكم شكَّل صدمة للوسط الصحافي في مصر، ليس فقط لكونه سابقةً تاريخية، بل لأن المطلوبَين اللذين لاذا بالنقابة مطلع أيار الماضي، قد تم إخلاء سبيلهما بالفعل من قبل النيابة، ما أثار التوقعات بأن التهمة الموجهة للنقيب والوكيل والسكرتير أصبحت منتهية.

وقائع القضية تعود لنهاية نيسان الماضي، عندما لجأ الصحافيان عمرو بدر ومحمود السقا إلى مقر النقابة في وسط القاهرة، بعد صدور أمر من النيابة بضبطهما بتهمة التحريض على التظاهر، احتجاجاً على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.

وبرغم لجوء الصحافيين لمقرّ النقابة في ظروف مشابهة قد تكررت في السابق أكثر من مرة، وكان يعتبر اللجوء للنقابة آلية للاستجابة لقرارات النيابة عبر توسيط النقابة، إلا أنه في هذه المرة، اقتحمت قوة من الأمن مبنى النقابة للمرة الأولى في تاريخها، وألقت القبض على الصحافيّين، من دون إجراء المشاورات المعتادة من نقابة الصحافيين.

واجهت الدولة غضب الصحافيين ضد اقتحام نقابتهم بالتصعيد، فوجَّهت تهمة إيواء مطلوبَين والتستر عليهما في مبنى النقابة لنقيب الصحافيين ووكيل النقابة وسكرتيرها.

وإذا كانت هذه وقائع القضية، فوقائع الأزمة بين النقابة والدولة قد تعود إلى ما قبل ذلك. فعلى مدار السنوات الماضية، تمكنت أجهزة الأمن من منع مظاهر الاحتجاج والتعبير منعاً شبه كامل.

وتمكنت من السيطرة على كل الأماكن المرشحة لاستقبال متظاهرين أو معارضين، ولم يبقَ مكان يتجمع فيه المتظاهرون سوى سلّم نقابة الصحافيين، فكانت تظاهرات ووقفات موظفي الحكومة اعتراضاً على قانون الخدمة المدنية، وتلاميذ الثانوية العامة احتجاجا على قرارات وزارة التعليم، وأهالي السجناء والمخفيين قسراً وسواهم تتجه إلى سلّم نقابة الصحافيين لتعتصم وتتظاهر.

ولكن الحدث الأهم كان في 16 نيسان الماضي، اليوم الذي دعت قوى سياسية للاحتجاج على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير. وتمكنت قوات الأمن بالفعل من إجهاض أي محاولة لتجمع المتظاهرين، فلاذوا بنقابة الصحافيين التي فتحت أبوابها لتشــكيل غرفــة طوارئ للصحافيين في ذلك الــيوم، فكانــت أضخم تظاهرة معارضة للنظام منذ العام 2013، وعادت شعارات «ثورة يناير» للظهور فيها، ما اعتبــره النــظام تحدياً له.

وكان الرد الأول من النظام هو محاصرة مقر نقابة الصحافيين، وإغلاق محيطها بالكامل يوم 25 نيسان للأسباب نفسها، ودفع أعداد من المسجلين «خطر»، الذين يجري جمعهم لمواجهة المتظاهرين، واحتلال سلالم النقابة وتشغيل مكبرات الصوت بالأغنيات المؤيدة للنظام، والتحرش بالنقابة والإساءة إليها.

كان رد النقابة هو تقديم بلاغ للنائب العام بما حدث من قبل الأمن وبحمايته، وتوجه جمع من الصحافيين بقيادة النقيب وأعضاء مجلس النقابة لتقديم البلاغ في محاولة لرد اعتبار النقابة.

ولم يمر أسبوع على تلك الأحداث حتى تم اقتحام النقابة كما سبق، في رسالة واضحة من قبل الأمن، بأن النقابة لن تكون ملاذاً آمناً للمتظاهرين. وتلى عملية الاقتحام تكرار إغلاق الشوارع المؤدية إلى مبنى النقابة في مناسبات متعددة، سواء عند انعقاد مؤتمرات الصحافيين عقب عملية الاقتحام، أو عند الدعوة لأي احتجاج أو فاعلية معارضة للنظام.

القضية التي اتهم فيها نقيب الصحافيين ووكيل النقابة وسكرتيرها لا يمكن فهمها إلا من خلال إصرار الدولة على القضاء على أي احتمال للمعارضة وأي فرصة لتجمع احتجاجي. ولكن الحكم الصادر في القضية، والذي شكل صدمة للوســط الصحافي والمتابعين للقضية لا يمكن فهمه سوى في سياق ما يجري بالفعل حاليا.

فمن ناحية، تسعى الدولة لإصدار التشريعات التي تنظم الإعلام والصحافة، عمل الصحافة والإعلام لفترة طويلة، وتضمن حقوق الصحافيين المادية والأدبية. والضغط على النقابة بتلك القضية والحكم على نقيبها ووكيلها وسكرتيرها يمكن أن يضعف دور النقابة في صياغة تلك التشريعات، بما يمس حرية الصحافة والإعلام ودرجة من الحماية للصحافيين.

ومن ناحية أخرى، تمثل الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة، خاصة تحرير سعر الصرف، ضغطاً شديداً على صناعة الصحافة، نتيجة تضاعف تكلفة استيراد الورق والأحبار، وبالتالي الطباعة، وهو ما يهدد مستقبل المهنة وبالتالي الصحافيين، فضلا عن انخفاض الأجور الحقيقية للصحافيين نتيجة ارتفاع الأسعار، وهو ما يلقي أعباءً على نقابة الصحافيين للقيام بدورها لحماية حقوق الصحافيين وحماية المهنة نفسها.

هذا ما يعلق عليه خالد البلشي وكيل النقابة في حديثه لـ «السفير»، قائلا: «من الواضح أن أحد أهداف حكم كهذا، هو إلهاء النقابة عن قضايا مصيرية متفجرة حاليا، وهي قضية تشريعات الإعلام والتي تبذل النقابة فيها جهدا كبيرا للوصول لتشريعات تضمن حرية الإعلام والصحافة، وتضمن أيضا حقوق الصحافيين، وكذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمس الصحافيين مباشرة. وصدور الحكم على هذا النحو محاولة لدفع النقابة للانكفاء على أزمتها الداخلية وإهدار طاقتها الموجهة للقضايا المصيرية التي يواجهها الصحافيون».

هذا ما يؤكده أيضا يحيى قلاش، نقيب الصحافيين في حديثه لـ «السفير»، قائلاً: «الحكم ليس موجهاً فقط تجاه النقيب والوكيل والسكرتير، الحكم يمس كل الصحافيين والمهنة عامة».

ويضيف قلاش «النقابة مؤسسة وتعمل وفقا لقواعد. هناك مسار قانوني ستسلكه النقابة، والحكم الصادر لن يثنينا عن القيام بواجبنا واستكمال ما بدأناه في كل الملفات».

الحكم الصادر بحق نقيب الصحافيين ووكيل النقابة وسكرتيرها أعاد إلى الأذهان غضبة الصحافيين في مطلع ايار الماضي عندما تم اقتحام النقابة. ففور صدور الحكم الذي كان مفاجئا، توافد على النقابة الصحافيون ليعلنوا وقوفهم ضد الحكم الصادر. ومع انعقاد مجلس النقابة في جلسة طارئة، شهدت سلالم النقابة وقفة احتجاجية لمئات الصحافيين منددين بالحكم وبالملاحقة التي تتعرض لها النقابة. وأصر الصحافيون على دعوة مجلس النقابة لمؤتمر حاشد للجمعية العمومية يوم الأربعاء المقبل، كما طرحت قضية انعقاد جمعية عمومية طارئة للنقابة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل