المحتوى الرئيسى

ما نوع النساء اللاتي صوَّتن لترامب؟

11/18 16:29

يبدو أن تاريخ 9/11 يحمل الآن بصورة شاعرية مزعجة نفس وزن الصدمة التي حملتها أحداث 11/9 في التاريخ الأميركي.

الآن، صار أحد نجوم عروض تلفزيون الواقع الذي يتفاخر علناً بتجاوزاته الجنسية التي ترقى لاعتداءات جنسية، والذي يتعهد ببناء جدار على الحدود الأميركية - المكسيكية، والذي تظهر حقارته في لجوئه للتنميط علناً، والذي يكذب بكل تبجح، والذي يبدو بكل وضوح أنه غير كفء فيما يتعلق بسياساته المتوقعة، هذا الرجل الآن رئيس لأقوى دولة في العالم.

ومع التصويت لصالحه ديمقراطياً من جانب أشخاص يُفترض أنهم ينتمون إلى أُمّة متعلمة ومثقفة، ليس ثمة جدال حول تنصيبه رئيساً للبلاد، ولا يمكننا أن نفعل سوى أن نفتح أفواهنا ونتساءل كيف لمثل هذه الشخصية أن تتمكن من خداع كثير من البشر المتحضرين على ما يبدو، ليجعلهم يثقون فيه ليهبوه أقوى سلطة على الأرض.

كان طريقه للفوز متعرجاً وفوضوياً بشكل محير، غير أن السياق الذي تدور فيه بعض الأصوات التي حصل عليها يبدو واضحاً، وكما رأينا مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيصوت الناس بأعداد كبيرة لكي يحظوا بالتغيير بأي شكل له، لقد سئموا من الوضع الراهن ويعتقدون أن شيئاً ما، أيُّما كان ذلك الشيء، سيكون أفضل من الموقف الحالي، نهم بائسون ويتوقون لأي تغيير في ظروفهم، وعندما تُعْرَض عليهم أكذوبات صارخة في صورة طُعْم، فهم ينجذبون على ما يبدو للتحقق من حقيقتها.

لننسَ الحقيقة التي تقول إن معظم وعود حملة مغادرة الاتحاد الأوروبي في بريطانيا كانت مُخْتلَقة (معذرة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا)، ولننسَ أن دونالد ترامب لم يقدم خططاً واقعية للطريقة التي سيجعل بها "أميركا عظيمة مرة أخرى"، لكن الواقع يقول إن التغيير الذي سيأتي به هو التغيير المطلوب، وأي شيء سيكون أفضل من الآن، أليس كذلك؟ قد يقبل شخص ما أن يحيا مشاعر التشفي عند مشاهدة هؤلاء الناس وهم يكتشفون كيف كانوا مخطئين، ولكن إن كان ما سيأتي من جرّاء ذلك لن يؤثر على العالم كله من ضمن تبعات تلك العملية.

ثمّة هؤلاء الناس الذين طالما أضمروا عنصرية راسخة، والذين رفضوا وجود رجل ذي بشرة سمراء في البيت الأبيض في السنوات الثماني الماضية، والذين يشعرون بالحزن من أن الناس ذوي الألوان المختلفة (حتى من يسهم منهم بمجهود كبير لرفعة المجتمع) يشكلون جزءاً من التعداد السكاني، والذين يشاركون ترامب رغبته في أن تصبح تلك البلاد قلعة ولجعل المكسيك تدفع لبناء الجدار. ثمّة هؤلاء المتبجحون مكشوفو الوجوه مثل دافيد ديوك، القائد السابق لجماعة "كلو كلوكس كلان" الإرهابية الأميركية، الذي أخبر جمهوره عبر الإذاعة أن عدم التصويت لصالح ترامب يعد "خيانة لإرثكم"، حسب تعبيره.

وعندما تثار أسئلة حول تلك التعليقات، يبدأ ترامب في التهرب من خلال ادعاءاته الغامضة قائلاً: "أنا لا أعلم شيئاً عن المؤمنين بسيادة الجنس الأبيض"، وهي بالكاد يمكن أن تُشكّل إدانة لهم.

من المؤكد أن الخلفية التي تأتي منها بعض الأصوات التي دعمت ترامب تبدو واضحة بصورة مفجعة، نحن نعلم أن الخوف يوّلد الجهل لدى غير المتعلمين العنيدين، والذين نادراً ما يُزعجون أنفسهم ليتأكدوا من صحة الادعاءات التي تعدهم بتحسن أحوالهم.

