المحتوى الرئيسى

حقوق الإنسان.. بين السماء والرئيس! | المصري اليوم

11/21 01:00

الكون يحكمه قانونان.. إلهى وبشرى.. الأديان السماوية والقوانين الوضعية.. حاول الإنسان منذ نزوله الأرض أن يقترب من تعاليم الله.. لكن النفس الأمارة بالسوء كثيرا ما تضله عن الطريق القويم.. الإنسان طيب بالفطرة يقول المولى- عز وجل-: «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم لكن أكثر الناس لا يعلمون».. ومعنى حنيفا: مستقيما.. لكن الله يعلم أن أكثر الناس لا يعلمون.

البشر وطموحهم المادى وطمعهم الدنيوى وتنازعهم الخيرات جاروا على بعضهم، وتنازعوا، فاضاعوا الحقوق وتجاهلوا الواجبات.. جرائم العدوان على الحقوق قديمة قدم البشرية فقتل قابيل هابيل لأنه طمع فى زوجة أخيه، فكانت أول جريمة فى الأرض.. يقول- سبحانه وتعالى- فى سورة طه، بعد أن عصى آدم ربه فغوى ثم تاب عليه الله «اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى». وهبط آدم وذريته وإبليس ونسله، ودار الصراع الأبدى بين الفجور والتقوى.. بين الرذيلة والفضيلة.. بين الطهر والعهر.. وتبحث بين هذه المرادفات، فتجدها صراعا حول حقوق الإنسان من وجهات نظر مختلفة.

فقد قُتل عثمان- رضى الله عنه- لأن ذابحيه تصوروا أنه جار على حقوقهم.. وحارب صحابه النبى «طلحه والزبير» على بن أبى طالب رغم علمهما بتحذير الرسول لهما من مقاتلته، تذرعا بالحقوق.. ونازع معاوية على بن أبى طالب الخلافة، ولم يعترف به أميرا للمؤمنين..

ما أريد قوله إنه حتى صحابة رسول الله والمبشرون بالجنة غلبت عليهم الطبيعة البشرية، فنسوا أو تناسوا الحقوق وأهدرت دماء، وكانت الفتنة الكبرى فى الإسلام التى كانت أساس صراع على أينا على حق، ومن على الباطل.

وارجع إلى القرآن «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها».. الصراع بين الخير والشر تطور إلى تصارع حول الحقوق إلى أن أصبحنا فى غابة يأكل القوى الضعيف، ويجور الغنى على الفقير.

فى 10 ديسمبر عام 1948، صدر الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى قصر شايو بباريس، وصار المرجع الدولى لكافة البشر والحكومات والساسة فى أنحاء الكرة الأرضية، ولحقته وثائق أخرى فى 1966، 1976 وما تضمنته من تعديلات اقتصادية واجتماعية وثقافية صارت جميعها لها حجية دولية.. والواقع أن هذا الإعلان لا يخرج عن المبدأ الإسلامى الشهير وهو «حد الكفاية»، أى أن يكون للإنسان ما يقتات به فى العمل وعدم التمييز فى الأجر وحق المعاملة الحسنة ووسيلة المواصلات والرفاهية والصحة الجيدة والتعليم والقضاء العادل والمساواة فى تلقى الخدمات التعليمية وغيرها.

قيل لعمر بن الخطاب يوما ألا تكسو الكعبة بالحرير يا أمير المؤمنين؟ فأجاب: «بطون المسلمين أولى»!

المهم أننا وصلنا إلى العصر الحديث، فإذا بحقوق الإنسان فى مصر تختزل فى حرية التعبير عن الرأى وحسن معاملة المسجونين.. فقط.. يدرسون مادة حقوق الإنسان فى كلية الشرطة، ويوثقون حرية التعبير فى الدستور.. ودمتم.. تتكلم الصحافة عن العدالة الاجتماعية، ويقوم الرئيس بمبادرات فردية، ويهتم التوك شو والإعلام بالدعاية.. لكن المعنى الحقيقى للتكافل والكفاية وحقوق الإنسان غائب أو نائم فى عنبر النسيان!

مناسبة هذه المقدمة هو اللقاء الإنسانى الذى جمع بين الرئيس السيسى و«منى السيد» صاحبة العربة الحديدية التى تجرها كهرقل نسائى للإنفاق على عائلتها.. قبلها قابل الرئيس «صيصة» السيدة التى ارتدت زى رجل، 42 عاما، لتعول أسرتها، وفازت بلقب الأم المثالية.. وقابل سيادته الطفل أحمد، مريض السرطان، الذى أرسل طلبا لمقابلة السيسى من مكتب إبراهيم محلب.. أما تقبيل الرئيس رأس الحاجة زينب التى تبرعت بقرطها الذهبى لصندوق تحيا مصر، فكان الأشهر لأنه بداية الإعلان عن الجانب الإنسانى المهم للرئيس.

لكن هل إنسانية الرئيس سلوك فردى أم مجتمعى؟ طبعا فردى.. الفقير يحصل على حقه «شفقة» وليس حقا.. إحسانا وليس عدلا.. استجداء وليس كرما.. الناس تموت فقرا والرئيس لن يرى الـ30 مليون فقير على التليفزيون أو السوشيال ميديا.. وبالتالى سيظل الفقراء فى بلادى يموتون فى صمت.. الرئيس رائع فى سلوكه مع المحتاجين.. لكن طاقة الفقر أوسع من عين الشمس فى وضح النهار.

الفقراء بشر لهم حقوق، حرام أن تضيع وقت أن كان المال وفيرا، ويصلح كمظلة اجتماعية محترمة لهم.. ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.. فقراء مصر معلقون فى رقبة الرئيس.. إنهم أولى وأحق من الذين يتم الإفراج عنهم بانتقائية غريبة.. إنهم أحق بالإعاشة والرعاية والحرية، بدلا من التطييب الفردى للخواطر.. إذا كان العالم يضغط عليك فى حقوق المساجين، فالله سيحاسبك على الفقراء، لأنهم مسؤوليتك.

لقاء الفقراء فرادى يستغله الإعلام للترويج لك، رغم أن هذه ليست نيتك ولا طلبتها.. لكن هناك حالات ستبكى لو عرفتها.. المسنة التى سرقوا دجاجتها، وكانت تقتات من بيع البيض.. خادمة المنزل التى طلبت مساعدة مالية من سيدها فراودها عن نفسها.. يا ريس حكاوى الفقراء ستبكيك ومسؤولياتك أكبر من أن تستقطع وقتا لمقابلتهم.. هناك من ينامون متحسرين على عدم تمكنهم من لقائك.. وهناك من يلعنون الإعلام الذى يبرز حالات، ويخفى ملايين.. صور الشفقة والإحسان ينبغى أن تتحول إلى مسؤولية اجتماعية.. المبالغ التى يقدمها برنامج تكافل وكرامة الحكومى لا تسد رمقا، ولا تروى ظمأ، ولا تستر فتاة.

مصر مازالت تسير بالبركة والصدقة والزكاة.. لكن غول الغلاء يملك فم ديناصور ولسان تنين، ينفخ النار، فيحرق الزرع والضرع وأرزاق الفقراء.. من ثم يا سيادة الرئيس، الفقراء يحتاجون مؤسسة أو هيئة تابعة للرئاسة مباشرة.. «تحيا مصر» ليست للفقراء.. الهيئة التى أقصدها تكون بياناتها مستقاة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة التضامن الاجتماعى وهيئة المعاشات.. لابد أن يكون لها تمويل مستمر ودائم، وليكن نسبة بسيطة من أرباح البنوك ومساهمات من صندوق تحيا مصر ووزارة الصحة.. هيئة ترعى الفقراء بكرامة دون إراقة ماء الوجه، ودون الحاجة إلى إعلام يطبل وصحافة تحتفى.. الدواء والرعاية الصحية والمعاشات الشهرية ومبالغ للمرأة المعيلة- ستلغى الفقر الذى احتل منافذ الستر.

هناك ملايين قابعون فى منازلهم ينتظرون رحمة الله فى الموت، إذ لا يوجد من يسأل عنهم.. الفقراء يا سيادة الرئيس يحتاجون من الدولة ترتيب الأولويات وتوجيه جديد لبوصلة الاهتمامات وبؤرة حقوق الإنسان التى لا تقتصر على معاملة السجناء وإطلاق سراح نشطاء، بل إن هناك ما هو أهم.

أما مسألة الاهتمام بحقوق الإنسان السياسية، فقد شهدت تحسنا طفيفا فى الآونة الأخيرة.. لكن المشكلة هناك من يربط بين مصر ودول استبدادية فى هذا المجال، مثل كوريا الشمالية! البون شاسع بين النموذجين.. إن مصر العضو بمجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان الدولى أصبح عليها واجب ثقيل أمام العالم ومثلها تونس.. ورغم أن الاختيار لا علاقة له بتقدم سجل حقوق الإنسان فى الدول المختارة (الصين مثلها عضو وهى من أسوأ الدول انتهاكا لحقوق الإنسان) إلا أن مصر أمامها فرصة ذهبية لتحسين الصورة المبالغ فيها عنها.. البعض يضعها فى نفس خانة كوريا الشمالية، وهى أبعد ما تكون عن ذلك.

إن بيونج يانج لا تسجن المعارضين فقط، بل تعدمهم وترميهم للكلاب الجائعة، وتطلب معونات غذائية لشعبها الذى تطحنه المجاعات ثم تستولى عليها وتعطيها للجيش الذى يهدد جيرانه، وينزع الاستقرار والأمن من أهم مناطق التجارة العالمية مع مصر التى تشمل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها.

إن مصر التى تحترم حقوق الإنسان لا يمكن أن توضع فى سلة واحدة مع كوريا الشمالية التى يشهد هذا الشهر تصويتا على انتهاكاتها البشعة فى مجلس الأمن، وينبغى أن تصوت مصر مع هذا القرار.. صداقتها لكوريا الشمالية شىء ومكانتها الدولية المرموقة شىء آخر..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل