المحتوى الرئيسى

د. محمد فتوح يكتب في الذكرى السادسة لـ «فرقان الثورة»: أين انتهى طريق الإسعاف.. في محمد محمود

11/20 12:02

الجميع يتذكر الصورة الشهيرة لأحداث محمد محمود التي يظهر فيها عشرات وربما مئات الألاف مجتمعين في ميدان التحرير ويظهر في المنتصف طريق مرسوم بدقة من خلال الحشود حتى تمر السيارات والموتوسيكلات التي تنقل المصابين.. الكل يعلم أن هذا الطريق يبدأ عند مدخل شارع محمد محمود من ميدان التحرير ولكن لم يهتم الكثيرون لمعرفة أين انتهى هذا الطريق

للإجابه على هذا السؤال إسمحولي أن أعود معكم بالزمن الى يوم 19 نوفمبر 2011

أجلس في إجتماع مجلس نقابة الأطباء الذي تم إنتخابي فيه قبلها بأقل من شهر، وتشير عقارب الساعة الى حوالى الرابعة والنصف عصرا ... يدق تليفوني المحمول بنغمته المتميزه لأجد إسم أحد أصدقائي وشريكي في جمعية أطباء التحرير.. أضغط زر إجابة المكالمة لأسمع صوت صديقي وهو يلهث (هات الناس كلها وتعالى.. إحنا في ميدان التحرير والدنيا متبهدله عالآخر.. الشرطه اعتدت على أهالي الشهداء والمصابين اللي كانوا معتصمين في الصينيه)

أشعر بالخطر من لهجة صوته وطريقة كلامه فأعتذر عن إستكمال الإجتماع، وأسرع إلى سيارتي المركونه أسفل النقابة لألتقط شنطة الإسعافات التي لم تغادر سيارتي لمدة عامين منذ ثورة 25 يناير.. أقوم بإيقاف تاكسي، وأطلب منه التوجه الى أقرب نقطه الى ميدان التحرير يمكن وصولها.. بعد 10 دقائق كانت السياره قد وصلت إلى ميدان سيمون بوليفار، ليقوم السائق بإنزالي والهرب سريعا بسيارته حتى قبل أن أحاسبه على المشوار فالغاز كثيف لدرجه تمنع الرؤية خصوصا مع بداية دخول الليل والرائحة نفاذة خانقة تكتم الأنفاس وتهيج كل الأغشية المخاطيه في الأنف والعينين.

بدأت في العدو بعيدا عن الميدان مع تصاعد أصوات شباب آخرين يجرون عكس اتجاه الميدان وظهور خيالات بعض أفراد الشرطه يعدون خلفهم.. في أثناء العدو والكر والفر، التقي بعض أصدقائي ورفقائي من الجمعيه فنقرر أن نقيم نقطة إسعاف ميدانيه وبعد محاولات عديدة يستقر بنا الحال أسفل مجمع التحرير ونرسل الرسائل على فيسبوك وتويتر ليتجمع الأطباء في هذا المكان وتبدأ أول خدمة طبية شبه منظمه في هذا المكان.. أما الأسعاف فهي موتوسيكلات وتروسيكلات أحضرها أعضاء من 6 ابريل عن طريق بعض أصدقائهم ﻹحضار المصابين من مختلف أنحاء الميدان الى تلك النقطة أسفل المجمع.

قبل انتصاف الليل كانت الإشتباكات قد تركزت في شارع محمد محمود وأصبحت كل الإصابات تأتي من هذا الشارع.. كما اتضح كذلك أن المكان الذي نستخدمه غير آمن للبقاء فيه، فرائحة الغاز تجعل مهمة إسعاف المصابين شبه مستحيلة، بل أصيب بعض الأطباء أيضا بالإختناق الشديد نتيجة لكمية الغاز المبالغ فيها بالميدان.. لذلك بدأ البحث عن مكان آخر لبدء مستشفى ميداني على غرار المستشفى التي أقمناها في أثناء جمعة الغضب 28 يناير. استقرت الأراء على أن أنسب مكان للمستشفى الميداني هو مسجد عمر مكرم.. وفي خلال ساعتين قمنا بإستئذان إمام المسجد الذي وافق على إعطائنا دار المناسبات الصغيرة المجاورة لباب المسجد والمطله على ميدان التحرير.

في خلال ساعات قليلة كانت دار المناسبات قد تحولت الى مستشفى ميداني تحتوي على صيدليه وأطباء وتمريض ومشرفين وحراس للأمن بل وبوفيه صغير لتقديم العصائر والبسكويت للمصابين وفي اليوم التالي تم استكمالها من خلال التبرعات الغزيرة التي وردت اليها ... فأصبحت تحتوي على 10 أسره من ضمنهم سريرين للرعاية المتوسطه وجميعها مجهزة بكل الأجهزة والمستلزمات المطلوبة ... كما إحتوت الصيدلية على كل أدوية الطوارئ وحتى غيرها من أدوية الأمراض المزمنة.

كانت التبرعات العينية بالأدوية والمستلزمات والأجهزة الواردة من أشخاص وجمعيات وهيئات حتى إمتلئت دار المناسبات الكبرى عن آخرها بتلك التبرعات.. أما المستشفى نفسها فقد إمتلئت بالأطباء والتمريض المتطوعين من كافة التخصصات حتى جراحة القلب وجراحة المخ والأعصاب لتعمل بنظام المناوبات على مدار الساعة وتمتلئ جدرانها الرخامية المزخرفة بأوراق تحمل برتوكولات إسعاف الإصابات المختلفه ولتستقبل المستشفى المصابين بمختلف الإصابات وتقوم بعمل الإسعافات الأولية لهم ثم التنسيق مع المستشفيات الخاصة والحكومية المحيطة بمحيط ميدان التحرير ونقل المصابين المحتاجين عن طريق سيارات الإسعاف اليها.

في صباح يوم 21 نوفمبر تلقيت إتصالا من مساعد وزير الصحة وقتها د عادل عدوي الذي أصبح وزيرا للصحة بعد ذلك يطلب من مستشفى عمر مكرم أن تقوم بمناظرة جميع حالات الإصابات في محمد محمود ومعالجة من تستطيع إسعافهم أو علاجهم فيها ثم فرزهم وتحويل من يصعب علاجه فقط الى المستشفيات الحكومية نظرا لعجز المستشفيات الحكومية المحيطة عن إستقبال المزيد من المصابين وأبلغني أنه سيضع جميع سيارات الإسعاف الموجودة في محيط الميدان تحت طلب أطباء المستشفى وأن الخدمة التي تقوم بها المستشفى سيتذكرها التاريخ وأن مصر لن تنسى من يقوم بخدمتها ( بعدها بشهر أصيب أحد أعضاء الجمعية بالرصاص الحي أثناء أسعافه المصابين في أحداث مجلس الوزراء ... تم إختطاف عضو آخر في نفس الأحداث وتعذيبه لعدة أيام.. أستشهد عضو الجمعية محمد كريستي بإغتيال متعمد أمام الأتحادية في فبراير 2013.. والآن أعضاء رئيسيون بالجمعية مطاردون بأحكام ظالمة وبعضهم هارب خارج البلاد )

أعلنت بعد ذلك وزارة الصحة إن إجمالى عدد الوفيات، في أحداث محمد محمود قد بلغ 44 شهيد وأن أعداد المصابين لم يتجاوز 1500 مصاب، بينما تشير دفاترنا الموثقة الى أكثر من 57 شهيد داخل الميدان و4200 مصاب بالإضافة الى حوالي 300 مفقود في خلال حوالى 7 أيام من الإشتباكات ... أكثر من نصف أعداد الشهداء والمصابين كانت نتيجة إختناقات بالغاز المسيل للدموع بينما تجاوزت أعداد مصابين العيون التي وصلت الى حد الفقأ الكامل أكثر من 120 إصابة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل