إسلام كامل: معركة عقلية
عندما تحمل الرحالة القدامى مشقة السفر لشهور وسنوات من أجل الوصول إلى النقطة (ب) إنطلاقاً من النقطة (أ) دون امتلاك تقنيات حديثة أو طائرات أو حتى دراجات هوائية، لم يدركوا أن ما يملكونه بالسليقة أو بالفطرة الإنسانية هو تحديداً ما يريد أن يعلمه إسلام كامل، المغامر والمهندس والمخطط العمراني وخبير "الكودات" ونظم البناء المستدام، للمسافرين عبر شركة تدريب متخصصة في تغيير الإنسان إلى الأفضل من خلال عدد من التجارب الفريدة.
لم يدرك الرحالة القدامى أيضاً أن التغلب على المخاوف والتعامل مع المخاطر بهدوء لحين استحضار الحلول، هي مزايا جوهرية يحتاجها الإنسان في معيشته بالعصر الحديث، أو أن التزود بالمؤن الكافية من أجل البقاء على قيد الحياة أصبح قاعدة رئيسية في تأسيس مفهوم رعاية الشركات لرحلات السفر، بدأها المغامر الأميركي ويليام ريتشاردسون في العام 1815 عندما خاطب البنوك بهدف دعمه مالياً في رحلة بين مدينتي بوسطن ونيو أورلينز استغرقت شهرين.
قد يختلف وعي الرحالة القدامى عن إدراك ريتشاردسون أو أسباب إسلام كامل إلا أن الثلاثة يشتركون في المرور بتلك المعركة العقلية المطلوبة والضرورية لكي يتغير الإنسان فيتعلم أهمية كسر الحواجز النفسية والإنجاز الشخصي.
هنا يشرح إسلام فكرته:«أضع حالياً خطة العمل وأدرس إن كنت سأقوم بالشركة بمفردي أم بالتعاون مع مستثمرين آخرين. هناك بعض الشركات المتخصصة في رحلات السفر إلى أماكن غير تقليدية، ولكن فكرتي تركز على الجزء النفسي من خلال تدريب أشخاص لا يمكنهم تصور القيام برحلات غير تقليدية بواسطة أشخاص مثلي كان لديهم نفس التصور عن أنفسهم.»
هل تعني خطة إسلام أن الشركة ستساهم في بناء جيل جديد من المسافرين المغامرين؟. بينما لا يؤكد إسلام ذلك إلا أنه دون أن يدري يقوم حقيقة بالتأسيس لذلك. «الفكرة ترتكز على استخدام التجارب الفريدة لتغيير النفس. أنا لا أجبر المتدرب على القيام بالرحلات وأكتفي بإعطائه النظريات. لا.. عليه أن يقوم بذلك وهو مستمتع بالأمر، ونحن نجهزه نفسياً وندربه بدنياً لتلك الرحلات ونحدثه عن الأدوات وأهمية الرحلة في تغيير عقليته من خلال التجارب الفريدة.»
ويضيف:«البزنس عبارة عن رحلات في أماكن غير تقليدية وهو ليس وكالة سفر بل مجتمع تصبح فيه عضواً لكي يتم تحضيرك لهذا نفسياً وبدنياً ومعرفياً. ماذا ستفعل لو أمسكت أسداً؟ أو شاهدت غوريلا؟ أو إذا سبحت مع أسماك القرش؟. كل هذا إلى جانب اللياقة البدنية ثم تجربة السفر، سيجعلك تمر بتجارب مغيرة لحياتك.»
هنا أيضاً يستذكر إسلام تجربته الشخصية عندما كان إنساناً مستسلماً وخائفاً حتى من اجتماعات البزنس في حياته العملية، وكيف غيرته التجربة لتغير عقليته وليصبح أي شيء في الحياة عادياً وبسيطاً. «كيف يأتي هذا التغيير؟.. من هرمون الأدرينالين الذي يدفع الإنسان للشعور بأنه قيادي بالسليقة تماماً مثل الغوريلا عندما نرى طريقة عيشها في الطبيعة. الغطس مثلاً جعلني منظماً وأن أكون هادئاً وقت المشكلة وأن أتنفس جيداً ثم أبدأ في البحث عن حل لها.»
وبالفعل حفت تجارب إسلام بالمخاطر حيث تنقل من أقصى جنوب الكرة الأرضية أي القارة القطبية الجنوبية المعروفة باسم «أنتاركتيكا»، إلى الشمال حيث رحلاته في «جرينلاند» والمحيط المتجمد، و واجه الشيمبانزي في غابات «كيبالي» وغوريلات «باوندي» بأفريقيا، والتقى ومشا مع أسود «لوانجوا» في «ليفينجستون»، وعبر سهول وغابات السافانا الجنوبية في زامبيا، وزار منابع نهر النيل في أوغندا، وقام برحلات مثيرة حول رأس الرجاء الصالح، وغطس خلف الدائرة القطبية الشمالية في أيسلندا.
وفي «أنتاركتيكا» رأى إسلام انهيار الثلوج ، والفقمات الخطرة، وتعطل منظم بدلة غطسه وتجمد فدخل الماء إليها، إلى جانب تعرضه لمخاطر ليست ببعيدة عن ذلك أثناء تدربه في دبي لمدة أربعة شهور قبل ذهابه إلى «أنتاركتيكا» بسبب تعرضه لنزلة برد و إصراره على التدرب رغم خطورة ذلك.
ويسرد إسلام في مدونته حكايات شيقة ليس فقط عن مغامراته، أو مخاطر الرحلات، أو حكايات البشر والشعوب، بل التجربة التي غيرت حياته وشخصيته من تلك الشخصية الخائفة إلى المقدامة التي تواجه الصعوبات بهدوء.
تأسست اللبنة الأولى لمدونة «أدرينالين»بصفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» وصل عدد المعجبين بها مؤخراً إلى 191,524 شخصاً، ودفع اهتمام أصدقائه الأجانب بترجمة كل ما يكتبه عبر «جوجل» إسلام، إلى تأسيس المدونة بأربعة لغات هي العربية والانجليزية والفرنسية والإسبانية.
يتابع إسلام:«القضية ليست قضية سفر. السفر هو وسيلة وأداة..عندما أتحدث مع الناس في مصر يتصورون أنه يجب أن تتوفر معك أموال كثيرة لكي تسافر. ولكن عندما بدأت المدونة وبدأ التفاعل بشكل أكبر مع الناس في مصر جاءتني رسائل تسألني عن كيفية القيام بما فعلته وكيف يبدأون الذهاب إلى تلك الأماكن للقيام بتلك التجارب. ما أقوله هو أن الفكرة ليست في السفر بل في المغامرة بالسفر، وفي التحدي والحاجز الذي عندما أكسره يتغير شيء بداخلي كإنسان. قد يتحقق هذا من خلال السفر أو غيره. أنا دائماً أقول المغامرة بجوارك وليس بالضرورة السفر بعيداً، بل بما يناسب كل شخص. مثال صغير.. في بلدي مصر، لو ركبت الباص الصغير (المعروف مصرياً باسم الميكروباص) و ذهبت إلى مكان لا تعرفه ..هذه تعد مغامرة.»
يقول:«في مرحلة من حياتي سآخذ قسطاً من الراحة لأصبح فيما بعد مسافراً حقيقياً . هناك أمران سياحة و سفر. اعتاد الناس قديماً أن يكونوا مسافرين، أما الآن، فهم سياح لأنهم يبحثون عن فندق لطيف، ولو تعطل جهاز التكييف يتواصلون مع خدمة الغرف لإصلاحه ويبحثون عن مقهى «ستار باكس» والإنترنت. السفر ليس كذلك..السفر فعلياً هو أن تضع نفسك في موقف صعب.»
كما يؤكد إسلام أن تكلفة السفر لا ترتفع مثلما يظن البعض مقارنة ببحث قام به ليجد أنه يتعين على الشخص توفير 2000 دولار شهرياً لكي يسافر حول العالم كسائح لمدة عام، و مع ارتفاع تكلفة المعيشة حالياً من يستطيع القيام بذلك؟ «من الطبيعي مثلاً في بلد مثل بوليفيا أن ترى فيضاناً أو مظاهرة. أنا شخصياً أصبحت مرناً. فعقلية المسافر تختلف عن عقلية السائح. أنا أسافر على الطيران الاقتصادي، والحقيقة أن أميركا الجنوبية مثال سيئ لمن يريد أن يبدأ السفر، لأن تكلفتها كلها تنحصر في تذكرة الطيران بينما السفر داخل القارة نفسها ليس مكلفاً، فيمكنك السفر بالباصات أو بالدراجات الهوائية أو الدراجات النارية. رأيت مسافرين على دراجات هوائية جاؤوا من الأرجنتين إلى تشيلي ودخلوا بوليفيا من الجنوب إلى أن وصلوا مدينة «لاباس» في الشمال. أنصح المبتدئ أن يتجه لأفريقيا أولاً ..رحلة مباشرة من دبي لأوغندا تستغرق خمس ساعات مثلاً.»
ويضيف:« أذكر أن أحد مدوني السفر تعرض لسرقة في أوروبا الشرقية وحذر الناس من الذهاب إلى هناك في مدونته، ولكن الحقيقة تلك هي فكرة السفر. هذا يحدث في كل مكان، وتعرض هذا الشخص للسرقة لأنه لم يكن منتبهاً.. تعرضت لأسباب مماثلة و تعلمت من تجربتي، وكل تجربة طورتني. أذكر أنني عندما ذهبت للغطس في «أنتاركتيكا» أخذت معي حقيبتين كبيرتين على القارب إحداهما احتوت على معدات الغطس والثانية على ملابس كثيرة. الآن عندما أسافر آخذ حقيبة يد فقط لأنني تعلمت أنني لا أريد أن أفقد حقائبي خاصة أنني أتحرك سريعاً وأسافر على الطيران الاقتصادي ولا أريد أن أدفع ثمن الوزن.»
إذاً تلك هي فلسفة إسلام في السفر فهو مشقة ثرية معرفياً وإنسانياً لا رفاهية مسلية..ولكن ماذا تعني الوجهات السياحية التقليدية بالنسبة إلى إسلام؟ يؤكد:«بالنسبة لي، هي محطة في الطريق إلى مكان آخر..» وعندما سألناه أيضاً عما يجول في خاطره عندما يوثق معلومة عن منطقة أو عن شعب ما و هل يريد أن يُعلم الناس شيئاً جديداً إلى جانب المغامرة الشخصية؟ يجيب:«أنا لا أريد تعليم الناس..أنا أريد تعليم نفسي. من خلال التجارب التي أقوم بها ومن خلال التفاعل أيضاً بدأت أكتشف أن هناك قيمة في المحتوى الذي أملكه، ففيه رسائل ومزايا قد تفيد الناس .. رسالتي الشخصية هي ما كتبته في مدونتي.»
عادة لا يسافر إسلام إلى الوجهات التقليدية لأسباب متعددة.. «صغر سني الآن يمكنني من التحرك إلى وجهات غير تقليدية فهي أماكن بها حكايات. البعض يعتبر السفر فرصة لرفع علم بلاده بجانبه أو لحصر عدد الرحلات التي قام بها أو للبحث عن أفضل مكان لاحتساء القهوة في مدينة «برشلونة» الإسبانية مثلاً. هذا ليس خطئاً وهو أمر مفيد ومسل ولكن هذا ليس توجهي.»
ويستطرد:« توجهي هو أن ينغمس الإنسان في تجربة ليصبح أفضل. في طفولتي، كنت أخاف من كل شيئ . كنت أخاف من المرتفعات والكلاب والقطط والظلماء. وأنا صغير كنت طفلاً مستسلماً خائفاً حتى تكوين جسدي المنحني دل على ذلك. عشت في هذا الخوف لسنوات ما أثر علي. قررت أن أكسر هذا تدريجياً.»
و يوضح:«منذ كنت طفلاً شجعني والدي على حب القراءة فكنت أقرأ عن رحلات «جاليفير» و«تان تان» وأحلم بالسفر، إلى أن جاء وقت وثقت فيه بنضجي فذهبت إلى ألمانيا في أولى رحلات حياتي بينما كانت رحلتي الثانية إلى أميركا حيث صدفت رحلة عودتي في يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 من مطار جون كينيدي أيضاً، فرأيت الأحداث مباشرة وانتظرت 5 أيام لأعرف ميعاد عودتي. هذا هو السفر الحقيقي.. أن توضع في موقف صعب وليس الذهاب إلى وجهة تلتقط فيها الصور بجوار المعالم الشهيرة.. هذه سياحة ..السفر أي التعرض لمواقف صعبة وتفادي الحلول السهلة دائماً.»
بعد ذلك، بدأ إسلام السفر تدريجياً، فمثلاً عندما يتذكر خوفه من المياه كان يتساءل كيف يمكنه التجديف في قارب بالمياه العميقة؟ «كنت أخشى الغرق والسقوط ثم أناقش نفسي أن الآخرين قاموا بالأمر فلما لا أقوم به ؟ وبالفعل ..كنت أفعل الأمر الذي أخاف منه لأكسر الحاجز. كنت مثلاً أخاف من الكلاب فذهبت إلى زامبيا ومشيت بجوار الأسود و لعبت معها. كنت أخاف من أسماك القرش و تعملت الغطس وارتعبت في البداية من أسماك شبيهة بسمك القرش ثم تعلمت أن أغطس معها وأركض ورائها لألحق بها ومن ثم أيضاً تعلمت أن أسبح مع الفك المفترس المعروف باسم «بيج وايت شارك».كنت أخاف من المرتفعات فقمت بالقفز بالمطاط «بانجي جامبينج».
ولكن ما هو الحاجز الذي كسرته ألمانيا داخل إسلام ؟ يجيب:«فكرة الانبهار بأننا نعيش في كوكب وأن الغرب يعيش في كوكب آخر. من الممكن أن نتعلم منهم الكثير وهم أيضاً. أذكر أنني عندما دخلت متحفاً في «ميونيخ» وجدت جزءاً كبيراً من الآثار المصرية، والكلمات المكتوبة جعلتني أدرك أننا ساهمنا بشكل كبير في الحضارة قديماً. تعرفين أننا نكبر في مصر بـ«عقدة الخواجة» باللهجة المصرية أي العقدة من الأجنبي، فنشعر أن الألماني أفضل منا في كل شيء.. انبهرت بتطور ألمانيا ونظافتها ولكن من منظور أننا نستطيع أن نفعل ذلك وليس من منظور النظر إلى كيفية عيش الألمان. حينها كنت طالباً بالهندسة المعمارية وبدأت تطبيق ما رأيته في مشاريعي الجامعية، وبدأت أعرف أيضاً أن السفر هو أداة من أدوات التثقيف دون دونية أو شعور بالصغر. رأيت جالية كبيرة من الأتراك ومجتمعات متعددة الجنسيات، ومدينتا «الإسكندرية» و «القاهرة» المصريتين كانتا كذلك قبل أن تصبحا لوناً واحدا فيما بعدً، فتعملت من رحلة ألمانيا أن الجاليات والأعراق تستطيع التعايش والاختلاط في المدن الكبيرة بدون النمطية أو العنصرية التي تخيلناها في مصر.»
ومثلما يؤكد إسلام أن رحلاته لا تهدف إلى تعليم الآخرين بشكل مباشر، يشدد أيضاً على أنها لم تخل من لحظات تأمل، فعبر محطات انتقاله في المطارات أو القطارات أو حتى أثناء الالتحام بصمت الأماكن التي يزورها، يدون أفكاره ويرسم الخرائط لكي يشعر بتلك الأماكن بشكل أكبر. في بوليفيا، رسم إسلام خريطة «سانتا كروز» قبل التوجه إلى «أمبورو» والتوقف في «ساماي باتا». «في طريقنا من «أمبورو»، حيث تلتقي غابات الأمازون مع جبال «الأنديز»إلى «ساماي باتا»، رافقني أحد السكان الأصليين من عرق «كيتشوا»، وأشار إلى أحد الأماكن التي يقطنها مجموعة من يهود «سافارديس» الذين هاجروا من الأندلس بعد دخول الملك فيرناندو و الملكة إيزابيلا وانتهاء دولة بني الأحمر في «غرناطة». هاجر هؤلاء إلى أماكن كثيرة منها المغرب وأميركا الجنوبية على السفن الإسبانية «أرمادا». هذه معلومة لم أجدها في أي كتاب ولكني رأيتها على أرض الواقع. هذا ما أدونه.»
ومع لحظات التأمل، يأتي أيضاً كسر حاجز الغرور البشري يرافقه إعلاء لقيمة التواضع، وفقاً لإسلام، عندما يوجه الإنسان الطبيعة بكل ما فيها. يصف هنا إسلام مشاعر بكائه عندما رأى ذكر غوريلا المرتفعات الفضي الظهر في أفريقيا والتأثير النفسي الذي تركه ذلك الحيوان عليه. «هو كائن قوي جداً، يمكنه أن ينسف الدنيا. إحدى الغوريلات أمسكت بساقي، والغوريلا قائد المجموعة نظر في عيني بعمق ثم مضى. هذه النظرة هزتني وكأنه يقول لي أنا القائد فاستسلمت لكي لا أعاديه.»
Comments