المحتوى الرئيسى

انحاز الجيش للديمقراطية وعاد لسكناته

11/18 15:03

اقرأ أيضا: العلاقة الجدلية بين الصحافة والديمقراطية الشعب "شاور" والرئيس وعد بالتنفيذ تساؤلات حول "القوة السائلة" العربية فقهاء السلطان ....أقدم مهنة فى التاريخ هذا وقت المصارحة والمكاشفة

يوم السبت الماضى خرجت علينا مؤسسة الرئاسة، بخبر إعتزام الرئيس زيارة البرتغال لتعزيز العلاقات معها على كافة الأصعدة .

سعدت كثيراً بهذا الخبر ،ودعوت الله أن تكون هذه الزيارة فاتحة خير على مصر ،وفرصة قد ينتهزها الرئيس ليطلع بنفسه على التجربة الديمقراطية للبرتغال ،والتى لعب فيها الجيش دورا مؤثراً وخطيراً فى دعمه الإنتقال الأمن للسلطة ،من حكم عسكرى دشنه الجنرال "سالازار" فى ثلاثينيات القرن الماضى ، لحكم مدنى ٍجمهورى برلمانى ديمقراطى ،ٍيكرس السيادة للشعب ،ويحترم التعددية السياسية والحزبية والفكرية ،ٍويضمن ممارسة الحقوق والحريات العامة والخاصة ،ويحترم أحكام الدستور والقانون ،ويغل يد الشرطة الوحشية فى قمع الشعب وإخراس صوت المعارضة للنظام الحاكم ،ويبيح للشعب الإضرابات والمظاهرات السلمية ،  وأن تكون السيادة للشعب وحده وليس لأى مؤسسة أوسلطة أخرى أياً كان مسماها ، وأن يحدث كل ذلك فى غضون سنوات ثمانية – عكس ماكان يبتغى الجيش حدوثه مخلصاً فى عامين لأسباب ليس له يد  فيها وتضيق المساحة عن بيانها – لينهى بذلك أعرق ديكتاتورية فى أوربا حكمت شعبها لمدة تزيد على (40) عاماً ،لتنتقل البرتغال بذلك لمصاف الدول الديمقراطية في العالم المتحضر وبمساعدة الجيش .

إن ثورة "القرنفل " التى قادها الجيش فى سبعينات القرن الماضى ضد الإستبداد وإستمرار الحكم العسكرى فى حكم البلاد ،تجعلنا نتوقف كثيراً أمام الملاحظات التالية :

 قامت المؤسسة العسكرية في البرتغال وبمبادرة منها وبدون ضغوط مؤثرة عليها من القوى المدنية الديمقراطية بالبلاد ،بالإطاحة بحكم الإستبداد العسكرى الذى فشل فى إدارة شئون البلاد إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً ،لأنه غير مؤهل لشئون السياسة والحكم ومواجهة تحديات وأزمات غير مألوفة لقادته .

إن ماحدث  فى أبريل 1974 بالبرتغال علمياً كان إنقلاباً عسكرياً بقوة السلاح وفق المفهوم السائد عن الإنقلابات العسكرية ،لكن دعم الشعب للإنقلاب حوله إلى ثورة ديمقراطية على نحو ماذهب إليه الدكتور"أوزال فارول" بجامعة هارفارد الأمريكية فى أبحاثه ،حيث إلتزمت قيادة ثورة "القرنفل" العسكرية  منذ اليوم التالى للإطاحة بالنظام الإستبدادى فى بيان قصير بأن (تجرى إنتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية فى غضون عامين ،وأن لا تستخدم نفوذ الجيش فى التلاعب بنتائج الإنتخابات ،وأن يسمح بتنظيم الأحزاب السياسية والمشاركة فى الإنتخابات بحرية بإستثناء الحزب السياسى التابع للنظام الإستبدادى المطاح به )،وهو ماتحقق بالفعل على أرض الواقع ولمسه الشعب ،بأن توجت المرحلة الإنتقالية  بتسليم الجيش السلطة للحكومة المنتخبه على الفور بصرف النظر عن كنيتها ،ومن ثم عاد الجيش لسكناته وإبتعد نهائياً عن التدخل فى الحياة السياسية البرتغالية .

 لم تمن قيادة الجيش على الشعب بتخليها طواعية عن السلطة ، ولم تعاير القوى المدنية الديمقراطية بأنها لم تستطع بحركتها بين الجماهير أن تطيح بحكم الإستبداد ،الذى حكم البلاد بالعنف وشوه قيم المواطن البرتغالى المطحون ،وإستبدلها بالكذب والتطبيل والنفاق .

لعله كان من محاسن الصدف أن الجيش البرتغالى يعتمد على نظام التجنيد الإجبارى ، ومن ثم فقد إتفقت مصالحه مع مصالح الأمة وليس مع مصالح الحاكم وتطلعاته وطموحاته حتى ولولم يكن عسكرياً بعكس مايحدث فى الجيوش المحترفة .

 إن المتابع لأحداث جنوب القارة العجوز فى سبعينيات القرن الماضى سيجد أن عودة الديمقراطية لدول حزام الزيتون (البرتغال واليونان وأسبانيا ) كانت بسبب تعرض البلاد لأزمات طاحنة لعب فيها العسكريون أبرز الأدوار مما جعلهم يسلمون الحكم للمدنين ويعودون لسكناتهم إعلاء للمصلحة العليا للبلاد .

أدارالجيش ظهره لنظرية "الدولة الحامية" لصاحبها الأمريكى الدكتور "هارولد لاسويل" ،والتى تتيح للنظم الإستبدادية إنتزاع مصادر الثروة من الشعب مقابل حمايته من "التهديدات" التى توظف محلياً لخدمة النظام الإستبدادى ، وتبرر له فرض هيمنته على إقتصاد البلاد وتمكنه من إنشاء إقتصاد موازى لإقتصاد الدولة لايخضع للرقابة والمساءلة ، ثم بعد أن تنجح الدولة فى فرض الأمن بالترويج لإنعدام الأمن، تقوم بتوزيع الغنائم على دعائم وأنصار وأزلام النظام من الجيش والشرطة والمدنيين المؤيدين لإستبدادها وتترك الفتات لغالبية الشعب المطحون .

إن  أول رئيس منتخب للبرتغال بعد الثورة  كان شخصية عسكرية إلا أن ذلك لم يمنع البرلمان الذى ولد من رحم الثورة عام 1982 من إجراء تعديلات دستورية على دستور 1976، قلصت صلاحيات رئيس الجمهورية ،وألغت مجلس قيادة الثورة ،وأنشأت محكمة دستورية ،ومكنت الحكومة المنتخبة من إخضاع المؤسسة العسكرية لها ، وهذا يعنى أنه ليس عيباً أن تتولى شخصية عسكرية رئاسة الدولة،  وإنما العيب كل العيب أن يعمل على عسكرة الإدارة وفرض الهيمنة على مصادر الثروة والإقتصاد ، والتدخل فى صياغة قوانين الإنتخابات النيابية والمحلية والتأثير عليها ،والتعامل بإستعلاء مع القوى المدنية ،والعناد مع الرأى العام وتجنيب السياسة فى إدارة شئون الحكم ، وعدم إحترام الدستور ، وأن يسمح لأماله وطموحاته أن تتعدى وسائله وإمكانياته مما يجعله يعتمد بطريقة مبالغ فيها على أجهزة القوات المسلحة لتقوم بدور لم تتهيىْ له .

هذه بعض الملاحظات عن ثورة "القرنفل" البرتغالية ،نضعها أمام الرئيس "السيسى" لعله وهوبالبرتغال يسأل عنها حتى يطمئن قلبه على مصر ويستفيد من التجربة يستن بسنتها ويهتدي بهديها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل