المحتوى الرئيسى

في العتاب الكردي - العربي الذي لا يتوقف

11/17 23:50

يكاد لا يخلو أي نقاش أو حديث بين مثقفين عرب وكرد من العتاب المتبادل، كل طرف له مبرراته وحججه ورؤيته.

في الوعي الكردي، ثمة قناعة عميقة بأن أشقاءهم في التاريخ والجغرافيا والدين، لم يعطوا الأهمية اللازمة لقضيتهم، وما لحق بهم من ظلم على يد أنظمة دول المنطقة طوال العقود الماضية، وأن الإعلام العربي لا يتعامل مع قضيتهم إلا من زاوية خبرية آنية حدثية... وليس انطلاقاً من قضية شعب تعرض للإقصاء والتهميش والحرمان تحت شعارات قومية وأيديولوجية.

نظرة الكردي إلى إشكالية العلاقة، تتجاوز قضية غياب صيغة قانونية ودستورية لتنظيم العلاقة بين الشعبين العربي والكردي إلى العقل السياسي العربي على اختلاف مشاربه القومية واليسارية والليبرالية وتياراته الإسلاموية على اختلافها.

وحسبه، فإن الإطار العام لهذا العقل ينطلق من شعارات كبرى كلية، ولا ينظر إلى الكرد سوى كقضية هامشية ثانوية، يمكن تأجيلها إلى ما لا نهاية؛ بل وكثيراً ما يُخرج البعض هذه القضية من منطق الجغرافيا والتاريخ والمجتمع، ويضعها في إطار نظريات مشبّعة بروح العداء، كتلك التي تصفهم بالشعوبية أو بالعجم، أو حتى بالتآمر على الأمة العربية من خلال التحالف مع أميركا وإقامة العلاقات مع إسرائيل.

وهكذا، يتحول الكردي المطالِب بحقوقه القومية والاعتراف بهويته إلى عنصري مضاد ينبغي محاربته إن لم يكن قتله كما كان يقول حزب البعث في العراق أيام صدام حسين، حيث كانت مادة داخلية في النظام الداخلي للحزب تقول بـ"وجوب نفي وإبعاد كل من دعا أو انضم إلى تكتل عنصري ضد العرب"، ولعل من رحم هذه الأيديولوجية بنى الاستبداد عروشه، وتحجر الفكر في شعارات أيديولوجية، وتجمدت مفردات الثقافة والفكر لصالح التعصب.

وانطلاقاً من كل ما سبق، كانت مواجهة أي مطالبة كردية بإعادة تأسيس الدولة العراقية واليوم السورية بالحديد والنار بدلاً من أن تكون هذه المطالبة مراجعة للعقل والفكر والأيديولوجية، ودعوة للتخلي عن الاستبداد ومصادرة حق الشعوب والأقليات غير العربية، حتى بدت صورة الدولة العربية الحديثة صورة للاستبداد والقمع .

في المقابل، ثمة عتْب عربي مترسخ تجاه الكرد على شكل أسئلة ورؤى في العقل السياسي، وهو عتْب ربما ينطلق من أولويات ومخاوف لها علاقة بالأيديولوجية من جهة، وبالقضية الكردية ككل من جهة ثانية، فثمة سؤال يشغل عقل النخبة العربية، وهو: لماذا تثار القضية الكردية بقوة في العراق وسوريا ولا تثار في إيران وتركيا بنفس القوة، علماً أن عدد الكرد في تركيا يتجاوز عددهم في هذه الدول مجتمعة، كما أن عددهم في إيران أكبر من عددهم في العراق؟!

كذلك، فإن بعض المثقفين العرب، ولا سيما من التيار القومي، كثيراً ما ينظرون بخشية شديدة إلى أي مطلب كردي بشأن حق تقرير المصير، إذ إنهم غالباً ما يضعون هذا الحق للكردي في إطار المؤامرة على الأمة العربية؛ بل ويذهبون إلى حد وصف مثل هذا المطلب بتأسيس إسرائيل ثانية، مع أن مثل هذا الوصف يفتقر إلى المنطق والدقة، فعلى الأقل الكرد هم شعب مسلم ويعيش على أرضه التاريخية منذ الأزل، خلافاً للإسرائيليين الذين تم استقدامهم من مختلف دول العالم للاستيطان على أرض فلسطين، فيما كردستان كمصطلح جغرافي وحقيقة قائم منذ قرون.

أسئلة ربما مشروعة على مستوى الفكر والسياسة، ولكن الاجابة عنها تتطلب الخروج عن الأحكام الجاهزة إلى معرفة الحقائق والوقائع، كي تكون المقاربة السياسية للقضية واقعية وعقلانية تخدم المصالح المشتركة.

رؤية التيارات الإسلامية ربما لا تختلف كثيراً عن رؤية الأحزاب القومية العربية في هذا المجال، فتيارات الإسلام السياسي غالباً ما بنت رؤيتها تجاه الأقليات القومية والدينية على أساس الوحدة دون الاعتراف بالخصوصية القومية الكردية؛ بل إن تيارات إسلامية عربية وانطلاقاً من تحالفات سياسية أيديولوجية مع أنظمة سياسية دعمت حرب الأخيرة ضد الكرد بحجج مختلفة في وقت لا تتوانى هذه التيارات عن رفع الشعارات المطالبة برفع الظلم عن الأقليات المسلمة في مناطق متفرقة من العالم، فيما يتم تجاهل حقوق أحفاد صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس.

مع أن مواقف بعض القوى اليسارية والاشتراكية العربية كانت متقدمة نظرياً على مواقف التيارين القومي والإسلام السياسي من القضية الكردية، فإن مواقف هذه القوى ظلت في إطار رؤية النخب الفكرية والثقافية دون أن تتحول إلى واقع ملموس يمكن البناء عليه سياسياً في بناء مقاربة عملية من القضية الكردية.

واللافت في مواقف هذه القوى، أنه خلال العقود الماضية، وتحديداً خلال الحقبة السوفييتية، ذهبت إلى دعم حق تقرير المصير لمختلف شعوب العالم من أميركا اللاتينية مروراً بإفريقيا إلى أقصى آسيا، ولكن في الحالة الكردية كان يتقرب من هذا الحق بطريقة خجولة، ولعل هذا ما جعل مواقفها المتقدمة هذه دون فاعلية يمكن البناء عليه.

في الواقع، يمكن القول إن واقع العلاقة العربية - الكردية يعاني خللاً فكرياً وسياسياً يتعلق بالرؤى والمواقف قبل أن يتعلق بغياب أطر قانونية ودستورية لتنظيم هذه العلاقة والحقوق والمستقبل عند كل منعطف أو حدث.

دون شك، جدران سوء الفهم أو التفاهم العربي - الكردي للبعض كثيرة، ومواطن الخلل أكثر، ولعل الوصول إلى علاقة إيجابية بحجم التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة والمستقبلية يتطلب مراجعة فكرية وسياسية وثقافية، ومثل هذه المراجعة لا بد أن تكون مدخلًا لكسر الأيديولوجيات التي كلّست الفكر وأطّرته في شعارات معلبة، على أمل أن تؤسس هذه المراجعة لفهم جديد بحجم الوقائع التاريخية والجغرافية والثقافية، وتؤسس للتخلص من تلك الرؤى والنظريات الجاهزة التي نظرت على الدوام إلى الأقليات القومية والدينية من زاوية الريبة والشك والمؤامرة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل