"إخلاء السبيل" مكافأة النيابة العامة لـ"خفافيش الداخلية".. "قتل واغتصاب وهتك عرض" بدون حساب.. "البراءة" سلاح على رقبة المواطنين.. وخبراء: "الانتفاضة القادمة ضد الشرطة"
ليس البطش أو الانتهاك وحده، الذي يمارسه ضباط وأمناء الشرطة تجاه المواطنين هو ما عمق الفجوة بينهم، أو أجج الغضب الشعبي ضد وزارة الداخلية وقياداتها، لكن النيابة العامة أيضًا تعد شريكة بشكل غير مباشر في مسلسل الانتهاك المتتابع بإخفائها الدائم لقاعدة "الجزاء من جنس العمل".
مهرجان "إخلاء السبيل" الذي خصت به النيابة العامة الضباط والأمناء في كل واقعة بطش هو ما دفع أصابع الإتهام إليها، واعتبارها شريكة في تلك الحوادث، لأنها من ينزل بتتر النهاية دومًا بإخلاء سبيل الجاني والاستمرار في التحقيقات التي لا تفضي إلى شيء.
بمنطقة الأميرية، وتحديدًا في حي الزاوية الحمراء، قُتل المواطن "مجدي مكين" بائع السمك المغمور، على يد ضابط شرطة بقسم المنطقة، الأول ترقد جثته المعذبة داخل قبر ضيق لا يملك لسانًا ليدلو به عما حدث معه، والثاني حر طليقًا بعدما تم إخلاء سبيله، أمس الجمعة.
البداية كانت من خلال مشاجرة عابرة وقعت بين "مكين" وأحد السائقين، تدخل على إثرها الضابط الذي كال الشتائم والسباب لكلاهما، إلا أن الأول اعترض على ذلك بقوله: "عيب أنا قد أبوك"، وهي الجملة التي قضت على حياته بعدما اصطحبه الضابط لقسم الأميرية وعذبه حتى أفضت روحه، وفقًا لرواية أصدقاؤه.
واتهمت عائلته الضابط بتعذيب "مكين" بعدما وجدوا تقرحات وعلامات تعذيب في مؤخرته، إلا أن الاجراءات سارت طبيعية وتقليدية، حيث فتحت النيابة العامة تحقيقًا ضد الضابط واستمعت لأقواله، إلى أن أمر المستشار "أدهم منتصر"، رئيس نيابة الأميرية، بصرف ضابط شرطة من سرايا النيابة.
العام الحالي شهد وقائع عديدة لانتهاكات الداخلية والتي دومًا ما تقابلها قرارات إخلاء السبيل، كان منها ما وقع في 18 فبراير الماضي، حين اتهمت سيدة أمين شرطة بقسم المرج بالتحرش بها وامساكها من مناطق حساسة وتهديدها بالسلاح لاصطحابها معه للمنزل.
وعقب المداولة والتحقيقات الروتينية، أمرت نيابة الحوادث شرق القاهرة، بإخلاء سبيل أمين الشرطة بضمان وظيفته، ولم يصدر أي حكم في القضية حتى الآن، بل أن زوج السيدة أكد فيما سبق أن الأمين لازال يعمل في المحطة.
وفي نفس الشهر خاضت وزارة الداخلية معركة حامية مع نقابة الأطباء، بعدما اتهم نحو 9 من أمناء الشرطة بالاعتداء على أطباء مستشفى المطرية، عقب نشوب مشادة كلامية بينهم وضرب إحداهم لطبيب داخل المستشفى وإهانة ممرضة.
وفتح تحقيق في الواقعة، إلا أنه لم يسفر على شيء سوى قرار بإخلاء سبيل الأمناء التسعة بضمان محل إقامتهم، من سراي النيابة وضمان الوظيفة، ووجه وقتها الكثير من الأطباء النداء إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي للاعتذار نيابة عن الداخلية.
ولم يكن هناك جديد يذكر، في واقعة اعتداء أمين شرطة على ممرضة بمستشفى كوم حماد في محافظة البحيرة، التي صفعها بالقلم على وجهها بسبب تأخر الطبيب في الكشف على نجله المريض، ورفضها قيامه بتصوير استقبال المستشفى خاليًا من الأطباء.
وأخلت نيابة كوم حمادة بالبحيرة، بإشراف المستشار "أحمد فوزي"، المحامي العام لنيابات دمنهور، سبيل أمين الشرطة بعد ورود تحريات إدارة البحث الجنائي حول الواقعة وملابساتها، والتي لم يتم الإفصاح عن تفاصيلها حتى الآن.
وكانت واقعة الشباب "خالد أبو دية" إحدى النقاط السوداء في ثوب الداخلية، لاسيما أنها لم تكن اعتداء فقط ولكن وصلت إلى حد القتل، بعدما أطلق عليه رقيب شرطة بكفر الشيخ رصاص عقب مشاجرة عابرة بينهم فآرداه قتيلًا.
وتم إلقاء القبض على رقيب الشرطة، واقتياده لمركز شرطة بيلا، وعرضه على النيابة العامة، التي قررت إعطاؤه قرارًا بإخلاء السبيل لرقيب الشرطة وذلك بضمان محل إقامته، بالرغم من أن الواقعة تندرج تحت بند القتل العمد.
كذلك فإن وزارة الداخلية خاضت معركة ضارية مع نقابة المحامين آواخر 2015، بسبب واقعة إطلاق رصاص على المحامي "محمد وجددي" من قبل يد أمين شرطة في محافظة بورسعيد، أثناء استقلاله سيارته برفقة زوجته.
ووقتها وجه المحامي رسالة إلى الرئيس "السيسي" لأخذ حقه من الأمين لاسيما أن الإصابة بالغة، وجاءت في يده اليمنى التي يعمل بها، بيد أن نيابة بورسعيد أمرت بإخلاء سبيله.
ومن الوقائع الشهيرة التي اختتمت بإخلاء سبيل، ما حدث مع سائق "توكتوك" يدعى "مختار قنديل" موظف بوزارة التربية والتعليم، حين أطلق عليه النار أمين شرطة من قوة إدارة مرور الغربية، وأصابه بطلق ناري بالبطن استقر بالفخذ وأدى إلى تهتك بـ"العضو الذكري".
وتجلى جبروت أمناء الشرطة وضباطها، في واقعة المعصرة التي كانت من نصيب طفلة صغيرة، قتلها أمين شرطة بالخطأ أثناء تتبعه لبعض المتهمين بإتجار المخدارت، وتعدى أحدهما عليه بسلاح أبيض محدثًا إصابته بجروح بذراعيه.
فأخرج الأمين سلاحه الميري، وأطلق عدة طلقات تحذيرية في الهواء، أصابت إحداها الطفلة "حبيبة رأفت"، أمر وقتها المستشار "طارق أبو زايد"، المحامي العام الأول لنيابات جنوب القاهرة الكلية، بإخلاء سبيل أمين الشرطة بكفالة 5 آلاف جنيه.
وفي مدينة نصر، أصيب محامي إصابة بالغة، على يد أمين شرطة قام بإطلاق أعيرة نارية عليه بعد نشوب معركة كلامية بينهما، إلا أن المستشار "أحمد عبد الرحمن الصادق" رئيس محكمة حوادث شرق القاهرة قرر إخلاء سبيله بضمان محل إقامته.
وحين اغتصب أمين شرطة وفرد شرطة فتاة في منطقة الشرابية داخل سيارة النجدة، تم إخلاء سبيلهم على يد محكمة جنح الشرابية بكفالة ألف جنيه، رغم تأكيد الفتاة أكثر من مرة أنهما قاما بهتك عرضها واغتصابها.
وعن اجراءات إخلاء السبيل من الناحية القانونية، يقول الدكتور أحمد مهران، أن الأمر أحيانًا يخضع لبعض اعتبارات الموائمة السياسية والقانونية من وجهة نظر النيابة، ويختلف فيها القضايا السياسية عن الجنائية، لأي مواطن سواء كان ينتمي لجهاز الداخلية أو لغيرها.
ويوضح أن أول ما يواجهه المتهم هو القبض عليه وإيداعه للحبس الاحتياطي، لاجراء التحقيقات الأولية، دون النظر إلى طبيعة عمله، وبعد ذلك يكون لأي متهم الحق في أن يطالب النيابة العامة بعد انتهاء التحقيقات العامة معه اخلاء سبيله على ذمة القضية.
ويؤكد أن إخلاء السبيل يقصد به منع حبسه احتياطيًا على ذمة القضية التي يحقق فيها، لحين الفصل فيها بحكم قضائي، ويتم استندًا إلى انتفاء مبررات الحبس الاحتياطي، وهي محددة في قانون الاجراءات الجنائية، منها أن يكون له محل إقامة ووظيفة ثابتة ومعروفة، وألا تخشى النيابة من تأخره على التحقيقات، أو تغيير الأدلة التي ترتكن إليها.
Comments