المحتوى الرئيسى

إسراء سيف تكتب: مين مايحبش حسني؟

11/19 10:44

أؤمن أن هناك مبدعين تعرفهم روحك وكأنهم عشرة عُمر، تفتقدهم بعد رحيلهم كما لو كانوا جيرانك أو رفقاء الدراسة، وكيف لا تفتقدهم وتكن لهم حبَا مُختلفًا وهم من شاركوا في تشكيل وجدانك وتركوا نسمات على روحك باسمة تضحك مع كل عمل تراه لهم؟!

السينما دائمًا تفصلنا وتعطينا استراحة من صعوبات الحياة، حتى وإن عبرت عن واقعنا تمنحنا ابتسامة خفيفة على شفاهنا هنا ودمعة خجولة صادقة هناك، تعبر عنا كالصديق الذي نلجأ إاليه في الحزن والمسرات، والأداء الرائع هو الفيصل الذي يجعلك تعيد مشاهدة فيلم أو مشهد بعينه دون ملل، ربما لذلك يصيبنا حزنًا مُختلفًا عند فقدان أحد نجوم السينما المصرية كالفنان محمود عبد العزيز، تشعر أن هناك مكانًا اعتدت زيارته أغلقت أبوابه في وجهك فجأة، لا تعرف كيف تودعه وقد أُغلق على حين غُرة ولا يوجد له بديل آخر ولا يوجد أمامك سوى أن تذكره بالخير والعيش على ما فات من ذكرياته الحلوة.

عندما سمعت خبر وفاته كل ما تردد في ذهني (مات الشيخ حسني)، فلو كان محمود عبد العزيز لم يمثل سوى هذا الدور العبقري لكانت له نفس العظمة والمكانة في نفوس المصريين.

الشيخ حسني هو أكثر الشخصيات التي أداها محمود عبد العزيز معزة إلى قلبي، شخصية خرجت من الورق إلى قلوب المشاهدين مباشرةً بحكم خفة دمه وتلقائيته وبساطة روحه، مزاحه يستطيع جيل كامل تذكره، فحتى أسلوبه في السباب يروق لمن يحبونه، فلدي صديق لا يجيد السباب، عندما يغضبه موقف دائمًا يقول: “عالَم على رأي الشيخ حسني”

أحبه لأنه يعبر عن الطبقة الكادحة التي تلجأ لبيع بيت صغير أو قطعة أرض منسية لاستكمال حياتهم دون الاضطرار للجوء لطلب المساعدة، فمن منا لم يتعاطف معه حينما كان يشكو لعم مجاهد حاله قائلًا: “لامؤاخذة يعني، مغرفة الفول اللي كانت بمليم بقت دلوقتي بنص ريال” واصفًا حالة الغلاء التي تتوحش مع الأيام ليظل حيًا بحالته التي تعبر دائمًا عن حال المصريين.

أحبه لأنه علمنا كيف -في أحلك اللحظات- نلجأ للّمة الحلوة التي تهون علينا مشقات الحياة، كيف نصاحب الغناء والطرب كما لو كانا أطيافًا تزورونا، للمساهمة في التخفيف عنا فيقول لعم مجاهد: “أنا بكلم الناس حوالين الجوزة. بفضفض. بضحك. بغنى في قعدة حلوة لحد ما أموت”

أحب في الشيخ حسني روح التحدي التي يتمتع بها على الرغم من كونه كفيفًا يرضى بتحليه بالبصيرة التي لا يمتلكها كل الناس، فيردد دائمًا لمن يصفه بالأعمى: “أنا أعمى يا غبي؟ ده أنا أشوف أحسن منك في النور وفي الضلمة كمان”، ليعلمنا درسًا أن هناك أشياء بالحياة لا تشترى كالبصيرة والفراسة.

كيف لا أحب الشيخ حسني وهو من علمني حب المغامرة، فقد أصر على ركوب (فسبة سليمان) التي كان يتحسسها بغرض الاستكشاف كطفل وجد لعبته المفضلة يقف أمامها مبجلًا إياها بالاستكشتاف قبل اللعب بها، ومن ثم يقرر أن يخوض التجربة كاملة فيركبها وحده مُحلقًا أخيرًا بحصان خياله، الذي يزوره كل ليلة قبل النوم حالمًا بركوب هذا البساط السحري، الذي يؤمن أنه سيمنحه ولو القليل من الحرية بمنأى عن الضغوط التي يواجهها، فيركبها دون خوفٍ أو تردد -في مشهدٍ لن ننساه أبدًا- يتحول فيه الشيخ الحسني من رجل عجوز لطفل يملأ الحارة بهجة غير مكترثًا بعقبات ما يفعله.

هناك أشخاص يستعصي عليك تقبل فراقهم، ليس لأنك ترفض حقيقة الموت، ولكن لأن وجودهم وموهبتهم تُعد بهجة ونقطة نور وسط هذا الجنون الذي نعيش فيه.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل