المحتوى الرئيسى

تقدم الأمم يبدأ باعترافها

11/18 16:29

نعيش في هذه الحياة وسط تحديات كبيرة، تحديات فاصلة تميز بين أصحاب الرؤى والأهداف وبين مَن يعيشون على هامش الحياة دون هدف محدد، الظروف المحيطة بنا المليئة بالصراعات السياسية والثقافية والحضارية تحتم عليك الاختيار بين أن تكون رقماً في هذه المعادلة ولو كان رقماً صغيراً، أو إعادتك للحجم العادي، أي صفر لا فائدة مرجوة منك سوى إضافتك لسجل النفوس وحذفك منه عند الوفاة.

الكثير منا يريد أن يكون جزءاً من حركة الكون، وأن يضيف لأمته بصمات وبصمات.. نريد أن نغزو العالم بكل مناحي الحياة، وأن تكون مجتمعاتنا نماذج رائدة في العلم والفكر وصناعة القرار وقوة الاقتصاد والغنى الثقافي والقوة العسكرية والمعالم السياحية، وتمدد النفوذ وغيرها من الأحلام المؤجلة، لكننا في كل مرة نتناسى شيئاً أساسياً وهو "الاعتراف".

الاعتراف بأننا أمة متخلفة عن باقي الأمم في كل تلك المناحي دون منافس، سيخرج علينا من يتحدث أننا بألف خير ويشير بإصبعه على نماذج مشرقة في محيطنا، نعم هي موجودة دون أدنى شك، لكنها موجودة؛ لأنها اعترفت دون تردد، اعترفت أننا بتنا نعيش على أوهام الماضي وانتصاراته العبثية، وأننا نتغذى من موروثات فتكت بنا وأعادتنا لمربع الأمم الجاهلة في القرون الوسطى التي ما عادت مجتمعات قوية إلا عندما بدأت بالاعتراف وهدم تلك الأحجار التي أثقلت بها لعقود طويلة، يكفي أنه خرج من بين ظهرانينا تنظيمات التكفير الداعشية، سنية كانت أو شيعية، تتغذى على القتل والدمار والدماء التي تسيل دون رادع لها، لم تخرج تلك الظواهر من بيننا؛ لأن قيمنا تدعو لتلك المهالك، كما يحاول البعض اليوم أن يشير، لكنها ظهرت بسبب تقاعس أهل العلم والشأن عن مواكبة الحاضر واستشراق المستقبل، لا يهمهم سوى سرد ذلك التاريخ والعيش على انتصارات وهمية.

تتصارع الأمم الكبرى اليوم على مكتسبات ونفوذ ومصادر الطاقة، وتتشكل التحالفات والقوى على أساسها، في حين يتصارع العربان ومشايخ البلاط والسلطان والشباب الضائع بين جدران قصور المستبدين على آراء فقهية صغيرة، تجاوزها العقل والزمان، وأصبحت من المسلمات، فالعالم اليوم مشغول في رسم خارطة المنطقة وتحديد نفوذها السياسي والاقتصادي من طاقة بديلة وثوريوم وغاز طبيعي ونفط وآثار وحضارة، وشعوبنا اليوم تصرف ثلثي وقتها على مناقشة حكم المصافحة وعمل المرأة وسفرها دون محرم، يكفيك أن تنظر إلى أساليب استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي؛ لتدرك حجم المصيبة التي تحاصرنا من كل جانب.

حدثني صديقي المتخصص في Social Media عن الخطط الاستراتيجية التي أصبحت تضعها المؤسسات والشركات الأوروبية لكيفية استخدام هذه المواقع بشكل علمي دقيق، ويصل للمستهلك والزبون بسرعة قياسية.

وأشار أيضاً إلى أن الأحزاب الأميركية والأوروبية وحتى في بعض الدول الإفريقية وضعت ميزانيات تصل لمئات الملايين للعمل على تطوير استخدام المواقع والتطبيقات؛ ليستطيعوا من خلالها تمرير الأفكار والمشاريع التي يطرحونها للمواطن.

بعيداً عن هذا العلم الحديث الذي أصبح علماً يدرس وممنهجاً ما زال تعاطينا معه بأسلوب تافه وسطحي.. انظروا لبعض الصفحات العربية والإسلامية وستدركون حجم أزمتنا الحضارية، دققوا في الحوارات التي تطرح على مجموعات الواتساب والتلغرام وسنعي كمية السخافات التي ما زلنا ندور حولها.

هم يستخدمونه لرقي الإنسان وفكره ونظرته للحياة ونستخدمه كمحدثي نعمة للدجل والتجريح والغيبة ومحاربة طواحين الهواء.. وبعدها نتحدث عن تراجعنا وجهلنا ومستوى حماقتنا.

ربما قد يعتبر البعض أنني غاليت بالنقد اللاذع والكلام القاسي، إنني عليّ أولاً أن أبدأ بنفسي قبل الآخرين.. ربما صحيح، لكن ما أود قوله اليوم أننا بحاجة أن نعترف بحجم سوء واقعنا ومدى تراجع مستوى تفكيرنا وتعطيلنا المستمر للغة العقل والمنطق وتغليب منطق العاطفة المليئة بالمغالطات.. علينا أن نترجم تقدمنا بداية من تسويق لغة الاعتراف.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل