العالم على أعتاب كارثة.. خطر اليمين المتطرف يحكم لعبة الكبار.. فوز "ترامب" بالرئاسة يعطي قُبلة الحياة لـ"النمسا وفرنسا".. وخبراء يحذرون: انتظروا "الربيع النازي"
ربما يكون المستقبل القادم والقريب لأحزاب اليمين المتطرف، التي عَلَت نغمتها للغاية في معظم الدول الأوروبية، بعدما استنجدت بتصاعد وتيرة الإرهاب داخل القارة العجوز، ووجدت فيها ملجًأ منطقيًا لزيادة شعبيتها وطرح نفسها من جديد في لعبة الدول الكبرى.
بداية.. اليمين المتطرف هو مصطلح سياسي بحت، يُطلق على التيارات والأحزاب السياسية التي لا يمكن اعتبارها ضمن جماعات اليمين السياسية التقليدية، والتي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع.. أما المتطرفة؛ فهي تدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف وحمل السلاح لفرض التقاليد والقيم وتؤيد العنصرية والطائفية.
في تسعينات القرن الماضي، تبلورت بشدة فكرة اليمين المتطرف على صورته الحديثة الحالية في أوروبا، وكانت أمريكا هي محل الميلاد، بعد هجوم "أوكلاهوما" عام 1995، وهي الحادثة التي ألصقت بالإسلام، حيث كانت بداية وصفه بـ"دين الإرهاب" من قبل أوروبا.
وعزز من تلك النغمة ظهور جماعات "النازيين الجدد" حليقي الرؤوس في ألمانيا، التي يمكن وصفها بمحطة نشأة اليمين المتطرف، حيث بدأت تلك التيارات في تحقيق الكثير من المكاسب لها على الصعيد السياسي.
وتأصل نهج اليمين المتطرف في أوروبا خلال عام 2008، حين أعلنت أحزابه في معظم دول أوروبا تأسيس منظمة جديدة تهدف إلى مكافحة ما أسمته بـ"الأسلمة" للقارة العجوز، ورفعت شعار "المدن ضد الأسلمة"، وأعلنت ضرورة وقف افتتاح المساجد في المدن الأوروبية.
الانتشار الواسع لليمين المتطرف وقفت عدة عوامل ورائه.. بدأت مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور مجموعة من الدول التي التفت إلى أصولها العرقية، واندماج بعض الدول الأوروبية في الاتحاد الأوروبي، ما أشعل اهتمام الأوروبيين بأصولهم القومية في كل دولة على حدة.
كما أن انتشار البطالة في أوروبا والركود الاقتصادي إضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية، جعلت الأوروبيين ينظرون بعين الريبة إلى الأجانب الذين يرون فيهم مزاحمين على الوظائف وخاصة المسلمين منهم، وانطلاقًا من تلك النقطة بدأت دعوات طرد المسلمين المهاجرين تظهر بقوة.
وحاليًا يبدو أن العالم على أعتاب غزو اليمين المتطرف، ففي النمسا يعتبر يوم 4 ديسمبر المقبل، يوم فاصل في تاريخها، والذي سيتم فيه إعادة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها خلال مايو الماضي مرشح حزب الخضر "ألكسندر فان" بفارق طفيف على مرشح اليمين المتطرف "نوربرت هوفر".
وكانت المحكمة الدستورية ألغت نتائج تلك الانتخابات، وأمرت بإعادتها؛ بدعوى وجود مخالفات كثيرة في عملية فرز بطاقات الاقتراع المرسلة من خلال البريد، إلا أن الإعادة تبدو مختلفة بعض الشيء، لاسيما عقب فوز "دونالد ترامب" بالرئاسة الأمريكية وهو أحد مؤيدي اليمين المتطرف في أمريكا.
وأشعل هذا الأمر، الأمل فى قلوب اليمينيين والشعبويين في بلدان شتى، وهو ما تحدث عنه موقع "روسيا اليوم"، بالتأكيد على أن فوز ترامب؛ منح زخمًا لمعكسر "هوفر" اليميني الذي استغل الفرصة لتصوير نفسه بأنه الأصلح لقيادة البلاد، ويخشى كثيرون من صعوده في الانتخابات ليسجل محطة جديدة لليمين المتطرف.
و"هوفر" هو مرشح شعبوي من حزب الحرية، المعادي للمهاجرين، حيث ارتكزت حملته الانتخابية بالأساس على تقوية حدود البلاد وجيشها، وتقليل المنافع التي يحصل عليها المهاجرين، وإعطاء الأولوية للنمساويين في سوق العمل.
أما في فرنسا فيعيش اليمين المتطرف أفضل فتراته؛ نتيجة المتغيرات الدولية الحاصلة من خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وفوز "ترامب"، فضلًا عن التقدم الذي حصده حزب "الجبهة الوطنية" اليمني المتطرف بقيادة "مارين لوبان" في الجولة الأولى من الانتخابات المحلية وحسمها لصالحه.
وهو ما دفع "لوبان" للعب على وتر الدولة القومية مستغلة الأحداث الأمنية وجنوح الرأي العام الأوروبي والأمريكي نحو إغلاق الأبواب على المهاجرين والإهتمام بالسياسة الداخلية، والدعوة لطرد المهاجرين غير الفرنسيين، على أمل حسم الجولة الثانية ضد منافسيها من الوسط واليسار.
ولليمين المتطرف في فرنسا تاريخ طويل بدأ خلال عام 1972، حين تأسس الحزب الفرنسي القومي، على يد داعمي النازية وأعضاء من نظام "فيشي"، الذين سعوا إلى تضييق الخناق على الإعانات التي تقدمها الحكومة للمهاجرين، بما فيها الرعاية الصحية، وكذلك تقليل أعداد المهاجرين الوافدين.
الحديث الآن عن تيارات اليسار المعتدل في أمريكا؛ يعد ضربًا من الخيال، بعدما صعد "ترامب" اليميني المتطرف للبيت الأبيض، الذي صدح طوال حملته الانتخابية بتصريحات عنصرية لاسيما المتعلقة بموقفه من المسلمين والعرب واللاجئين وقضايا الشرق الأوسط.
تاريخيًا لم يتكون هذا التيار إلا في وقت متأخر داخل أمريكا، على يد كل من ضاقوا ذرعًا بالمسلمين، والداعين الى اتخاذ موقف متشدد إزائهم، خلال عام 1943، من بينها مؤسسة "مشروع من أجل قرن أمريكي جديد"، وحركة "اليمين المتصهين".
وعن خطورة انتشار ذلك التيار؛ يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن صعوده في دول العالم تباعًا ليس مصادفة، ولكنه يعبر عن توجه هيكلي يتبنى الخطاب المتطرف أكثر من المعتدل، يهدف إلى العودة للشعبوية والفوضى وإعلاء شأن الدولة عن أي شيء آخر.
ويضيف: "اليمنية الجديدة تعتبر ردًا عن الديمقراطية التي لم تعد تجدي في نظر دول كثيرة، وتعبر عن رغبة الحكومات الجامعة في تصعيد الخيارات العدائية، وهو ما ظهر في شعار أمريكا أولًا، وألمانيا أولًا، وخروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي بمعنى أنها تنأى بنفسها، وتنغلق على مصيرها".
ويوضح أن العالم على أعتاب كارثة خطيرة بسبب نغمة التطرف العالية التي يشهدها في الوقت الحالي، لأن جميعها تستهدف العرب والمسلمين، ويمكن القول أنها خلقت لأجل صد عدوانهم في نظر تلك الدول، حيث كانت البداية عند إسرائيل بإنشاء أحزاب العنف بها، ما صعد من تيار السلفية الجهادية أيضًا ردًا عليها.
Comments