بَيْد أن ثمة بعض الأصوات التي كانت حريَّاً بأن تضمنها هيلاري كلينتون، لكنها لم تفعل؛ إذ تلوح علامة استفهام كبيرة أمامنا في الأفق حول نسبة الـ53% من النساء البيض اللاتي صوتن بجنون وبصورة محيرة لصالح ترامب.

فما هو نوع النساء اللاتي يحيين في بلد يفترض أنه متقدم، ويُعرف بأنه بلد التفكير الحر، حيث طالما قاتلت النساء من أجل الحصول على حقوقهن حتى قبل أن تولد الأخريات (ويا لَلسخرية التي تحملها حقيقة أن تلك الحقوق تتضمن حقهن في التصويت)، وعلى الرغم من كل ذلك، اختارت هؤلاء النساء أن يدعمن شخصاً قال: "أمسكهن من عضوهن التناسلي"؟ أي نوع من النساء المتحضرات يمكن أن يقفن خلف رجل أخبر محامية كانت تترافع ضده في قضية بالمحكمة "أنتِ مقززة"، عندما طالبت باستراحة كي تستعصر اللبن من ثديها؟

أدلت هيلاري بتعليقات ظاهرها رفض الصور النمطية القديمة عن النساء "أفترض أنه كان بإمكاني البقاء في المنزل، وخبز الكعك وشرب الشاي" كما قالت ذات مرة، وهو ما أكسبها -دون قصد- عداوة عدد من النساء الأميركيات اللاتي اخترن فعل ذلك، ودفاعاً عن قرارها بدعم بيل بعد أفعاله الطائشة، احتجت بقولها: "لا أجلس هنا كما تفعل بعض النسوة الصغيرات وراء رجلي مثل تامي وانيت"، وهو ما أثار غضب العديد من النساء الأميركيات مرة أخرى اللاتي يرين في الزوج القائد، ويرين أنفسهن تابعات.

حقيقة الأمر هي أن جزءاً واسعاً من أميركا هو مثل العديد من البلدان في واحدة، وما يروق لنسويات المدن الكبرى لا يثير اهتمام النساء تقليديات الفكر في المناطق الأكثر محافظة.

علمنا هذا الأسبوع أن ترشح امرأة للرئاسة لا يعني فوزها بأصوات النساء تلقائياً؛ إذ إنها تثير الخوف والغضب في نفوس النساء اللاتي يشعرن بأن طريقتهن في الحياة يُنظَر إليها باعتبارها مدعاة للحرج، كما أنها تثير شعوراً بالنقص في نفوس ربات البيوت اللائي يشعرن بالقلق من تجاهلهن ورفضهن، وهي تثير حفيظة المحافظات من محبي سارة بالين، واللائي يرين في طريق كلينتون للنصر سلسلة من الإهانات والهجمات على طريقتهن في الحياة.

وهو نفس السبب الذي جعل النسوية كلمة قذرة تقريباً بالنسبة للعديد من النساء، هناك خوف من إعلان شخص ما دعمه للنسوية؛ لئلا يُرى كشخص يدعم فقط الصورة النمطية المتعطشة للسلطة التي عادة ما نتعرض لها.

عادة ما أسمع النساء وهن يعترضن قائلات إنهن لسن نسويات قبل أن يعبرن في اعتذار عن أفكار ووجهات نظر نسوية.

النسوية لا تعني الانتقاص من قدر الأفكار أو التقاليد قديمة الطراز، وإنما تعني إعطاء الحق والفرصة لكل شخص، ذكراً أو أنثى، لمتابعة ما يريده في الحياة، إنها تعني المساواة للجميع وعدم الانتقاص من أحد أو الاستهانة به.

من المؤسف أن هؤلاء النساء كان باستطاعتهن التغاضي عن تاريخ دونالد ترامب المضطرب مع النساء، وتجاهل تعليقاته الصادمة باعتبارها قيلت في خضم الحديث، ولا تعكس هويته الحقيقية، بينما لم يتمكنَّ من تقديم ذات المرونة لهيلاري والتعامل مع تعليقها باعتباره رد فعل تلقائياً على موقف شديد الخصوصية خرج إلى العلن.

من المؤسف أيضاً أن هؤلاء النسوة لم يتمكنَّ من رؤية ما وراء المسار المهني المثير للإعجاب، والذكاء المرتفع، والإخلاص الهائل لامرأة مستعدة لقيادتنا إلى نصر تاريخي لنوعنا.

يا له من عار أنهن رأين في البدلة إعلاناً للحرب على أمهات وزوجات أميركا ذوات التنانير.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل