المحتوى الرئيسى

ضحايا تونس يروون قصص تعذيبهم، فهل اقترب يوم "العسكري الأسود"؟

11/19 11:47

تختصر رواية إدريس أحوال التعذيب في السجون العربيّة، وآثاره النفسية والجسدية على المعتقلين السياسيين تحديداً، ومصائر الجلادين الآتين من دوامة القهر نفسه فيمارسون عملية الهدم نحو الأعلى. ينتشون بالدماء التي تسيل على أيديهم ولا يكتفون سوى ببلوغ أقسى درجات تحطيم ضحاياهم. مصير العسكري الأسود يكشف الكثير عن دوامات التعذيب ومحدداتها.

عندما يقف شوقي في وجه عباس الذي فقد عقله يبدأ بالصراخ "ما تستعبطش... ما تعملش انك ناسي، مش فاكر العنبر؟ مش فاكر علقة الساعة 5 كل يوم؟ مش فاكر دور 9؟ مش فاكر النبابيت؟ مش فاكر الكرباج؟ مش فاكر الدم؟ فين كرباجك... وديته فين؟... فين صراخك يا وحش... فين؟، فين نعل جزمتك الحديد؟ فين النار؟ بص لي واتكلم وزعق زي زمان... سمعني صوتك... صَرَّخ يا عسكري يا أسود، وإن كنت ناسي افكرك حالاً. بسرعة مذهلة خلع شوقي جاكتته وقميصه وكشف ظهره، ويا لهول ما وقعت عليه أبصارنا".

في ذلك المشهد يبدو شوقي مقهوراً. كيف يمكن ردّ الاعتبار من جلاد فقد عقله؟ كيف يمكن تعويض كل لحظات الظلم. قد يكون مشهده كالكلب ينهش نفسه مرضياً كحالة انتقام طبيعية، ولكن هل يكفي ذلك لتعويض الضحية؟

شارك غردخطوة تاريخيّة في مسار العدالة الانتقالية في تونس والعالم العربي…

شارك غردضحايا التعذيب في تونس يشاركون رواياتهم أمام الجميع، في خطوة نحو عدالة انتقالية لم تنجح في تحقيقها بعد أي من دول الربيع

أتت شهادة براهم في أولى جلسات الاستماع العلنيّة التي بدأت في العاصمة التونسية للآلاف من ضحايا الاستبداد، بعد ست سنوات على الثورة. ومرحلة الاستماع العلنيّة التي نظمتها هيئة "الحقيقة والكرامة"، التي تأسست في العام 2013، كانت قد سبقتها جلسات سريّة لـ12 ألف ملف نظمتها الهيئة طيلة ثلاث سنوات لضحايا الانتهاكات بين عامي 1955 و2013.

"لا صوت يعلو اليوم فوق صوت الضحايا... إنه يوم رد الاعتبار للوطنيين الذين قاوموا من أجل بلدهم... يوم مشهود ولحظة تاريخية ستظل علامة فارقة في مسار بناء دولة القانون". هكذا افتتحت رئيسة "الحقيقة والكرامة" سهام بن سدرين الجلسات التي تابعها مئات الشخصيات المحلية والدولية. وتعتبر هذه الخطوة تاريخيّة في مسار العدالة الانتقالية في البلاد. هذه العدالة التي لم تنجح المحاكم العسكرية التي تولت النظر في قضايا ضحايا بعد الثورة في إرسائها.

الجلسة الأولى سيتبعها جلستان خلال الشهرين المقبلين، تأتي كمحاولة للتصالح مع "الحقبة السوداء" الماضية، ونموذج لمنطقة عربية ما زالت تلوك آلامها ومآسيها منذ سنوات طويلة، من دون أن تنجح في طيّ الصفحة، عبر ردّ اعتبار من  ظُلم ومن اختفى قسراً ومن قتل، سواء بالمحاسبة أو الاعتذار. وتنقسم فئة الضحايا إلى قسمين، الأول يرى في العدالة الانتقالية أفضل الممكن في ظلّ توازن القوى السائد مستعيداً تجارب عدة كما في جنوب أفريقيا، بينما تطالب الفئة الأخرى بمحاسبة كاملة للمرتكبين، والاقتصاص من القتلة والجلادين والفاسدين. وهؤلاء هم من قادة الأجهزة الأمنية وأصحاب النفوذ والعسكر وقيادات الحزب الحاكم وعائلة بن علي المتهمين بالتعذيب والقتل والإعدام والاغتصاب والارتشاء.

قد لا يكون اليوم، الذي سيعاين فيه الضحايا "الجلاد الأسود" ينهش نفسه ويعوي كالكلاب، قريباً. لكن بن علي هرب وهذه كانت البداية، واليوم تأتي الجلسات العلنيّة لتسمح للضحايا بمشاركة رواياتهم، فيصبح الوجع مشتركاً، وبالتالي قوة المطالبة بالمحاسبة أكثر تأثيراً. لا شيء يمحي الجروح التي تحفر في الروح، لكن المحاسبة ضرورية للاستمرار والتصالح مع الذات والوطن.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل